الخميس 25 إبريل 2024
اقتصاد

عمر مروك: إفلاس النموذج اللبناني يشكل إنذارا لبعض الأنظمة العربية ولا يمكن مقارنته بالمغرب

عمر مروك: إفلاس النموذج اللبناني يشكل إنذارا لبعض الأنظمة العربية ولا يمكن مقارنته بالمغرب عمر مروك
أمام ارتفاع الأسعار والتضخم، إلى جانب تفاقم الديون وصعوبة تمويل المغرب لحاجياته، فضلا عن مطالب نقابية وتنظيمات مهنية إما بالزيادة في الأجور أو المطالبة بتعويضات. هل المغرب يسير نحو النموذج اللبناني؟ أي الإفلاس التام وعجز الدولة عن القيام بوظائفها؟
أسئلة طرحتها "أنفاس بريس" على عمر مروك، باحث وعضو مركز شمال افريقيا للدراسات والبحوث وتقييم السياسات العمومية واستفسرته حول هذا الموضوع:
 
الحكم بأن المغرب يتجه للإفلاس من عدمه مثل النموذج اللبناني سيجانب الصواب إذا لم نحدد معنى الإفلاس أولا، ثم التطرق للمؤشرات الاقتصادية والوضعية الاقتصادية والسياسية العامة لكلا البلدين.
إفلاس الدولة عموما، توصيف قانوني واقتصادي يظل على إعسار الدولة المدينة فيما يتعلق بالوفاء بالتزاماتها، أي القدرة على سداد ديونها المتراكمة، هنا نتحدث عما يعرف بالإفلاس السيادي أي عجز الدولة الكامل في سداد ديونها، وتعلن معه الدولة المعنية إفلاسها بشكل رسمي، ويكون غالبا سبب هذا الإفلاس إما الاقتراض المتتالي وغير المنتج، أو بسبب ثقل خدمة فوائد الدين او بسبب السياسة النقدية الضعيفة وعدم الاستقرار السياسي والتوترات الداخلية والخارجية.
تعتبر لبنان آخر الدول التي أعلنت إفلاسها، وجعلت معها الرأي العام الدولي و المانحين الدوليين والمتتبعين محل صدمة وحسرة، علما أن لبنان ليست هي الأولى أو الأخيرة التي أعلنت إفلاسها، نذكر على سبيل المثال إفلاس البنوك الأمريكية سنة 2008، وكذا إفلاس اليونان سنة 2012، والذي يعتبر أحد أكبر تخلف عن سداد الديون بالعالم.
لبنان شهدت أزمات متلاحقة على مدى سنوات ولم تخرج منها بعد، والوضع الاقتصادي المالي للبنان كان مضطربا منذ سنين، وتعتبر دولة غير منتجة للثروة، حيث تعتمد بالأساس على عائدات مواطنيها من الخارج وعلى الاقتراض غير المنتج بل الموجه للاستهلاك، دولة تستهلك أكثر مما تنتج، دولة ينخرها الفساد والتدخل الخارجي ولا استقرار اقتصادي واجتماعي وصراعات طائفية وحزبية لا تساعد على خلق بنية ثابتة، ومناخ أعمال للاستثمار والتنمية، إضافة لعجزها عن تطبيق مختلف البرامج التي سطرتها لها سالفا الهيئات المانحة وصندوق النقد الدولي. لبنان تعيش في مستوى أكثر من إمكانياتها مما ولد لديها عجزا صارخا في الميزان التجاري وفي ميزان الأداءات. الناتج المحلي اللبناني انخفض منذ 2018 من خمسين مليار إلى أقل من ثلاثين مليار دولار لحدود السنة الماضية الدين العام فاق مائة مليار دولار، منها اربعين مليار دولار كدين خارجي، توقفت عن سداد ديونها منذ أزيد من ثلاث سنوات، كما أن العملة اللبنانية انهارت لتبلغ 1517 ليرة مقابل دولار واحد، يعني أنها عاجزة تماما عن استيراد السلع مما أدخلها في نفق مظلم.
أما بالنسبة للمغرب، فالوضعية السياسية والبنية الداخلية وطبيعة شراكاته ونجاعة بعض سياساته، تدحض شكوك من يتبنى تشابه النموذجين من حيث إفلاس النظامين وعجزه.
