عندما طلب مني الصديق جمال المحافظ أن أشاركه في هذه الجلسة لتقديم كتابه هذا بعنوان " الاعلام في ومن اللايقين" ، تبادر إلى ذهني السؤال التالي: ما الذي يجمعني بجمال، بغض النظر عن الصداقة؟
غصت بين صفحات "الإعلام في زمن اللايقين".... ونسيت – أو ربما تناسيت – الإجابة على السؤال...
ثم عدت لجملة استوقفتني. وردت في استهلال كتاب جمال المحافظ. يذكرنا من خلالها بوظيفة الإعلام وبمهمة الصحافي: وظيفة الإخبار، ومهمة البحث عن الحقيقة
أثارتني كلمة الحقيقة. وتساءلت: ربما كان على جمال أن يستعمل صيغة الجمع، بدل المفرد، وهو يتحدث عن توق الصحافي إلى الوصول، أو إلى البحث عن الحقيقة؟
مرة أخرى – وأنا مستمر في غوصي بين دفتي الكتاب – نسيت، أو تناسيت، أن أفكر في جواب ممكن لهذا التساؤل.
نسيان أو تناس، ذكرني بما يجمعني بجمال المحافظ، فضلا عن صداقة بدأت منذ ثلاثين سنة ونيف، وانتماء مشترك إلى الجمعية المغربية لتربية الشبيبة "لاميج". مع فارق مهم: انتمائه هو للجمعية المغربية لتربية الشبيبة كان هنا، في المركز. أما انتمائي أنا، فكان هناك، في الهامش "العرائشي."
تذكرت إذا أن من ضمن ما يجمعنا – يا جمال - ما قاله يوما عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو في معرض محاضراته، التي خصصها لتحليل وتفكيك سوسيولوجيا الإعلام والفن والإبداع.
يقول بورديو:
"لكي نفهم تكوين عمل فني ونستوعب الأثر الاجتماعي الذي يتركه (أو الذي قد يحدثه في المجتمع)، علينا أن نعيد وضعه في سياقه العام باستعمال الحقل - في شموليته - كأداة للتحليل".
إنه الحقل يا صديقي - وليس القطاع ...
الحقل الإعلامي الذي يجمعني بك، ربما من ضمن حقول أخرى...
الحقل الإعلامي كأداة لفهم ما نطمح إلى تحقيقه نحن معشر الصحافيين، أو العمال الإعلاميين.
وما نطمح إليه، من أجل الإخبار، هو البحث عن تلك الحقيقة – أو الحقائق – التي تكون مَخْفِيةً، أو ضائعة، بين ثنايا البيانات والشعارات والتصريحات وروايات "شهود العيان" وبلاغات" شركات "التواصل المؤسساتي"."
فكيف السبيل إلى ذلك في "زمن اللايقين"؟
سؤال، يحاول جمال المحافظ أن يجيب عليه في هذا الكتاب من خلال تذكيرنا بالحقول الاجتماعية، التي لا يمكن للصحافي أن يتغاضى عنها إن هو أراد ملامسة جزء من الحقائق التي تعتمل في المجتمع، الذي يحاول - كناقل للأخبار - أن يُنير بعضا من طريقه لأعضاء ذلك المجتمع: أي للناس... للجمهور.
وهنا يبدأ جمال المحافظ في إبراز نماذج الحقول التي تتصارع مع الحقل الإعلامي – أو (ربما؟) بعبارة أخرى: الحقول التي يتصارع معها العامل الإعلامي في سعيه إلى البحث عن الخبر اليقين، إن هو وُجِد.
صراع مع السياسة، والمؤسسات، والثقافة، والذاكرة، والثورة الرقمية، و – أخيرا وليس آخرا – مع الجوار.
الجوار الجغرافي، والتاريخي، والسياسي، والإنساني للمغرب.
جوار غالبا ما يخصص له جمال المحافظ حيزا مهما في كتابته حول ما يعتمل في الحقل الإعلامي المغربي.
ومنها هذه "المقاربة البنيوية"، كما وصفها الأستاذ سعيد بنيس، "للإعلام في زمن اللايقين".
هذا "اللايقين" كان محورا لندوة علمية عَقَدتْها، هنا في الرباط عام 2012، الجمعية الدولية لعلماء الاجتماع الناطقين بالفرنسية. دعا القائمون على تلك الندوة إلى التفكير في "الأشكال الجديدة لظاهرة قديمة، كانت دائما موجودة في صلب العلاقات بين الأفراد والجماعات، وفي قلب نزوعهم الجزئي إلى الابتعاد عن اليقين".
"هذا اللايقين "الذي يوجد أيضا في صلب استراتيجيات المؤسسات الاقتصادية العابرة للقارات، التي تتحدث في أدبياتها عن تدبيره، بعدما فرضت على المجتمعات منطق تقاسم الأخطار، بدلا من تقاسم الثروات.
وسواء كنتم من دعاة التفكير، أو من هواة التدبير، فأنا أدعوكم إلى قراءة كتاب جمال المحافظ، لأنه يستفز اليقينيات، ويدفع فعلا إلى كثير من التأمل والتفكير.
" الاعلام في زمن اللايقين " الذي يعالج مفهوم اللايقين، بمنهجية ومقاربة صحافية، ويتناول قضايا الاعلام ارتباطا بالتحولات التكنولوجية وتحديات الثورة الرقمية، يتضمن ستة فصول هي : " الإعلام والثورة الرقمية" و" الثقافة والاعلام" و"الاعلام والسياسة" و"الصحافة والذاكرة" و"الإعلام والمؤسسات" وأخيرا "الاعلام والجوار".
