■ باحث في التراث بتميز خاص:
وصف الكاتب والاعلامي عبد الإله التهاني ، وهو يقدم الباحث والناقد سعيد يقطين لمستمعي برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية، بأنه وجه بارز من وجوه النخبة المغربية، التي سجلت حضورا وازنا ومتميزا
في مضمار الدراسات الأدبية والفكرية، وأسهمت في تحليل الظواهر الثقافية والمجتمعية ، وكذا التحديات التي تواجه المجتمع العربي ، في مجالات المعرفة والتنمية والبناء الحضاري الجديد". واستعرض سلسلة إصداراته التي فاقت عشرين كتابا في مجال النقد والدراسات الأدبية والأبحاث اللغوية، مشيرا إلى أنه خصص منها ثمانية مؤلفات لدراسة فن الكتابة الروائية، من قبيل : "القراءة والتجربة في الخطاب الروائي الجديد في المغرب"، "تحليل الخطاب الروائي"، ثم مؤلفه المتميز "قضايا الرواية العربية الجديدة" ، إضافة إلى كتابه "الرواية والتراث السردي : من أجل وعي جديد للتراث".
وأضاف في ورقته التقديمية لهذه الحلقة ، أن الدكتور سعيد يقطين ، ركز اهتمامه على تراث السرد العربي، وأصدر في هذا الباب مؤلفات متميزة ، منها كتابه "الكلام والخبر مقدمة للسرد العربي"، وكتابه "السرديات والتحليل السردي" ، علاوة على مؤلفه "السرد العربي أنواع وأنماط".
وأشار معد ومقدم البرنامج إلى اهتمام الباحث سعيد يقطين الثقافة الشعبية بكل تجلياتها وتعبيراتها ، وخاصة منها السير الشعبية المختلفة، حيث أثمر هذا الاهتمام كتابات عدة، من أبرزها مؤلفه " ذخيرة العجائب العربية سيف بن ذي يزن" ، وكتابا آخر في نفس هذا اللون من الدراسة الأدبية بعنوان "قال الراوي... البنيات الحكائية في السيرة الشعبية".
وأضاف الاعلامي عبدالاله التهاني بأن سعيد يقطين باحث تميزت أعماله بخاصية التعدد والتنوع، بالنظر إلى القضاياالتي انشغل بها ، ضمنها قضايا حيوية تهم الفكر المعاصر والوضع الثقافي العربي الحالي، مستشهدا في هذا الباب بكتابه القيم " اللغة، الثقافة، المعرفة: إشكالات ورهانات" ، وكتابه "معجم المشكلات الثقافية" .
وخلص عبدالاله التهاني إلى القول بأن سعيد يقطين، أنه من أكثر الأصوات الفكرية عمقا في الساحة الثقافية المغربية والعربية، وأن أبحاثه وآراءه تنزع نحو الإبتعاد عن التصنيفات والأحكام المذهبية أو الإيديولوجية ، مع إصرار على التحلي بمواصفات الاستقلالية الفكرية، والطابع الأكاديمي في النظر إلى الإشكالات الثقافية والتربوية والتنموية والمعرفية المطروحة للنقاش، دون أن يتخلى عن المقاربة السياسية الرصينة للقضايا التي يتصدى لها في كتاباته، مذكرا بالجواءز الفكرية الرفيعة التي حظي بها في المغرب وخارجه ، وبمساره الاكاديمي وأستاذيته في الجامعة المغربية، وعمله أستاذا زاءرا في جامعات عربية وأجنبية .
■ السجالات الايديولوجية والسياسية وضياع الفرص التاريخية للنهوض :
خلال الحوار ، وفي رد على سؤال يتعلق بأهم إشكالات الواقع الثقافي العربي ذات الصلة بإنتاج المعرفة المعاصرة ، أوضح الأستاذ الاستاذ سعيد يقطين بأن المجتمع العربي ، ومنذ التحول الذي طرأ مع دخول الاستعمار إلى الآن ، وهو يبحث عن موقع قدم في العالم المعاصر ، مشيرا إلى أن هناك عوائق وإكراهات كثيرة حالت دون ذلك ، ولعل أبرزها بنظره أن العالم العربي يعاني أولا من معضلة تأخره التاريخي . أما المعضلة الثانية بنظره ، فتتمثل في تدخل العامل الخارجي في توجيه الواقع الذي يشهده العالم العربي، دون أن تتمكن النخبة العربية من حل هذا الإشكال ، أي ذاك المتصل بواقعنا ، في سيرورة في علاقته بالآخر .
