Thursday 26 June 2025
كتاب الرأي

محمد قمار: العرض الوطني للتخييم 2025.. نحو مخيمات دامجة تزرع القيم وتصنع المواطن

محمد قمار: العرض الوطني للتخييم 2025.. نحو مخيمات دامجة تزرع القيم وتصنع المواطن محمد قمار
تتفاقم‭ ‬تجليات‭  ‬التفكك‭ ‬القيمي‭ ‬والتفاوت‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتنهار‭ ‬القيم‭ ‬أمام‭ ‬عجز‭ ‬مؤسساتي‭ ‬تربوي‭ ‬مدرسي‭ ‬لترميم‭ ‬هذا‭ ‬الصدع‭ ‬المجتمعي‭...‬

فتبرز‭ ‬المخيمات‭ ‬التربوية‭ ‬كفضاءات‭ ‬حيوية‭ ‬لصيانة‭ ‬الإنسان،‭ ‬وبناء‭ ‬الذات،‭ ‬وتكريس‭ ‬روح‭ ‬المواطنة‭. ‬
في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬يأتي‭ ‬العرض‭ ‬الوطني‭ ‬للتخييم‭ ‬2025‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬ليؤكد‭ ‬أن‭ ‬المخيم‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ترفا‭ ‬صيفيا،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬ورشًا‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬مندمجًا‭ ‬في‭ ‬المشروع‭ ‬المجتمعي‭ ‬التربوي‭ ‬الوطني‭.‬

‬شعار: "المخيمات‭ ‬التربوية‭ ‬فضاء‭ ‬للتميز‭ ‬وبناء‭ ‬الأجيال"،‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬خطاب‭ ‬للاستهلاك،‭ ‬بل‭ ‬وعي‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬قطاع‭ ‬الشباب‭ ‬والجامعة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتخييم،‭ ‬والنسيج‭ ‬المدني،‭ ‬بكون‭ ‬التمييز‭ ‬جسر‭ ‬الانفتاح‭ ‬والأمل‭ ‬والطموح،‭ ‬وأن‭ ‬بناء‭ ‬الأجيال‭ ‬مسؤولية‭ ‬مشتركة‭.... ‬والمخيم‭... ‬له‭ ‬وظيفة‭ ‬البناء‭ ‬بالقيم‭ ‬ضمن‭ ‬اللعب‭ ‬والترفيه‭.‬

وهذا‭ ‬الموسم‭ ‬على‭ ‬عادة‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬تنخرط‭ ‬وزارة‭ ‬الشباب‭ ‬والثقافة‭ ‬والتواصل‭ ‬قطاع‭ ‬الشباب،‭ ‬بشراكة‭ ‬مع‭ ‬الجامعة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتخييم،‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬موسم‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬المواكبة‭ ‬والتجديد،‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬التخييم‭ ‬رافعة‭ ‬للتربية‭ ‬على‭ ‬القيم،‭ ‬والتمكين،‭ ‬والدمج‭ ‬المجالي‭ ‬والاجتماعي‭.‬

