السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

الطويليع: حزب رئيس الحكومة من يوتوبيا الدعاية الانتخابية إلى ديستوبيا الممارسة الحكومية

الطويليع: حزب رئيس الحكومة من يوتوبيا الدعاية الانتخابية إلى ديستوبيا الممارسة الحكومية نور الدين الطويليع

خاض حزب التجمع الوطني للأحرار حملته الانتخابية الأخيرة باندفاع كبير، ورصد لها كل الإمكانيات الدعائية، ووظف لإنجاحها موارد بشرية تنتمي إلى مجالات مختلفة، توزعت بين الإعلامي والفني والرياضي والسياسي، ورفع سقف توقعات المغاربة عاليا تحت يافطة "تَسْتَاهَلْ أَحْسَنْ"، ونتساءل هنا: ما مآل الطوباوية الانتخابية للحزب؟، وإلى أي حد استطاع أن يجاري إيقاعها السريع في ممارسته شؤون الحكم؟، و أيمكننا الحديث عن خيانة انتخابية، أم أن الفترة الزمنية وأشياء أخرى لا تسمح بإصدار هذا الحكم القاسي؟.
 
بداية لابد من التنويه إلى أن حملة الحزب الانتخابية كانت قوية للغاية، وعمدت إلى سد نقص كل الفئات المجتمعية، وملء ثغرات واقعها الاجتماعي والاقتصادي، فالموظفون والعجائز والأرامل والعاطلون، حظوا باهتمام كبير، واستهدفتهم الآلة الدعائية للحزب بوعود أسكنتهم في عالم مخملي حالم، وحتى المترددون الذين كانوا يشكون في صدق هذه النوايا كانوا يجابَهون بخطاب الحتمية والثقة المطلقة في القدرة على الوفاء بالعهد، إلى حد ذهاب قيادي في الحزب بعيدا، باقتراح رمي المغاربة أطر حزبه بالحجارة إن لم يروا تلك الوعود تنبت كالفطر في الواقع.
 
يبدو الآن جليا أن حزب رئيس الحكومة وقع في مفترق طرق، فالجنة التي كان يبشر المؤمنين بخياره السياسي بدخولها، تحولت إلى ضرب من الخيال، والجحيم الذي كان يشفق على المغاربة المكتوين بناره، سُعِّرَ وازداد اشتعالا، ولنا أن نستحضر موجة الغلاء الفاحش التي زحفت لتمس المأكل والمشرب والملبس، وتتجاوز ذلك، دون أن تترك صغيرة أو كبيرة من المواد التي يحتاجها المغاربة في معيشهم اليومي، موجة صَعَّرها المضاربون الذين زادوا المشكل استفحالا، في الوقت الذي اكتفت فيه الحكومة بالتفرج، وكلفت بالناطق الرسمي باسمها، (التجمعي بايتاس)، ليخطب في الناس بالحكاية، مقدما بذلك خبرا، اعتبره المتتبعون دليلا على عجز رئاسة الحكومة وشللها، وعدم قدرتها على التدخل للضرب على أيدي المتلاعبين بالأمن الغذائي للمغاربة، على خلاف ما سوقته عن نفسها من امتلاك القوة الرادعة، والقدرة على إثبات الذات، وعلى الحضور في صلب قضايا المواطن المغربي.
 
هل تبخر شعار "تَسْتَاهَلْ أَحْسَنْ"؟
نشير بداية إلى أن صيغة الخطاب تدل على الاحترام، فهي تتوجه إلى المواطن المغربي بصيغة المخاطب المفرد التي تعني أنه حاضر في ذهن المخاطِب، يستحضره بوصفه فردا وليس جماعة، بمعنى أن كل مواطن يحظى بمساحة اهتمام لدى الذات الحزبية التجمعية، وصيغة اسم التفضيل "أحسن" تبئر" هذا الحضور، وتنطق باستشراف تجمعي لواقع غير الواقع الذي يعيشه المغربي، كأننا بصدد صيغة سجالية، تتضمن ردا على حزب العدالة والتنمية الذي قاد الحكومتين السابقتين، وتقول للمغربي: أنت لا تستحق أن ترمى في قاع الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، وأن تحرم من حقك في العيش الكريم، ونحن نحمل المسؤولية لمن حكموك، وسنعمل على أن نخرجك من دائرة السوء، لأنك تستحق أن تعيش الرخاء والطمأنينة، لكن يبقى هذا الاحترام سجين اللحظة الدعائية، وهو الآن قابع في سجن الانتظار، ينتظر الإفراج عنه، دون أن تلوح في الأفق بوادر هذا الإفراج. 
 
هل كان الحزب واعيا بحجم وعوده المتضخم؟
أشرنا في النقطة السابقة إلى سياق الشعار الانتخابي لحزب التجمع الوطني للأحرار، وهو سياق المواجهة مع الحزب الذي كان يروج بقوة لحكاية تسيّده المشهد السياسي، وهنا يمكن تصنيف هذا الشعار في إطار المزايدة السياسية التي لم يسلم منها أي حزب، ولهذا فالهدف الدعائي كان يحوم حول إسقاط الخصم، ولم يكن يملك القدرة على العيش تحت سقف التدبير الحكومي، وهذه آفة الأحزاب العالمثالثية التي لا تملك برامج انتخابية مؤسسة على معطيات علمية دقيقة، وتكتفي في حملاتها الانتخابية بخطابِ نوايا، تقدم فيه أفكارا عامة، سرعان ما تتحول إلى وعود معلقة، كما هو شأن حزب رئيس الحكومة الذي راهن على إسقاط خصم سياسي عنيد، فنجح في رهانه، وفشل فشلا ذريعا في ما وراء ذلك، ولذلك سيناله من الانتقاد الحاد والاتهام بالانقلاب على وعوده، مثل ما نال سابقه، وسيخاطبه المغاربة، مستحضرين قول الشاعر جميل مخاطبا محبوبته بثينة:
 
ما أنت والوعد الذي تعدينني .... إلا كبرق سحابة لم تمطر
ختاما يبدو أن المواطن المغربي، سيعيش حكاية انتظار أخرى، وربما جاء حزب آخر، وقطر الشمع على حزب التجمع الوطني للأحرار، ولامه على نكوصه، ليحظى بالثقة، ويظل المواطن مترقبا طلعة "غودو" البهية.


 
نور الدين الطويليع/ الفاعل التربوي والإعلامي