مداخلة في لقاء تقديم كتاب جمال المحافظ بعنوان " الإعلام في زمن اللايقين" بمكتبة الألفية الثالثة بالرباط في 23 يونيو 2023
ثم عدت لجملة استوقفتني. وردت في استهلال كتاب جمال المحافظ. يذكرنا من خلالها بوظيفة الإعلام وبمهمة الصحافي: وظيفة الإخبار، ومهمة البحث عن الحقيقة
أثارتني كلمة الحقيقة. وتساءلت: ربما كان على جمال أن يستعمل صيغة الجمع، بدل المفرد، وهو يتحدث عن توق الصحافي إلى الوصول، أو إلى البحث عن الحقيقة؟
مرة أخرى – وأنا مستمر في غوصي بين دفتي الكتاب – نسيت، أو تناسيت، أن أفكر في جواب ممكن لهذا التساؤل.
نسيان أو تناس، ذكرني بما يجمعني بجمال المحافظ، فضلا عن صداقة بدأت منذ ثلاثين سنة ونيف، وانتماء مشترك إلى الجمعية المغربية لتربية الشبيبة "لاميج". مع فارق مهم: انتمائه هو للجمعية المغربية لتربية الشبيبة كان هنا، في المركز. أما انتمائي أنا، فكان هناك، في الهامش "العرائشي."
تذكرت إذا أن من ضمن ما يجمعنا – يا جمال - ما قاله يوما عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو في معرض محاضراته، التي خصصها لتحليل وتفكيك سوسيولوجيا الإعلام والفن والإبداع.
يقول بورديو:
"لكي نفهم تكوين عمل فني ونستوعب الأثر الاجتماعي الذي يتركه (أو الذي قد يحدثه في المجتمع)، علينا أن نعيد وضعه في سياقه العام باستعمال الحقل - في شموليته - كأداة للتحليل".
إنه الحقل يا صديقي - وليس القطاع ...
الحقل الإعلامي الذي يجمعني بك، ربما من ضمن حقول أخرى...
الحقل الإعلامي كأداة لفهم ما نطمح إلى تحقيقه نحن معشر الصحافيين، أو العمال الإعلاميين.
وما نطمح إليه، من أجل الإخبار، هو البحث عن تلك الحقيقة – أو الحقائق – التي تكون مَخْفِيةً، أو ضائعة، بين ثنايا البيانات والشعارات والتصريحات وروايات "شهود العيان" وبلاغات" شركات "التواصل المؤسساتي"."
فكيف السبيل إلى ذلك في "زمن اللايقين"؟
سؤال، يحاول جمال المحافظ أن يجيب عليه في هذا الكتاب من خلال تذكيرنا بالحقول الاجتماعية، التي لا يمكن للصحافي أن يتغاضى عنها إن هو أراد ملامسة جزء من الحقائق التي تعتمل في المجتمع، الذي يحاول - كناقل للأخبار - أن يُنير بعضا من طريقه لأعضاء ذلك المجتمع: أي للناس... للجمهور.
وهنا يبدأ جمال المحافظ في إبراز نماذج الحقول التي تتصارع مع الحقل الإعلامي – أو (ربما؟) بعبارة أخرى: الحقول التي يتصارع معها العامل الإعلامي في سعيه إلى البحث عن الخبر اليقين، إن هو وُجِد.
صراع مع السياسة، والمؤسسات، والثقافة، والذاكرة، والثورة الرقمية، و – أخيرا وليس آخرا – مع الجوار.
الجوار الجغرافي، والتاريخي، والسياسي، والإنساني للمغرب.
جوار غالبا ما يخصص له جمال المحافظ حيزا مهما في كتابته حول ما يعتمل في الحقل الإعلامي المغربي.
ومنها هذه "المقاربة البنيوية"، كما وصفها الأستاذ سعيد بنيس، "للإعلام في زمن اللايقين".
هذا "اللايقين" كان محورا لندوة علمية عَقَدتْها، هنا في الرباط عام 2012، الجمعية الدولية لعلماء الاجتماع الناطقين بالفرنسية. دعا القائمون على تلك الندوة إلى التفكير في "الأشكال الجديدة لظاهرة قديمة، كانت دائما موجودة في صلب العلاقات بين الأفراد والجماعات، وفي قلب نزوعهم الجزئي إلى الابتعاد عن اليقين".
"هذا اللايقين "الذي يوجد أيضا في صلب استراتيجيات المؤسسات الاقتصادية العابرة للقارات، التي تتحدث في أدبياتها عن تدبيره، بعدما فرضت على المجتمعات منطق تقاسم الأخطار، بدلا من تقاسم الثروات.
وسواء كنتم من دعاة التفكير، أو من هواة التدبير، فأنا أدعوكم إلى قراءة كتاب جمال المحافظ، لأنه يستفز اليقينيات، ويدفع فعلا إلى كثير من التأمل والتفكير.
" الاعلام في زمن اللايقين " الذي يعالج مفهوم اللايقين، بمنهجية ومقاربة صحافية، ويتناول قضايا الاعلام ارتباطا بالتحولات التكنولوجية وتحديات الثورة الرقمية، يتضمن ستة فصول هي : " الإعلام والثورة الرقمية" و" الثقافة والاعلام" و"الاعلام والسياسة" و"الصحافة والذاكرة" و"الإعلام والمؤسسات" وأخيرا "الاعلام والجوار".
مداخلة في لقاء تقديم كتاب جمال المحافظ بعنوان " الإعلام في زمن اللايقين" بمكتبة الألفية الثالثة بالرباط في 23 يونيو 2023