ضاربة بلا هوادة، هي هذه الحملة العشواء التي تستهدف جسمنا. وكأني بها تبتغي النيل من شرفه وقدسيته. ولا أظنها ذات صلة بالعفوية ولا بالبراءة.
واسمحوا لي أن أثير مظهرين من آخر ما جادت به وسائل التواصل والإعلام في إطار اجتهادها في زرع ثقافة الكراهية والحقد للجامعة وللمكون الجامعي. وما يتلو ذلك من ضرب في قيمة القدوة الحسنة في العقلية المجتمعية...
فعلى مستوى وسائل التواصل. ما لبثت قضية رقص السيدة عميدة كلية آسفي تفرز كل أشكال القدح والسباب والشتم في حق الجامعة والجامعيين. فأضحى كل من هب ودب يشهر تفاهته البلاغية يبتغي ركوب موجة قد توصله شهرة أو قد تخدم إيديولوجية يطمح ايضا ركوبها لقضاء مصلحة.
والآفة والطامة أنها تستهدف جسمنا الذي فقدت قدرته المناعية فأضحت بتسامح تسمح بولوج الفيروسات وتهيئ بيئة لأنواع من السرطانات، حتى أضحت أعضاء الجسم تشهر سكاكين الكره والحقد والشماتة والتشفي لتتفنن في تقطيع كل عضو من جسمها.
فحتى أعضاء الجسم ما تفتأ تهوي منجرفة مع سيل الثقافة الشعبوية تسايرها وتلاطفها في عشق. وهي بذلك قد تخلت عن دورها الاصيل في التوجيه وفي التنوير، في الإصلاح والرقي بالمجتمع ثقافة وخلقا وقيما، حتى أعضاء الجسم بنسائه ورجاله في خنجعية أضحو ينعتون واقعة رقص العميدة بالفضيحة.
وهنا يطرح التساؤل:ما مكمن الفضيحة هل الرقص في ذاته؟ هل مكان الرقص؟ أم هل صفة الراقص؟ أم هل حضور الرقص؟
- أما عن الرقص. حري أن نعرف به بدءا. أليس هو يندرج في القاموس العالمي على انه فن تعبير بحركات جسدية على أحاسيس إنسانية قد تكون بالفرح أو بالحزن او بالاستنكار أو بالرفض او غيرهم. أوليست كل مجموعة بشرية مهما صغرت أو كبرت إلا وافرزت لوحات راقصة هي نتاج جغرافيتها وبيئتها وساكنتها وذلك على غرار لغتها بالتمام والكمال. أوليست شعوب العالم تفخر وتمجد رقصها كجزء لا يتجزأ من هويتها. منذ متى استخف اللبنانيون أو الفلسطينيون او المصريون أو الأفارقة أو الغربيون أو الهنود الحمر أو البرازيليون من رقصهم الذي هو جزء من كيانهم.
على مستوى بلدنا الحبيب أوليست اللوحات الفنية للرقص الأمازيغي السوسي والريفي والأطلسي مفخرة مغربية ذات أصول نسجت عبر آلاف السنين اوليس الصوت الاطلسي الصادح يقارع صداه جبال الاطلس المتوسطي...اوليس الطبل على الدف في صفوف متراصة يهز صوته الاركان قبل الوجدان. أوليست العطية المغربية ولزمن عبر تاريخ طويل لعبت دور الصحافة ترفع من تشاء وتطيح بمن تشاء. أولم تدون خربوشة نضال الصدق ودفعت حياتها ثمنه اوليس الملحون بصمة للأصالة المغربية التي لم تلوتها شعرة تقليد؟
إذن لماذا نحن المغاربة بالذات نبخس كل ذي أصول في جدور تاريخنا؟ لماذا نستهين بهويتنا ونحط من منتوج ثقافتنا وهو نبض مجتمعنا الصادق والعميق؟ لماذا من يفترض أنهم رجال العلم والثقافة ينجرفون ويسايرون التيارات المهيمنة لجدورنا الثقافية؟ حتى نتج عن ذلك شرخ بين هويتنا ومن يفترض طبقة مثقفة. فأضحت الأخيرة ترتمي في احضان الثقافة الغربية تتمسح في دل كسبيل لإشهار حظوة اجتماعية او علمية؟ وعمي للبصيرة سار على ذات النهج كل فئات الشباب الذين بدورهم يزدرئون جدورهم ويتباهون بانتماء موهوم....
وفي عودة لموضوع رقص الأسـتاذة المحترمة فإن الرقص في ذاته يستحيل أن يكون وصمة استنكار.
أما ما يمكن ان يعد عارا فيه فهو حالة توجيه غايته للمجون والإثارة الجنسية ودون ذلك فهو لا يعدو كونه حركات أن جاءت في معرض حفل فهي مجرد تعبير عن فرح.
أما عن مكان رقص الاستاذة المحترمة فهو في رحاب الجامعية. وما لا يمكن ان يستوعبه بسطاء النظر هو ان الجامعة مرتع لنير الفكر وللعلم ولنبل العلاقات. في إطار الجامعة لا يستقيم سوء التصور او الفعل. فالحاضرون اساتذة والحاضرون طلبة. والمسؤولة أستاذة مغربية. وليعلم البعيد والقريب أن الاستاذة المغربية هي الطهر بذاته لأنها في علاقتها مع طلبتها لا تحضر الاستاذية منفردة بل دوما وابدا تصطحبها غريزة الأمومة. والأكيد المؤكد ان الاستاذة الفاضلة في ذلك الحفل كانت غايتها الاساسية مشاركة ابناءها تعابير فرح. الاستاذة المحترمة حتما ارتأت خلع قبعة المسؤول ذو ربطة العنق الأنيقة القاطب الحاجبين والجاحظ العينين في اصطناع لهيبة غايتها تخويف وترهيب الحاضرين لضمان مسافة بعد غير قابلة للاختراق، غير أن ذاك موطنه محيط السلطة اما المحيط الأكاديمي فمنه براء. الاكاديمي لا يفرض سلطة بالترهيب بل بالحب و الإقناع في التكوين و في المسؤولية.....