والرهان‭ ‬القيم‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مطلبا‭  ‬ولا‭ ‬حلما‭ ‬بل‭ ‬الطموح‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يغدو‭ ‬المخيم‭ ‬مختبر‭ ‬للمواطنة‭ ‬والتسامح‭ ‬والتربية‭ ‬باللعب‭ ‬والفرح‭ ‬والترفيه‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬تحصن‭ ‬الإنسان‭ ‬ضد‭ ‬اليأس‭ ‬وخطاب‭ ‬الكراهية‭... ‬والانغلاق‭ ‬على‭ ‬الذات‭....‬لهذا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فصل‭ ‬التميز‭ ‬عن‭ ‬بناء‭ ‬الأجيال‭. ‬فدافع‭ ‬التميز‭ ‬شرط‭ ‬سيكولوجي‭ ‬ومنهجي‭ ‬لترسيخ‭ ‬قيم‭ ‬التنافس‭ ‬الشريف‭ ‬والمثابرة‭ ‬وتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬والعمل‭ ‬ضمن‭ ‬فريق،‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬التخطيط‭ ‬وتحديد‭ ‬الأهداف‭ ‬بوعي‭ ‬وطني‭ ‬وإنساني‭. ‬فشخصية‭ ‬الطفل‭ ‬والمراهق‭ ‬تتشكل‭ ‬في‭ ‬الفضاءات‭ ‬غير‭ ‬النظامية‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭  ‬داخل‭ ‬جدران‭ ‬الفصول‭ ‬الدراسية‭. ‬ومن‭ ‬هنا،‭ ‬تبرز‭ ‬المخيمات‭ ‬كمدارس‭ ‬موازية‭ ‬للقيم:‭ ‬قيم‭ ‬التعاون،‭ ‬الانضباط،‭ ‬احترام‭ ‬الآخر،‭ ‬الانفتاح،‭ ‬والعيش‭ ‬المشترك‭. ‬إن‭ ‬المخيم،‭ ‬حين‭ ‬يبنى‭ ‬على‭ ‬مرجعية‭ ‬تربوية‭ ‬واضحة،‭ ‬يصبح‭ ‬فرصة‭ ‬لتجاوز‭ ‬الانغلاق،‭ ‬ولزرع‭ ‬بذور‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والمواطنة‭ ‬الفاعلة‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تعمل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجمعيات‭ ‬داخل‭ ‬خيمتها‭  ‬الحاضنة‭ ‬للتنوع‭ ‬والمبادرة‭ ‬والابتكار‭ ‬والإبداع:‭ ‬الجامعة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتخييم‭ ‬على‭ ‬تنزيل‭ ‬برامج‭ ‬هادفة‭ ‬دامجة‭ ‬،‭ ‬تتجاوز‭ ‬الترفيه‭ ‬إلى‭ ‬التربية‭ ‬عبر‭ ‬الفن،‭ ‬المسرح،‭ ‬البيئة،‭ ‬الألعاب‭ ‬الجماعية،‭ ‬والورشات‭ ‬الموضوعاتية‭ ‬التي‭ ‬تستجيب‭ ‬لانتظارات‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭.‬

فالتخييم‭ ‬كرهان‭ ‬للدمج‭ ‬والتقليص‭ ‬من‭ ‬الفوارق‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مجرد‭ ‬خطاب‭ ‬موسمي‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬قناعة‭ ‬تتقاسمها‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف:‭ ‬قطاعات‭ ‬عمومية‭ ‬وفاعلين‭ ‬مدنيين،‭ ‬فمن‭ ‬أبرز‭ ‬مكاسب‭ ‬عرض‭ ‬2025‭ ‬هو‭ ‬تأكيده‭ ‬على‭ ‬دمج‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬هشاشة،‭ ‬وأبناء‭ ‬العالم‭ ‬القروي،‭ ‬والطفولة‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬إعاقة،‭ ‬ضمن‭ ‬رؤية‭ ‬دامجة‭ ‬لا‭ ‬تميّز‭ ‬ولا‭ ‬تقصي‭. ‬وتعد‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬تحولا‭ ‬نوعيا،‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬التخييم‭ ‬أداة‭ ‬لإعادة‭ ‬توزيع‭ ‬العدالة‭ ‬المجالية‭ ‬والتربوية،‭ ‬ومجالًا‭ ‬لتعزيز‭ ‬الثقة‭ ‬والانتماء‭ ‬لدى‭ ‬الفئات‭ ‬الأقل‭ ‬حظًا‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬توسيع‭ ‬العرض‭ ‬ليشمل‭ ‬العطل‭ ‬البينية‭ ‬والمخيمات‭ ‬الحضرية‭ ‬ومخيمات‭ ‬القرب‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬تجاوز‭ ‬الطابع‭ ‬الموسمي،‭ ‬ويعزز‭ ‬من‭ ‬استدامة‭ ‬التأثير‭ ‬التربوي،‭ ‬ويقلل‭ ‬من‭ ‬كلفة‭ ‬الاستفادة،‭ ‬ويُقرب‭ ‬الخدمة‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭.‬
وبين‭ ‬الطموح‭ ‬والواقع‭ ‬تنهض‭ ‬تحديات‭ ‬لا‭ ‬تُخفى،‭ ‬فرغم‭ ‬هذا‭ ‬النفس‭ ‬التفاؤلي،‭ ‬تبقى‭ ‬هناك‭ ‬تحديات‭ ‬بنيوية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬القفز‭ ‬عليها:‭ ‬ضعف‭ ‬بعض‭ ‬التجهيزات،‭ ‬تباين‭ ‬مستويات‭ ‬التأطير،‭ ‬تفاوت‭ ‬الدعم‭ ‬اللوجستي،‭ ‬وضبابية‭ ‬معايير‭ ‬الاعتماد‭ ‬أحيانًا‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يسجل‭ ‬بوضوح‭ ‬هو‭ ‬إرادة‭ ‬التحسين‭ ‬والتطوير‭ ‬التدريجي،‭ ‬واعتماد‭ ‬الوزارة‭ ‬والجامعة‭ ‬على‭ ‬آليات‭ ‬التكوين،‭ ‬والمصادقة‭ ‬على‭ ‬البرامج،‭ ‬والرقمنة‭ ‬لتسهيل‭ ‬تدبير‭ ‬العمليات‭.‬

