الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

الدكتور رضوان زهرو يرصد في كتاب الاستثناء المغربي في تدبير الاحتجاج والأخطاء المؤدية إلى انهيار "البيجيدي"

الدكتور رضوان زهرو يرصد  في كتاب الاستثناء المغربي في تدبير الاحتجاج والأخطاء المؤدية إلى انهيار "البيجيدي" رضوان زهرو، وكتاب "سنوات المد والجزر السياسي بين ربيع "ديمقراطي" و"نموذج تنموي"

صدر للدكتور رضوان زهرو، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق عين الشق بالبيضاء، كتاب جديد تحت عنوان: "سنوات المد والجزر السياسي بين ربيع "ديمقراطي" و"نموذج تنموي"؛ على خلفية التحولات والتقلبات التي عرفتها عشرية 2011-2021. توصلت "أنفاس بريس" في هذا الإطار من المؤلف بتصدير للكتاب الذي جاء كالتالي:

مرت المنطقة العربية كما هو معلوم، بمنعطف سياسي وإجتماعي خطير، سمي إعلاميا، بـ"الربيع العربي" أو الربيع "الديمقراطي"؛ وهو مصطلح أطلق على الانتفاضات والاحتجاجات والاعتصامات التي تحولت في بعض الحالات، إلى ثورات عارمة أطاحت ببعض الأنظمة العربية خلال عام 2011. والتي شكلت أحد مظاهر التغيرات العميقة التي شهدها العالم العربي خلال السنوات القليلة الماضية، وكانت بمثابة مفاجأة مذهلة لصناع القرار في معظم العواصم العربية.

ولقد أشرّ هذا الفعل الإنتفاضي في دول "الربيع العربي"، على سعي الشعوب إلى بلورة شرعية ديمقراطية مناهضة لشرعيات القهر والاستبداد المنهارة، أجاد الثوار في سبيلها، جميع وسائل الحشد والتعبئة والتواصل، ضمن فضاءات إعلامية وإلكترونية موازية، أفلتت من دائرة الرقابة الأمنية الصارمة، وأتاحت مساحات مريحة للنقد والإبداع والمخيال السياسي الواسع.

ولتجاوز هذه الانتفاضات وإنهاءها، عملت دول "الربيع العربي" على استخدام أساليب مختلفة؛ تراوحت بين الترغيب والترهيب من جهة، والاحتواء والاستجابة للمطالب الشعبية المختلفة (من قبيل الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، والمطالبة بالتشغيل وإسقاط الفساد...) والبحث عن الأسباب الحقيقية من ورائها، من جهة أخرى، حيث أصبحت فيما بعد، هذه المطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية... ذات مكانة مركزية في الخطاب السياسي، وفي الأجندات السياسية، وفي استراتيجيات الإصلاح، لعدد من الدول العربية.

أما عندنا نحن في المغرب؛ فقد ظل الاستثناء هو سيد الموقف وعنوان المرحلة؛ الاستثناء في تدبير الاحتجاج؛ والاستثناء عندما وصل الإسلاميون إلى "السلطة"؛ ثم الاستثناء في طريقة هزمهم والتخلص منهم، وتحقيق تناوب سياسي جديد، سلميا وانتخابيا، بالديمقراطية والديمقراطية فقط.

اخترنا لهذا الكتاب عنوان: سنوات المد والجزر السياسي بين ربيع "ديمقراطي" و"نموذج تنموي"؛ وذلك بالنظر إلى التحولات والتقلبات التي عرفتها عشرية 2011-2021، والتي هي أشبه ما تكون بحركة "مد وجزر". وإذا كان "المد والجزر" ظاهرة طبيعية تتكون من مرحلتين إثنتين؛ مرحلة يحدث فيها ارتفاع في منسوب مياه سطح المحيط أو البحر، ومرحلة أخرى يحدث فيها انخفاض في منسوب هذه المياه، فإن ما جرى في بلادنا من أحداث خلال الفترة الممتدة من 2011 (السنة التي اندلع فيها الربيع "الديمقراطي"، مع ظهور حركة 20 فبراير) إلى 2021 (السنة التي أعلن فيها عن نموذج تنموي جديد خاص بالمغرب) يمكن اعتباره كحركة "مد وجزر" سياسي؛ حيث شهدت هذه الفترة تعاقب مرحلتين اثنتين:

