الدكتور عبد الله وهبي تمر المجهول، تلك النبتة المغربية الأصيلة التي "يجهل" الكثير من المغاربة وباقي دول العالم، أنها من تربة مغربية تم زرعها في دول وتجنيسها لتصبح إسرائيلية وبرتقيزية وأمريكية وتلبس معظم الأعلام. لكن بفضل جهود جائزة خليفة لنخيل التمر ولأمينها العام الدكتور عبد الوهاب زايد تم إنصاف تمر المجهول المغربي في المؤتمر السابع لنخيل التمر، عبر إصدار الدكتور زايد لكتاب بعنوان:"المجهول ذرة التمور"، وتم إطلاقه في المؤتمر بحضور الشيخ نهيان مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، رئيس مجلس أمناء جائزة خليفة.
في هذا السياق تنشر"أنفاس بريس"، مقالا للمهندس الزراعي والتر سوينجل صاحب كتاب "إدخال تمر المجهول من أفريقيا إلى الولايات المتحدة"، والذي ترجمه الدكتور عبدالله وهبي، خبير دولي في انتاج النخيل وتحليل سلسلة القيمة للتمور، يعيد الإنصاف لتمر المجهول ويوثق كيف تم نقل بذوره من تربته النفيسة بواحات الرشيدية إلى أمريكا لينتشر فيما بعد بعدة دول:
في هذا السياق تنشر"أنفاس بريس"، مقالا للمهندس الزراعي والتر سوينجل صاحب كتاب "إدخال تمر المجهول من أفريقيا إلى الولايات المتحدة"، والذي ترجمه الدكتور عبدالله وهبي، خبير دولي في انتاج النخيل وتحليل سلسلة القيمة للتمور، يعيد الإنصاف لتمر المجهول ويوثق كيف تم نقل بذوره من تربته النفيسة بواحات الرشيدية إلى أمريكا لينتشر فيما بعد بعدة دول:
في بداية شهر مايو 1927 دعيت من طرف الحكومة الفرنسية للمشاركة في لجنة تم تكليفها بالبحث في مرض البيوض الخطير الذي أصاب النخيل بالمغرب. كانت اللجنة تتألف من أعضاء من الجزائر والمغرب وفرنسا وهم خبراء في تخصصات مختلفة شملت علوم النبات والحشرات وقاية النبات وأساليب الحجر.
ابتدأت رحلتنا من أرفود قرب الحدود الجزائر – المغربية وانتقلنا الي كولمبشر حيث لاحظنا انتشار القشرة الحشرية (Parlatoria scale) التي تصيب النخيل وقد تم إدخالها من الجزائر من دون أعدائها الطبيعيين وذلك عن طريق فسائل النخيل. هذه الواحة طولها 12 ميلا وعرضها من 1 الى 2 ميلا وكانت خالية من الآفات. انتشرت فيها الحشرة القشرية بسرعة هائلة وكان حجم التمور لا يتجاوز نصف حجمها العادي وكانت كلها مغطات بالحشرة القشرية وغير صالحة للاستهلاك الآدمي. كان من الممكن استعمالها لتغذية الخنازير لكن العرب لا يأكلون لحم الخنزير.
في طريقنا الى وسط المغرب تأخرت الرحلة وقضينا حوالي أسبوع ببودنيب على بعد حوالي 100 ميل شرق تافلالت، أكبر واحة نخيل بأفريقيا المشهورة بتمور المجهول. كنا ننتظر قوات الاحتلال الفرنسي لتوفير الحماية وترتيب رحلتنا مع الحماية العسكرية اللازمة حيث لم يتم بعد استباب الأمن في البلد بالكامل.
