إن مسألة الإنسان تجعلنا نفكر في تصورات محددة تسمح لنا بالتشكيك في مستقبله بشكل عام. ماذا سيحدث للإنسان بعد هذه الحروب وعنفها المعنوي والجسدي؟ كيف سيكون للأجيال القادمة القدرة على مواجهة صعوبات الحياة وكيفية علاجها لتأسيس تصور جديد للعالم ؟
جميع أعمالي الفنية تحول الإحساس الفني في خدمة الحوارات الأساسية حول الحاجة إلى الابتكار لتبادل الأفكار ولتغيير التصورات السلبية عند الإنسان. الفن والإبداع موضوع تحليل وممارسة تهدف إلى التغيير الفكري للمجتمعات.
بالنسبة لمسألة الفن ووظائفه في المجتمعات، هل الفن سيتخذ شكلا آخر من أشكال الرؤية والإبداع والنظريات؟ هل ستنحرف مسألة الجماليات والفن نحو مفاهيم أخرى عدوانية مثلا وعنيفة على وجه التحديد؟ هل سيحتفظ الفن بمشاعره الإنسانية لتعزيز قيمه أم سيتعارض معها لتحويل تاريخ الفن الحالي واتخاذ مخرج آخر من أجل عرض نفسه في منظور آخر ينشط عالمه الخيالي والإبداعي؟
كمجال للإبداع والابتكار، هل سيتمكن الفن من الاحتفاظ باستقلاليته لجلب الأفكار نحو حوار ثقافي فني عالمي؟
هل يمكن أن يشكل الفن خطرًا على الإنسانية إذا انفصل عن قيمه العاطفية والثقافية والإنسانية؟ هل ستؤثر الاضطرابات السياسية العالمية على الفن نحو تحول فكري يشكل تهديدًا للفنانين والمجتمعات؟ ما هو دور الفنان وواجبه في المجتمع؟
هل هو مجرد ابتكار وإنتاج وبيع أعماله لإرضاء أذواق متابعيه أم دوره أكثر في رفع الوعي الفني وترسيخ الثقافة الفنية؟
ماذا لو وجد الفن نفسه في طريق مسدود بعد تمزق فكري سببته أحداث تتعلق بالحروب والعنف بين الشعوب؟ وكيف يتمكن الفنانون من إعطاء معنى للفن بعد الاشمئزاز المطلق من عقليات الناس وعالمهم العاطفي. هل سنشهد استراحة في التقدير الفني في المستقبل القريب؟ إذا كان الأمر كذلك، كيف سيتمكن الفنانون من إحياء الفن مرة أخرى وما هي وسائله للحوار والإبداع؟
أسئلة كثيرة تتطلب عملا جادا من حيث التحليل والبحث العلمي تحدد مختلف الخصوصيات التي يتكون منها الفن والتي تضفي عليه وجودا ومعنى كمجال للتجريب الإبداعي الفكري القائم على الحرية المطلقة.
وهل سيتأثر مجال علم النفس أيضًا بكل مكوناته وأنماط تصوره النفسي بكل هذه الأحداث السلبية التي يعانيها العالم يوميًا من عواقب وخيمة، نفسية وبيئية؟ عالم مليء بردود فعل عاطفية سلبية شديدة تعيق حوارات الأفكار البشرية. وهل ستحتفظ الفلسفة بنفس التصورات والإدراك مع حريتها المطلقة في تجاربها المفاهيمية للأشياء؟
ماذا سيفعل علم الاجتماع في مواجهة كوارث الاختلال الاجتماعي العالمي مع المظاهر الهائلة للفقر والمرض وانعدام الأمن الاجتماعي في جميع أنحاء العالم، كيف سيكون رد فعل الفن في هذه الحالة؟ هل سيتأثر الفنانون بهذه الأحداث ويصبحون فقط أدوات لنظام التشغيل هذا الذي أضعف بالفعل بسبب الافتقار إلى الإلهام الفني البشري؟
هل سيكون للفن كعامل رجعي في المجتمعات نفس الديناميكيات لمساعدة المجتمعات على تطوير رؤاها للمستقبل ...نعرف أن المجتمعات تتغير لأن الفن يتغير من خلال تجاربه المتعددة والمبتكرة ومن خلال خياله الإبداعي الذي يساهم بشكل مباشر في جميع التطورات الفكرية والعلمية في جميع أنحاء العالم. الفن بلا شك هو المنقذ الوحيد للإنسانية، من خلال حرية الفكر وتجاربها العلمية والفكرية وفلسفتها الوجودية وعلم النفس العاطفي الذي يساهم في التوازن التركيبي للأشياء وعلم الاجتماع البشري الذي يساعد الإنسان على فهم خصوصيات علاقته بالأخر واحترام مبادئ التعايش السليم المبني على اسس الاحترام المتبادل مهما الاختلاف.
الشويخ عبد السلام/ استاذ الفنون التشكيلية- فرنسا
مدير قاعة العرض البيداغوجية للفن المعاصر التابعة لوزارة التعليم الفرنسي