*مرحلة رفع وصعود لحزب ذي مرجعية إسلامية بعد تصدره في سنة 2011، لنتائج الانتخابات، ولأول مرة في التاريخ السياسي للمغرب، وتمكنه بذلك وطبقا للدستور، من تدبير الشأن العام الوطني لولايتين متتاليتين؛

*مرحلة خفض وهبوط، بل وانهيار تام لهذا الحزب، عقب انتخابات عامة، أجريت متم سنة 2021. كما شهدت الفترة نفسها ورغم قصرها، تعاقب الديمقراطية والسلطوية؛ التقدم والتخلف؛ النجاح والإخفاق؛ الانفتاح والانغلاق؛ التحديث والتقليد؛ السرعة أحيانا والبطء أحيانا كثيرة، عند اتخاذ القرارات وتنفيذ السياسات.

وهكذا وإلى جانب الرؤية الإصلاحية والديمقراطية، الحداثية والتحديثية، الاستراتيجية والاستباقية، للمؤسسة الملكية؛ وإلى جانب ريادتها القوية ودورها المتميز والفعال في مسار البناء والتنمية، وترسيخ مبادئ اللامركزية والحكامة ودولة القانون، وفي تسوية العديد من القضايا والإشكالات، المحلية والإقليميًة والدولية، ظلت تسود في بلادنا للأسف، دينامية سياسية أخرى غير ملائمة، وفعلا حكوميا أقل ما يمكن أن يقال عنه، أنه هش وضعيف وغير مستقر؛ وظل يطبعه في الكثير من الأحيان، التردد والارتباك، والتحفظ والانغلاق، والانفراد باتخاذ القرارات وفرض الأمر الواقع أحيانا؛ ما ساهم في شيوع جو عام من التذمر وغياب الثقة، لدى شرائح واسعة من المجتمع؛ غياب الثقة في المؤسسات وفي الإدارة وفي النخب السياسية والاقتصادية، بل وفي المستقبل؛ وهو ما أدى في النهاية، إلى الفشل في تنزيل مضامين دستور 2011، وفي إيجاد أجوبة شاملة ومندمجة في مجالي التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. وفي تنزيل الإصلاحات وتسريع عجلة النمو وتجويد الخدمات العمومية.

حوالي عشر سنوات مرت إذن من "المد والجزر السياسي"، عرفت العديد من المحطات والقضايا الساخنة، تم خلالها استصدار قوانين واتخاذ إجراءات وسن برامج وسياسات، واكبناها عن كتب وفي حينها، بأفكار وآراء، وبمواقف أحيانا، نشرت طيلة عشرية كاملة، في مجلات علمية ومواقع إلكترونية؛ اخترنا لهذا الكتاب بعضها، بل وأهمها؛ بدء بمقال صدر في سنة 2008، وقبل اندلاع شرارة الربيع "الديمقراطي"، تناولنا فيه الحاجة إلى "دولة اجتماعية" -هذه الدولة الاجتماعية التي أصبح الجميع يتكلم عنها اليوم، بمناسبة ومن دونها- ثم جاء مقال آخر سنة 2011، وفي أوج "الربيع العربي" وحركة 20 فبراير، تحت عنوان ربيع "الديمقراطية" أم خريف التنمية؟ لنختم في النهاية، بمقال آخر الكتاب، صدر سنة 2021, وقبيل أجرأة الانتخابات العامة الأخيرة، ومعرفة نتائجها، اعتبرنا فيه "النموذج التنموي الجديد"،، إعلانا شبه رسمي عن فشل تجربة في تدبير الشأن العام" وإغلاق قوس "حكم" الإسلاميين.

لقد حاولنا قدر ما نستطيع وفي كل المقالات المختارة والمضمنة في هذا الكتاب، توخي العلمية والموضوعية؛ ظل هاجسنا الإسهام في النقاشات الدائرة آنذاك، بالبحث والدراسة؛ في محاولة للتصويب والتوجيه والنقد البناء؛ لا لشيء سوى لمصلحة الوطن والصالح العام.