الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

مراد علمي: "جوزيب بوريل" وتحريف الحقائق حول حرب أوكرانيا

مراد علمي: "جوزيب بوريل" وتحريف الحقائق حول حرب أوكرانيا مراد علمي
انتقد أخيرا جوزيب بوريل، المسؤول عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، الدول الافريقية في حوار مع "فرانس 24" الناطقة بالفرنسية، بالأخص المغرب والسنغال على إدمانهم على الخطاب الروسي الخاص بالحرب على أوكرانيا، نظرا لامتناعهم وعدد كبير من الدول الأفريقية عن التصويت في الجمعية العالمة للأمم المتحدة على إدانة روسيا جراء شنها الحرب على أوكرانيا، في حين أن  بوريل لم يأخذ بعين الاعتبار أن عهد التبعية ولى وأن الدول الأفريقية لا تمتثل إلى ترجيح الأقوال على حساب الأفعال. 
حيث شاهدت الشعوب الافريقية كيف كانت الدولة الأوكرانية، ولا جل الدول الأوروبية المجاورة، بالأخص بولندا، تتعامل على مرأى ومسمع من جميع بلدان العالم مع المواطنين الافارقة، معاملة ليست بالإنسانية ولا باللبقة بتاتا، لما خصصت فضاءات معينة للأفارقة وأخرى للأوكرانيين على الحدود بغية إجلائهم نحو دول أوروبية أخرى، كما أعطيت الأسبقية للأوكرانيين فقط، أما المواطنين الأفارقة مـُـنعوا أكثر من مرة من عبور الحدود، ولو المعاملة العنصرية من محرمات حقوق الإنسان التي تدافع عليها جميع الدول الغربية بشراسة، ولكن على ما يبدو حقوق الإنسان ليست بحقوق كونية، ولكن من نصيب "أصحاب البشرة البيضاء" فقط.
كما نلاحظ أن السفن الروسية المحملة بالقمح والأسمدة لصالح الدول الإفريقية ممنوعة من عبور مضيقي البوسفور والدردنيل نظرا للعقوبات التجارية التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الغربية على روسيا، وهذه الاعمال اللاأخلاقية ستؤدي لا محالة إلى رفع أسعار القمح والأسمدة، الاحتجاجات، الإجهاز على السلم الاجتماعي وتفاقم الأوضاع الغذائية في بعض الدول الإفريقية الفقيرة التي من الممكن أن تسبب صراعات أهلية. 
زعم جوزيب بوريل أن مرد امتناع الدول الإفريقية عن إدانة روسيا راجع في الاساس لرد فعل متعلق بمناهضة الاستعمار، التي لا زالت تحظى بشعبية كبيرة في دول الجنوب. وكيف للدول الإفريقية أن لا تتذكر معاناتها على يد الاحتلال وتبعاته التي تشكل ليومنا هذا عائقا في لم الشمل والتصفية النهائية لبعض المشاكل العالقة؟. 
لا زالت المملكة المغربية مثلا تعاني من تداعيات الاستعمار وبتر وحدة التراب الوطني، لا في الشمال، الشرق والجنوب، حيث قسم المستعمر الفرنسي دول شمال إفريقيا حسب آراء قائمة على الهوى والمزاج، بدون مراعاة أي حد أدنى من الأخلاق الحميدة والمنظمة لسلوك الإنسان الناضج كالإنصاف، الصدق، الاستقامة، المسئولية التاريخية والتحلي بالموضوعية.
وجهة نظر بوريل تجسد هذه النظرة الدونية والتي تريد في العمق أن تضفي نوعا ما من الشرعية على موقفه وموكليه، يعني هناك تدرج بين الناس: "الأفضلون" و"الأسوؤون"، و"الأفضلون" سيصطفون دوما مع الحق، يعني مع الدول الغربية والاتحاد الأوروبي. 
وحسب بوريل لا يجوز للأفارقة أن يكون لهم رأي خاص، كما لا يجوز لهم أن يتجرؤوا على اتخاذ القرارات المناسبة أو الدفاع عن مصالحهم الحيوية، ولا يعترف هكذا بسيادة الدول الأفريقية كركن أساسي من أركان تقرير المصير، كما لا يحترم رغبة الشعوب الإفريقية في اختيار تشكيلة الحكومة التي تريد أن تعيش في ظلها، يمكن اعتبار أقوال "السي" بوريل  تدخل غير مقبول في شؤون الدول إفريقية، مس سافر بسيادتها وتشويش على موقفها.
لا زالت إفريقيا تشكو ليومنا هذا من هيمنة بعض الدول الاستعمارية على الثروات والموارد الطبيعية في إفريقيا، والعقلية الماضوية. 
الخلل الحضاري والثقافي دفع بالتأكيد جوزيب بوريل أن يخرج بهذه التصريحات الغريبة والمستفزة التي تضرب عرض الحائط جميع فنون الدبلوماسية الناجحة والحكيمة، لأن الدبلوماسية الذكية هي التي تشكل سدا مانعا للتطورات السلبية، والدبلوماسي المحنك سيختار دوما الكلمات بدقة وعناية، ولا يطلق العنان لرغباته الشخصية أو رغبات موكليه قصد تضييق الخناق على هذه الدولة أو الأخرى، الحكمة، العقل كتذكرة السفر، مغزاها الوحيد هو استعمالها.