هنا (في بودنيب) أتيحت لي الفرصة للتعرف عن قرب على المسؤول عن السلطات المدنية والدينية في واحة بودنيب حيث ينمو حوالي 9000 نخلة. كان من الأشراف وكان حاجا وكانت سلطته على عرب بودنيب غير محدودة كما عُينت السلطات العسكرية الفرنسية في المنطقة عن طريقه. دعا فريقنا للعشاء الذي قدم على الطريقة العربية الأصيلة وكان لذيذا لكن لم يكن لدينا من آلة للأكل سوى أصابعنا. من ميزات هذه الطريقة في الأكل أنه يجب أن يكون اللحم طريا لفصله عن العظم بسهولة وكان الطعام عبارة عن خروف كامل مشوي وعدة صحون مليئة بالكسكس وشاي قوي وشديد الحلاوة.
خلال مأدبة العشاء تكلمت للشريف عن تمر المجهول، الصنف الوحيد المصدر من المغرب إلى أوروبا بكميات كبيرة. وقد استغربت لما علمت أن العرب لا يحصلون من بيع هذه التمور سوى علي 2 سنتيم جنيه بريطاني. وأخبرت الشريف أني اشتريت هذه التمور نفسها مع التعليب الأصلي بلندن 1 شلن (اى 24 سنتيم جنيه). وبناء عليه أخبرته أن الواجب أن يحصل العرب على أكثر مما يحصلون عليه من بيع تمورهم وسألني كم المفروض أن يحصلوا عليه؟ أجبته أنه لو قام العرب بفرز تمورهم حسب الحجم وحسب نسبة الرطوبة وحمايتها من الحشرات سيكون باستطاعتهم الحصول على 5 أو 6 سنيتمات جنيه. استغرب لهذا المبلغ الذي اعتبره باهظا وفي نفس الوقت أثار اهتمامه. ومنذ ذلك الحين أصبح حريصا على أن يريني أي شيء وكل شيء عن تمر المجهول. سألته إن كان ممكن أن أشتري بعض فسائل المجهول لأرسلها للولايات المتحدة الأمريكية حيث لم يكن لدينا في ذلك الوقت في بلدنا نخيل من هذا الصنف الشهير. رافقني مع مجموعة من رجاله في زيارة الواحة ودخلنا عدة مزارع نخيل الواحدة بعد الأخرى بهدف العثور على نخيل مصاب بمرض البيوض في أو قرب احدى هذه المزارع وانتهى بنا المطاف في مزرعة لا تظهر على نخيلها أي من أعراض مرض البيوض. المزارع المجاورة لهذ المزرعة من الجهات الثلاثة هي كذلك خالية من أعراض البيوض، ومن الجهة الرابعة توجد قناة ري النخيل تمتد على طول المزرعة. تابعت القناة على امتدادها لغاية المكان الذي ينبع منه الماء حيث تم حفر قنوات تحت أرضية على مسافة عدة أميال لغاية سفح الجبل. لم أجد أي آثار لمرض البيوض على طول قناة الري. بعد ذلك سألت الشريف إن كان صاحب المزرعة يقبل أن يبيع لي بعض الفسائل وما هو السعر. من دون ما يزعج نفسه بسؤال صاحب المزرعة قال بثقة "سيبيعك ما تشاء بسعر معقول" بناء على ذلك قام رجال صاحب المزرعة بشكل سريع جدا بفصل الفسائل من قاعدة نخلة مجهول محاطة بالعديد من الفسائل. تم فصل ستة فسائل كبيرة الحجم في بضع دقائق وبسبب استعجال العمال تم فصل خمس فسائل صغيرة وقالوا أنْ ليس علي دفع أي مبلغ مقابل الفسائل الصغيرة، بل يمكن استعمالها لتعبئة الفراغ بين الفسائل الكبيرة لما يتم وضعها في الحاوية لإرسالها للولايات المتحدة الأمريكية. بعد ذلك، تم تغليف الفسائل في مساء نفس اليوم في مكتب الجيش وأرسلت لأمريكا.