صحيح أن إجمالي الدين الخارجي للمغرب حسب تقرير عن وزارة المالية المغربية بلغ سنة 2021 حدود 40,8 مليار دولار، وهو ما يمثل عموما 32 % من الناتج الداخلي الخام ،ومعلوم أن بداية هذه السنة كانت قاسية على العموم على مختلف الاصعدة ، بداية بموسم فلاحي ضعيف بسبب تأخر التساقطات ناهيك عن صعوبة التعافي من تبعات الإغلاق والحاجة لإنعاش الاقتصاد الهش بخطط وبرامج اقتصادية ناجعة تصب في برنامج النموذج التنموي الجديد، وما يتطلبه من مبادرات تمويلية إضافة إلى انخراط البلاد في كلفة ملف التغطية الاجتماعية الشاملة، إضافة إلى تبعات الأزمة الأوكرانية الروسية والتخوف من نفاذ محصول القمح والمواد الضرورية، وكذا تبعات تكاليف الأزمة الطاقية العالمية . صحيح كذلك أن الحكومة المغربية التجأت إلى السهل الممتنع، إذ قررت من خلال قانون المالية لسنة 2022 اللجوء للتمويل بالاقتراض، واللجوء إلى كل أداة مالية وفق الشروط المقررة ومن بين ما ينص عليه القانون المالي لسنة 2022 اقتراض 40 مليار درهم بالعملة الصعبة من الأسواق المالية الخارجية، وكذا 65,4 مليار درهم من السوق الداخلية عبر ديون متوسطة وطويلة الأجل.
قلنا سالفا السهل الممتنع لأن اللجوء للاقتراض الخارجي ليس بتلك السهولة بالرغم من مخاطره على استقلالية القرار السيادي مستقبلا للبلاد، لأن عملية الاقتراض الخارجي تتطلب تصنيفا ائتمانيا جيدا والتمكن من مؤشرات دولية معينة كدليل على قدرة المغرب على الوفاء بالتزاماتها الدولية فيما يخص خدمة الدين، ويشكل عنصر الثقة لدى المانحين الدوليين بشأن الوضع الاقتصادي الوطني و نجاعة السياسة النقدية الوطنية و حجم الاحتياط النقدي من العملة الصعبة، واحتياطي الذهب وقوة جذب الاستثمارات، هذه المؤشرات عموما يتوفر عليها المغرب ولا تتوفر في النموذج اللبناني المفلس.
لكنه لا يبشر في نفس الوقت بالخير، لكون المالية العامة بينت أنها ضعيفة أمام الرجات القوية، وأن الدين الإجمالي قد يصل إلى 93,2 بالمائة من الناتج الداخلي الخام لسنة 2022.
الوضعية العامة صعبة إذن والقدرة الشرائية للأسر في منحى تراجعي بمقابل منحى تصاعدي للأسعار، في ظل توجه لعدم إصلاح الأجور على المدى القريب، مما يجعلنا نتساءل حول جدية تنزيل ما جاء بالتصريح الحكومي للأغلبية الحكومية فيما يخص ملفات محاربة الهشاشة والنهوض بالفئات ذات الدخل المحدود، وخلق طبقة متوسطة وإنعاش الاقتصاد والمقاولات الصغرى والمتوسطة، وبالمقابل نستحضر بعد الخطاب الملكي عند. إفتاح الدورة التشريعية لسنة 2021 عندما تحدث عن أهمية الأمن الصحي والأمن الطاقي والغذائي، كأبعاد استراتيجية وتشكل صلب سيادة الدولة، واستقلال قرارها السياسي.
وبالتالي فعجز الحكومة في هاته الملفات الاستراتيجية سيكون له شديد الأثر على السلم الاجتماعي، كما أن عجز الحكومة عن التواصل مع الشعب والبحث عن حلول بديلة جعله تحت رحمة اقتصاد السوق وتحرير الأسعار، ومن جهة أخرى عدم الجدية في فتح الحوار الاجتماعي مع النقابات واستغلال عنصر الزمن سيأخذنا إلى مآلات لا تخدم المكتسبات التي حققها المغرب سياسيا وجيوسترتيجيا.
نحن في حاجة لحكومة مبادرة، وفي مستوى الرؤية الإستراتيجية للملك وإنتظارات الشعب، حكومة شعبية بصبغة ليبرالية معتدلة، وليس حكومة صماء عندما تعجز تقول للرأي العام هذا هو الاقتصاد وليس لدي حلول وما على المواطن إلا الصبر!؟ في الحاجة لحكومة كفاءات تستبق نبض الشارع و تنصت لهموم الشعب .
من كل ما سبق نقول إن إفلاس النموذج اللبناني قد يشكل إنذارا لبعض الانظمة العربية الهشة، لكنه لا يستدعي التهويل وتخويف الرأي العام، في وقت نحتاج فيه اليقظة من القلاقل في ظل وضع جيوسياسي متقلب ومهتز، لكن في نفس الوقت لا يجب استصغار ما وقع للبنان لأخذ الدروس.