وتظل‭  ‬الآفاق‭ ‬مشجعة‭ ‬للعبور‭ ‬من‭ ‬التخييم‭ ‬إلى‭ ‬التربية‭ ‬المجتمعية،‭ ‬فليس‭ ‬الهدف‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لنا‭ ‬فقط‭ ‬عرض‭ ‬تخييـمي‭ ‬ناجح،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لدينا‭ ‬مشروع‭ ‬تربوي‭ ‬وطني‭ ‬تنخرط‭ ‬فيه‭ ‬الجهات،‭ ‬والجماعات،‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التعليمية،‭ ‬والجمعيات،‭ ‬والقطاع‭ ‬الخاص‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المخيم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬منصة‭ ‬للتوجيه‭ ‬المبكر،‭ ‬وتحصين‭ ‬السلوك،‭ ‬ومواكبة‭ ‬الطاقات‭ ‬الشابة‭ ‬نحو‭ ‬الوعي،‭ ‬والإبداع،‭ ‬والمشاركة‭.‬

ومتى‭ ‬توفرت‭ ‬الإرادة‭ ‬والتنسيق‭ ‬والتمويل‭ ‬العادل،‭ ‬يمكن‭ ‬للمغرب‭ ‬أن‭ ‬يُحدث‭ ‬تحولًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالطفولة،‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬التخييم‭ ‬ركيزة‭ ‬تنموية‭ ‬وتربوية‭ ‬مستدامة‭.‬

‭‬تفاؤلنا‭ ‬واقعي‭ ‬ومشروع‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬إرادة‭ ‬القطاع‭ ‬الوصي‭ ‬المنفتح‭ ‬على‭ ‬ترافعات‭ ‬الجامعة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتخييم‭ ‬والواعي‭ ‬بالرهانات‭ ‬الجديدة‭ ‬للتخييم،‭ ‬يليق‭ ‬بمغرب‭ ‬جديد‭  ‬ويلبي‭ ‬انتظارات‭ ‬طفولة‭  ‬لها‭ ‬خصوصيات‭ ‬دقيقة،‭ ‬فنحن‭ ‬إزاء‭ ‬تحول‭ ‬ملموس‭ ‬في‭ ‬فلسفة‭ ‬التخييم،‭ ‬يتجاوز‭ ‬الفصول‭ ‬والفضاءات‭ ‬نحو‭ ‬صناعة‭ ‬الإنسان‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬الطريق‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬طويلا،‭ ‬لكن‭ ‬الوعي‭ ‬التراكمي،‭ ‬والرؤية‭ ‬المتدرجة،‭ ‬والشراكات‭ ‬الذكية،‭ ‬كلها‭ ‬مؤشرات‭ ‬على‭ ‬أننا‭ ‬نسير‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬الصحيح،‭ ‬حيث‭ ‬يصبح‭ ‬كل‭ ‬مخيم‭ ‬لبنة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مغرب‭ ‬جديد‭ ‬متصالح‭ ‬مع‭ ‬أجياله‭.‬
 
محمد قمار/ عضو المكتب التنفيذي للجامعة الوطنية للتخييم