على ذكر المسؤولية تم القول أن حركات الأستاذة لا تنم عن مسؤولية ويقولون انها حرقت مستقبلها بذلك؟؟؟؟ وجامعيون هم من يصدر الحكم للأسف الشديد....ما علاقة الأمر بالمسؤولية او ليس لكل مقام مقال.
لهل قدمت العميدة وصلة رقص وهي بصدد إلقاء محاضرة او بصدد اجتماع عمل؟ اولم يكن الإطار حفلا وما دور حضور الحفلات سوى التعبير عن فرح؟
أليس لنا في ملوكنا إسوة او ليست تطالعنا وسائل التواصل بصورة للملك الحسن الثاني وهو يعزف على البندير بمهارة. وهو الملك أب العباقرة وفيلسوف عصره. اوليس الملك محمد السادس، دق طبولا موسيقية في معرض زيارته لإفريقيا في تفاعل راق احتراما لهويتهم و لثقافتهم ولموسيقاهم وتعبيرا ينم ان الفن يجمع المكون الانساني بكل مشاربه.....
كيف تتم هجمة متوحشة على أستاذة جامعية وإن كونها عميدة لا ينفي عليها أستاذيتها وهي في موضع حفل في رحاب جامعة حيث العقول المتنورة بين طلبة هم في عداد ابناءها وكيف وحركاتها لا تفتأ ترى وهي في هندامها الرسمي بكل أناقتها؟ كيف نسمح ونحن المتنورون لأنفسنا ولغيرنا بوصفها بما لا يليق ومقامها ومقام الاساتذة؟ كيف نسمح لثقافة شعبوية ان تجرفنا؟ كيف نسمح لثيار حاقد يريد أن يفقد الجامعة علو شانها ويسقط فاعلها الرئيسي الذي هو الأستاذ في براتين الاتهام والشبهات...؟ حتى اضحى الاستاذ الجامعي متار استنكار أحاديث عموم الناس في المقاهي كما في البيوت. جاعلين من شاد الحالات تعميما ظالما
إن ما يزيد الطين بلة ان الاعلام الرسمي اضحى مشاركا في جريمة التشهير بالجامعة والأمر يتعلق بالواقعة الثانية التي اود اثارتها. إذ يعرض في التلفزة المغربية في الآونة الراهنة مسلسل اسمه عائشة. أحد ابطاله أستاذ جامعي. جمعت فيه، في مكر، كل مساوئ الخلق وأبشع المواقف. تحدث عنه أحد الابطال في أحد المشاهد انه يراود الطالبات ويقيم معهن علاقات مساوم إياهن على النقط.....ويتم تمرير فكر أن الاستاذ الجامعي يتقاضى ثلاثة ملايين.....هذه صورة نمطية على الأستاذ الجامعي ستمرر إلى ملايين الجماهير تبتغي تجييش الرأي العام على الأستاذ الجامعي والأكيد أن آثارها تتعدى الإيذاء بالأستاذ و الغاء القدوة لتصل حد تشويه الجامعة المغربية وادوارها البناءة عبر تاريخ المغرب. وأتساءل بعد الأستاذ من يبقى القدوة إذن هل بائعي وبائعات الإثارة والتفاهة عبر وسائط التواصل والذين اضحى يروج لمكاسبهم المالية ويمدح في مكانتهم الاجتماعية بفخر وبطولية...؟ واتساءل كيف لا يخضعون للمتابعة والحذف من مواقع التواصل وهم من يسيء للمغرب والمغاربة في الداخل والخارج.
أليسوا يخرقون القانون الذي يفترض عدم التساهل ولو في غياب النص الصريح كلما كان إ أخلال بالنظام العام والاخلاق الحميدة. ..في كل هذا ومن كل هذا ما موقف الجسم النقابي للتعليم العالي ؟
أوليس دور النقابة لا يقف عند حد المطالبة بحق المنخرطين فيها بل يصل حد الانتصاب للدفاع القضائي عليهم بل وحتى رفع الدعاوى ضدي كل من يسئ للهيئة التي تمثلها النقابة....في هذا الإطار فإننا ندعو النقابة الوطنية للتعليم العالي باعتبارها تتمتع بصفة المنفعة العامة ان تتحمل مسؤوليتها كاملة في الدفاع عن قدسية هيئتنا وأن تسارع لرفع دعوى امام القضاء ضد منتجي المسلسل وضد المؤسسة الاعلامية التي عطلت دور الرقابة الواجبة الحامية لمصالح المجتمع مطالبة بتقديم تعويض رمزي و باعتذار عمومي ينشر في كل وسائل الاتصال
كما نطالب النقابة بمساندة الأستاذة ضحية التشهير المجاني في الدعوى التي يتعين عليها ان تقدمها في حق الناشر للفيديو وضد كل من أصدر تصريحا في حقها.
كما اطالب الأساتذة الموقرين أن يعوا بخطورة الحملة التي تشن عليهم والتي ستجعلهم منبودين من المجتمع إن استمر التشهير بهم على هذه الوتيرة ومن هنا يتعين علينا ان نهب كجسم واحد متضامن متعاضدين للدفاع عن جسمنا وعن كل عضو من أعضائنا. فنحن من يجب أن يوجه المجتمع ويؤثر فيه ببناء ثقافة راقية وإيجابية. وليس أن نترك للشعبوية سبيلا للتأثير فينا.
والسلام عليكم ورحمة الله.