الاثنين 22 ديسمبر 2025
كتاب الرأي

المصطفى القاسمي: الأحزاب السياسية المغربية.. أزمة الوساطة أم نهاية المعنى السياسي؟

المصطفى القاسمي: الأحزاب السياسية المغربية.. أزمة الوساطة أم نهاية المعنى السياسي؟ المصطفى القاسمي
لم تعد أزمة الأحزاب السياسية المغربية مجرّد خلل في الأداء أو تراجع في النتائج الانتخابية، بل تحوّلت إلى مأزق بنيوي يطال جوهر الفعل السياسي نفسه. فالأحزاب، التي وُجدت تاريخيًا لتؤدي وظيفة الوساطة بين الدولة والمجتمع، تبدو اليوم عاجزة عن لعب هذا الدور، ما يطرح سؤالًا مركزيًا: هل نحن أمام أزمة أحزاب أم أمام تفريغ تدريجي للسياسة من معناها؟
 
1. حين تسقط الوساطة وتُترك السياسة بلا عازل
في التجارب الديمقراطية، تشكّل الأحزاب حلقة الوصل بين المجتمع ومراكز القرار، عبر تحويل المطالب الاجتماعية إلى برامج وسياسات عمومية قابلة للتداول. غير أن الواقع المغربي يُظهر اختلالًا واضحًا في هذه الوظيفة؛ إذ لم تعد الأحزاب قادرة على التقاط نبض المجتمع أو ترجمته سياسيًا، ما أدّى إلى بروز مطالب اجتماعية بلا حامل حزبي، وتوتّرات تُدار خارج القنوات السياسية التقليدية.
هذا الفراغ لا يعبّر فقط عن ضعف تنظيمي، بل عن انكماش الدور السياسي للأحزاب وتراجع قدرتها على التأطير والاقتراح.
 
2. القطيعة مع المجتمع: من العمل القاعدي إلى الانغلاق
تعمّقت المسافة بين الأحزاب والمجتمع بفعل تراجع العمل القاعدي وضعف آليات التأطير والتكوين. فالحزب الذي كان فضاءً للنقاش وإنتاج المعنى السياسي، تحوّل في كثير من الحالات إلى بنية منغلقة، تشتغل بمنطق إداري أكثر منه سياسي.
وهكذا، أصبح الحزب حاضرًا خلال الاستحقاقات، وغائبًا في الحياة اليومية للمواطنين، في مفارقة تُضعف الثقة وتُفرغ الانتماء الحزبي من مضمونه.
 
3. أزمة ترجمة المطالب الاجتماعية
في سياق اجتماعي يتّسم بتعدّد المطالب واحتداد الاحتجاجات القطاعية، يبرز عجز الأحزاب عن لعب دورها الطبيعي في بلورة هذه المطالب وصياغتها في أفق سياسي جامع. هذا العجز يفتح المجال أمام أشكال تعبير غير مؤطرة، ويُضعف إمكانيات الحوار المؤسساتي، ما يجعل السياسة متأخرة دائمًا عن المجتمع بدل أن تواكبه.
 
4. نخب بعيدة وتمثيل مأزوم
لا يمكن فصل أزمة الأحزاب عن أزمة النخبة السياسية. فمع تقاعد أو رحيل بعض الرموز التاريخية، لم تنجح الأحزاب في إفراز نخب جديدة مرتبطة بالواقع الاجتماعي وقادرة على إنتاج خطاب سياسي متجدّد. غابت آليات الفرز والتأهيل، وحلّ محلّها منطق إعادة الإنتاج وتدوير الوجوه نفسها.
والنتيجة سياسة بلا تجديد، وتمثيل بلا عمق اجتماعي، وشرعية تزداد هشاشة.
 
5. موسمية الفعل الحزبي واختزال السياسة
أحد أبرز مظاهر الأزمة هو تحوّل العمل الحزبي إلى نشاط موسمي، يشتدّ خلال الاستشارات الانتخابية ثم ينكمش بعدها. هذا الاختزال للفعل السياسي في بعده الانتخابي يُضعف الوظائف التأطيرية والاقتراحية للأحزاب، ويحوّل الديمقراطية إلى إجراء شكلي بدل أن تكون مسارًا مستمرًا للنقاش والمشاركة.
 
6. الأحزاب في مفترق الطرق
توجد الأحزاب السياسية المغربية اليوم أمام مفترق طرق حاسم، في ظل تحوّلات اجتماعية عميقة وصعود أجيال جديدة بأسئلة مختلفة وانتظارات غير تقليدية.
إما أن:
    •    تعيد بناء نفسها فكريًا وتنظيميًا
    •    تستثمر في التأطير وإنتاج النخب
    •    وتستعيد دورها كفاعل وسيط وناقل للمعنى السياسي
أو أن:
    •    تستمر في التآكل
    •    وتتحوّل تدريجيًا إلى فاعل هامشي
    •    يُستدعى عند الحاجة ويُهمّش عند القرار
 
خاتمة
ما يعيشه المغرب اليوم ليس فقط أزمة أحزاب، بل اختبار لمستقبل السياسة. فإمّا استعادة الوساطة والتمثيل والمعنى، أو القبول بفراغ سياسي تُدار فيه التحوّلات خارج الأحزاب. وفي الحالتين، فإن التاريخ لا ينتظر المتردّدين.
الدكتور المصطفى القاسمي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية.