الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

الحسن زهور: التميز المغربي في اللغة الأمازيغية

الحسن زهور: التميز المغربي في اللغة الأمازيغية الحسن زهور
اللغة الأمازيغية من اللغات الإنسانية العريقة التي ما زالت تحتفظ في تعابيرها اللغوية على رواسب فكرية من المرحلة الزراعية الأولى للمجتمع البشري. وما زالت هذه التعابير تحتفظ بها اللغة الأمازيغية، وانتقلت إلى الدارجة المغربية باعتبارها أمازيغية التركيب.
ففي بعض المقالات التي نشرها الأستاذ "الصافي مومن علي" في بداية التسعينات في مجلة " أمود" التي تصدرها آنذاك الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي(1990-1991) أشار بتفصيل إلى هذه التعابير اللغوية التي ترجع إلى تلك المرحلة الزراعية الأولى للمجتمعات البشرية.
من هذه التعابير التي تثير الاستغراب لمن لا يتقن الأمازيغية أو الدارجة هي:"حليب أخضر، لحم الأخضر، بيضة خضراء، فاكهة خضراء...".
فمن لا يتقن الأمازيغية او الدارجة أي من لا يفكر بمنطق الأمازيغية أو الدارجة سيعتقد أن هناك خللا ما في منطق المغربي أو في منطق اللغة. لأن المنطق الفكري واللغوي لهذا الأجنبي سيتجه مباشرة إلى اللون، وهو منطقي فعلا فليس هناك في الكلام العادي واليومي حليبا أخضر ولا لحما أخضر ولا بيضة خضراء..
وإذا ارتقى الأجنبي بفهمه ليدخل هذا التعبير ضمن الانزياح اللغوي الذي لا يعرف إلا في الشعر أو التعبير المجازي سيتساءل عن دلالته الجديدة، لكن بالنسبة للغة الأمازيغية فهذا لا يدخل ضمن الانزياح اللغوي لأنه يعبر عن منطق الأشياء في الطبيعة كما هي، وبالتالي فتعبير "أكلت بيضة خضراء وشربت نصف حليب أخضر "بالنسبة للشعوب الناطقة بالعربية أي بلهجاتها في بلدان مصر والخليج والشرق الأوسط يعتبر خروجا عن منطق الأشياء، فالحليب أبيض بطبيعته، ولحم الحيوان بطبيعته أحمر ...وسيتساءل السامع الأجنبي مستفسرا ليقول " هل خلطت الحليب بملون أخضر ليصبح أخضر؟". لماذا هذا الخروج عن منطق الأشياء كما يسميها الأجنبي أي الذي لا ينطق الأمازيغية أو الدارجة؟
بالنسبة للأمازيغية لا يسمى هذا خروجا عن منطق الأشياء بل هو يرتبط بمنطق الأشياء كما هي في الطبيعة، فعندما نقول في الأمازيغية " تاگفايت زگزاون" أي " حليب خضر، بطاطا خضرا، خزو خضر، مشماش خضر..." فإننا نعبر عن منطق الطبيعة، فالفاكهة قبل أن تنضج وتتخذ شكلها النهائي في النضج(الحمرة، الصفرة وباقي الالوان الدالة على النضج ) تكون خضراء، اي غير ناضجة. فأخذت اللغة الأمازيغية هذا المستوى من مستويات منطق الطبيعة فعبرت به بدورها عن منطق الأشياء، فقبل إن تنضج الأشياء نعبر عنها بالخضرة أي نصفها بهذا اللون كما هي الأشياء في الطبيعة قبل بلوغها مرحلة النضج بتغير لونها من الأخضر إلى الألوان الأخرى..." حمص خضر، كاوكاو خضر، ..." يعبر عن مستويين: مستوى النضج الطبيعي اي لم يبلغ نضجه الطبيعي بعد، ومستوى النضج الثقافي (بمفهومه الأنثروبولوجي) اي الذي يتدخل فيه الإنسان، اي لم ينضج فوق نار ليصلح مباشرة. وهذا المنطق اللغوي المبني على المنطق الطبيعي يسري على الكثير من الأشياء التي لم تصل إلى مرحلة النضج، فـ " تيفيي زگزاون" اي "لحم خضر" هو وصف طبيعي بمنطق الطبيعة للتعبير عن أن اللحم لم ينضج وما زال نيئا.
هذا المنطق اللغوي الذي تمتاز به بعض التعابير الأمازيغية لن يفهمه الا من يحمل منطق هذه اللغة ومنطق الدارجة المغربية، وهذا المنطق يدخل ضمن الأسس لما نسميه بالتميز المغربي أي بثقافته المتميزة.