ويخلص الاستاذ سعيد يقطين إلى القول، بأن السجال والنقاش السياسي والإيديولوجي ، قد أضاع البوصلة التي يمكن أن تقود الإنسان العربي، إلى التفكير في واقعه وفي علاقته بالعالم الخارجي وبتاريخه أيضا ، من خلال منظور يمكنه من تجاوز مختلف العثرات ، التي تحول دون انخراطه في العصر الحديث.
■ نحن والصين واليابان :
واستحضر الاستاذ يقطين في هذا السياق، نماذج بعض المجتمعات التي تشبه تقريبا عالمنا العربي في سيرورته الحديثة، حيث تمكنت من تجاوز كل الإكراهات والمشاكل سواء منها الداخلية أو الخارجية، التي كانت تحول بينها وبين التقدم، وصارت الآن تحتل موقعا عالميا متميزا.
وفي هذا ذكر الصين إلى جانب اليابان ، ودولا أخرى كان لها تقريبا نفس الوضع التاريخي للعالم العربي، في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ولكنها استطاعت باتباع سياسات محددة ، وعلى رأسها إصلاح التعليم ، والدخول إلى العصر ومحاولة الإنخراط فيه. واعتبر الدكتور سعيد يقطين بأن قضايانا ماتزال معلقة، وفي كل حقبة ومنعطف تاريخي جديد ، تجدنا نستعيد الأشياء التي طرحناها في بداية عصر النهضة ، دون أن نتمكن من الجواب عنها.
■ إخفاقات الجهود المشتتة :
وردا على سؤال يتعلق بالآليات التي يجب توفيرها لتطوير اللغة العربية ، حتى تكون أداة لإنتاج المعرفة، أوضح ضيف الاستاذ سعيد يقطين بأن المعضلة اللغوية ، جوهرية في كل الوطن العربي، وليس في المغرب لوحده. ولم ينكر بأن هناك اجتهادات وآراء ومعاهد ومراكز تقوم بعمل مهم ، ولكنه سجل بالمقابل أنكل هذه المجهودات مشتتة ومتفرقة ، مرجعا السبب في كون اللغة العربية ليس لها مركز مؤسسي، يمكن أن يكون في الوقت الراهن ، هو الضامن لتوحيد مختلف المجهودات وتوجيهها ، لتكون في خدمة اللغة العربية .
وأبرز الباحث سعيد يقطين بأن إحدى المشكلات ، هي أن كل دولة عربية تحاول أن تجتهد لوحدها في اللغة، رغم تعاملها مع اللغة العربية في كلياتها ، ولكن الطريقة التي تشتغل بها تسير وفق ما يمكن أن نسميه "سياسة لغوية قطرية ( بضم القاف ) ، معتبرا أن السياسات القطرية المتعددة ، لا يمكنها نهائيا أن تخدم القضية العربية العامة.
■ حين يصبح الدفاع عن التعدد اللغوي مبررا لاستهداف اللغة العربية :
وفي سياق حديثه عن اللغة،ذكر بأن اللغات المتطورة حاليا كالإنجليزية ، سنجد لها مركز توجيه أساسي هو أمريكا، التي تعمل على توحيد مجهودات تشتغل على مختلف الخبرات، لتطوير المناهج التربوية، وتطوير الدراسات المتصلة بهذه اللغة، وما شابه ذلك.
وأكد بأن للعالم العربي طاقات ومجهودات متعددة، ولكنها مشتتة ، وأنه عندما تضاف إلى هذه المجهودات المشتتة والمتشعبة ، بعض النقاشات التي تطفو على السطح بين الفينة والأخرى، والتي تهاجم العربية
أو تقلل من قيمتها ، وتدافع عن لغات أخرى لها الحق في أن تكون موجودة ، ولكن حين يصبح الدفاع عن حق لغة في الوجود ، مبررا للهجوم على اللغة العربية، فإنه يرى في هذه التصرفات ، نوعا من التشكيك في أهمية اللغة العربية ، ودورها في الحياة العامة.
وبعد أن أشار إلى أن العديد من الجامعات العالمية، تستقطب شعبا للغة العربية، أكد الاستاذ سعيد يقطين على ضرورة الوعي بأن تطور المجتمع العربي رهين بتطوير اللغة العربية .
وأ ضح بأنه ليست لنا عقدة أو مشكلة مع أي لغة من اللغات ، ولكن عندما نفكر في التعدد اللغوي ، عن طريق إزاحة اللغة العربية أو تهميشها، فإنه لا يمكن أبدا للغة العربية، أن تكون في مستوى ما تحمله من إمكانات تعبر عن الإنسان المعاصر.