وصلت الفسائل الى واشطن بعد حوالي خمس أسابيع من إرسالها. قررت سلطات الحجر بوزارة الزراعة الأمريكية أنه لا يوجد أي طريق للاقتناع بخلو الفسائل من مرض البيوض سوى الاحتفاظ بها في الحجر لعدة سنوات في ولاية ليس بها نخيل التمر. في البداية ظهر أن استيفاء هذا الشرط مستحيل لكن تبين من خلال مسح استعجالي أن جنوب ولاية نفادا بها بيئة مناسبة لنمو النخيل وتوجد بين ولايتين معروفة بزراعة النخيل وهي كاليفورنيا وأريزونا وفي نفس الوقت ليس بها نخيل.
قبِل السيد فرانك تاشيري، مزارع هندي بجنوب نفادا لديه مزرعة بها بئر، بزراعة فسائل المجهول في مزرعته ورعايتها حيث تمت زراعة الفسائل ال11 يوم 4 يوليو 1927. كبرت الفسائل كلها بشكل جيد ما عدى اثنتين من الفسائل الصغيرة تم انتشالها من طرف كلب المزارع الهندي لما كان هذا لأخير غائبا. وبعد ثلاثة سنوات نمت فسائل جديدة وكذلك تم انتاج أول عراجين التمر. لم يكن عاديا انتاج التمر في هذا السن المبكر وخاصة من نخيل محمل بالفسائل.
كنت قد كلمت الشريف في بوذنيب عن أسلوبنا في تعليب التمور الذي يسمح بالاحتفاظ بها طرية لعد شهور. وفي أواخر الصيف الذي تلى عودتي توصلت منه برسالة مكتوبة باللغة الفرنسية يذكرني من خلالها بوعدي له بإرسال بعض من هذه العلب. بمجرد ما نضج تمر الموسم بعثت له بعلبة معدنية بها تمور من منطقة الإنديو معلبة بشكل جميل. رد لي بعدها بخطاب شكر وقال "كل ما قلته لي حقيقة". لهذا فقد خشيت ألا يكون قد صدق ما قلته له 6 أشهر من قبل! وأضاف أنه أكل اربع تمرات فقط لأنها كانت جيدة لدرجة أنه رغب في زراعتها حيث كان العرب يظنون أن نخيل التمر ينمو بشكل جيد إذا تم زرع البذرة باللب. كما أضاف في رسالته عشرة سطور شملت معلومات أكثر مما اكتشف أعضاء اللجنة العشرة في العشرة أيام (يعني الأيام التي قضتها اللجنة التي عينتها السلطات الفرنسية). وقد شملت رسالته أسماء أصناف التمور الأكثر حساسية لمرض البيوض وكذلك الأصناف المقاومة له ومع الأسف أن المجهول كان ضمن المجموعة الأولى وبالتالي توقفت زراعته في المغرب لهذا السبب.
علمت أن الاسبان أتو بتمر المجهول من المغرب خلال "احتلال العرب للأندلس" وما زالوا يعلبونها بحرص وبعثها لأصدقائهم كهدايا عيد الميلاد، ولهذا كنت مقنعا أنه يمكننيأن أجد سوقا للمجهول بمدريد ولندن خاصة إذا توقف التصدير من المغرب بسبب مرض البيوض.
قبل بضع سنوات (1936) تم نقل الفسائل التسعة المتبقية مع فسائلها الجديدة الى حقل النخيل بالانديو التابع للحكومة حيث انتهت فترة الحجر وكذلك لم تعد مياه حقل المزارع الهندي بجنوب نيفادا كافية لسقي النخيل الذي يطلب كميات كبيرة. هناك في الإنديو نمت أشجار النخيل بشكل جيد وأعطت العديد من الفسائل وكذلك أنتجت تمر ذات جودة عالية.
ملحوظة:
تقرير والتر سوينجل حول "إدخال تمر المجهول من إفريقيا إلى الولايات المتحدة"، نشر في معهد مزارعي النخيل ( Date Growers Institute)، عدد 22 بتاريخ 28 أبريل 1945.
ترجمة: الدكتور عبد الله وهبي
خبير دولي في إنتاج النخيل وتحليل سلسلة القيمة للتمور
خبير دولي في إنتاج النخيل وتحليل سلسلة القيمة للتمور