وانتقد ضيف البرنامج بشدة النقاشات الهامشية، التي ترجئ التفكير في استراتيجية جديدة ، تعمل على بلورة طرق بيداغوجية جديدة عصرية مناسبة، تيسّر على المتعلم والتلميذ والطفل والإنسان بصفة عامة ، من أجل أن يواكب ما تحبل به هذه اللغة، معبرا عن رأيه بالقول بأن الشارع العربي ، يميل بصفة عامة نحو التدريج (الدارجة)، ونحو استعمال اللغات الأجنبية ، حيث اعتبر أن هذه الممارسات هي ضد اعتماد اللغة العربية في حياتنا اليومية، مشيرا إلى أنه بدون إعطاء اللغة العربية المكانة التي تستحق، لا يمكننا نهائيا أن نسهم في التفكير فيها، أو الوعي بأهمية ذلك من أجل التطور والنهوض والتقدم.
■ وضعية البحث في كليات الاداب :
وعن سؤال يتعلق بما لاحظه بخصوص وضعية البحث العلمي داخل كليات الآداب بصفة عامة ، في النسق الجامعي المغربي الذي طرحه في كتابه "اللغة الثقافة المعرفة"، أوضح الأستاذ سعيد يقطين بأن هذه الوضعية لا يعاني منها المغرب فقط ولكنها تتسع لكل كليات الآداب والعلوم الإنسانية في الوطن العربي. وأرجع السبب في أن كليات اللغة العربية وآدابها، وخاصة أقسام وشعب اللغة العربية وآدابها، تأسست في سياق تكوين الأطر العربية ، مثل التي ستدرس في تخصصات تعليمية سواء في الثانوي أو العالي.
وأشار إلى أن هذه المهمة سرعان ما انتهت، وبقيت الجامعة تشتغل وكأنها مؤسسة لتكوين الأطر ، في الوقت الذي تمت فيه تغطية الأطر الضرورية والمناسبة، وتم الإستغناء عن الأطر الأجنبية.
وكشف على أنه إلى حدود الآن ، ليست لنا علوم إنسانية ولا علوم اجتماعية ، وليست لنا علوم أدبية، مؤكدا على أنه لنا علوم لسانية ، موضحا بأن كل هذه العلوم ، نشتغل ونفكر فيها على أنها مواد وليست علوما ، علينا أن نؤسسها وفق إجراءات البحث العلمي ، ونضع لها الشروط الضرورية لذلك، من بنيات للبحث ومختبرات ومراكز ، يشتغل بها متخصصون، وليست موادا ندرسها للطلبة لكي يجتازوا فيها الامتحان، أو لكي يعد ت فيها رسائل وأطروحات .
وأوضح الباحث سعيد يقطين ، أنه يميز صفات بين الجامعي والأكاديمي والعلمي، حيث بقيت عندنا الجامعة كدرجة من درجات التكوين، والأكاديمي اختزلناه في بعض القيم الخاصة، لكن الجانب العلمي لم نحقق فيه الشروط المطلوبة ، وأنه لذلك لم تتطور عندنا العلوم الإنسانية والاجتماعية والتربوية بصورة عامة ، وما يمكن أن يتفرع عن هذه العلوم من أجل فهم مجتمعنا ، ومن أجل إعادة قراءة تاريخنا، وتطوير علاقتنا بواقعنا ، والتفكير الجاد والمفتوح على المستقبل.
■ الهوية والعولمة أو نحو هوية متنوعة ومتشعبة :
وعن مسألة دعوته إلى عولمة الإسلام والعربية، واعتباره أن الفقيه الذي لا يقرأ بلغات أجنبية ، لا يمكنه خدمة الإسلام ، وأن دارس الأدب الذي يكتفي باللغة العربية ، لا يمكنه إنتاج أدب عالمي، قال الدكتور سعيد يقطين، بأن العصور الذهبية للحضارة العربية الإسلامية ، كانت في الوقت التي تأسست فيه العلوم ، واشتغل فيها علماؤنا وباحثونا وشيوخنا في مختلف المجالات المعرفية ، من العلوم القرآنية والحديثية إلى العلوم الدنيوية المتصلة بالزراعة والطب وغيرها من العلوم، كانوا علماء ينطلقون من أسس البحث العلمي ، التي كانت معروفة ومتداولة في زمانهم ، والتي تأسست على تفاعلهم مع حضارات سابقة ، تحديدا الحضارات اليونانية والهندية والفارسية، التي انفتحوا عليها واستفادوا منها وحاولوا تطويعها ، لكي تتفاعل مع واقعهم .كما حاولوا تطوير علوم عربية وإسلامية خاصة. من هنا خلص الدكتور سعيد يقطين إلى أن مسألة الهوية ، لا يمكن أن تختزل في هوية واحدة، بل في هوية متعددة ، وهوية متشعبة ومتحولة ومتغيرة.