الجمعة 26 إبريل 2024
فن وثقافة

معرض تشكيلي مشترك بين ثلاثة رسامين من ثلاث قارات فنية

معرض تشكيلي مشترك بين ثلاثة رسامين من ثلاث قارات فنية معرض "RetrouvArt" الذي يجمع أعمال أحمد الحياني وعزيز بنجة والشيخ زيدور
الكتابة عن معرض جماعي هي أولاً البحث عن هذا الخيط الناظم الذي يخلق التماسك... إنه تحديد هذه العناصر الجمالية أو البشرية المشتركة بين الفنانين. مع معرض "RetrouvArt" الذي يجمع أعمال أحمد الحياني وعزيز بنجة والشيخ زيدور، نكتشف أولاً ثلاث "قارات" فنية، وثلاث "تجارب" تشكيلية تتقاطع في الموهبة والإبداع ونحت الجمال.
ما يوحد بين الفنانين الثلاثة "الموهبة" أولاً. وثانياّ الخروج من "بيضة" المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بتطوان (التي تأسست عام 1945).
 
أحمد الحياني وعزيز بنجة مدينان لهذا المعهد الذي منحهما "وثيقة" اعتراف و"شهادة" مبدع في دفعة 1999، والتحق بهما الشيخ زيدور عام 2001. ثلاثة فنانين تركوا ذكريات داخل أسوار هذا المعهد، هم اليوم خارج هذه الأسوار، فرقتهم السبل، وشق كل فنان طريقه بريشته، واليوم يصلون "الرحم" في هذا اللقاء الفني، يعثر بعضهم على بعضهم في هذا المعرض الفني المشترك، كأنهم كانوا في سفر عبر آلة الزمن.. الزمن يتوقف في هذا المعرض، كل لوحة بسعة ذاكرة ومغامرة وحنين إلى "شغب" الألوان و"شغف" الريشة.
 
"RetrouvArt".. عنوان مثير، وكأن "الفرسان الثلاثة" كانوا أسرى "متاهة" أو داخل نسيج "شرنقة"، فاكتشفوا ذواتهم الفنية من خلال هذا المعرض المشترك، كل لوحة تختزل خطوة ومسارا.. لوحات لا تتشابه في المظهر لكنها تحمل جينات فنية واحدة. معرض مشترك لثلاثة روافد جمالية تصبّ في بحر لا تجف ألوانه وسماء لا تخفي زرقتها.
خلال هذا المعرض سنكتشف ثلاثة فنانين مهووسين بالألوان، سيبهروننا بأعمال فنية جديدة متناسقة شكلت وروحا وفضاء، بمساحة متر مربع لكل لوحة على حدة.. كل لوحة تخاطب اللوحة الأخرى في حديث هامس لا يسمعه إلا من يملك أذناً عاشقة للجمال.
 
أحمد الحياني ينتمي إلى مدرسة فنية تمزج بين التجريدية والتعبيرية، خليط من الخطوط والمنعرجات والألوان العاكسة لروحه الثائرة.
عزيز بنجة يميل إلى الشكل الحديث والمكتمل.
أما الشيخ زيدور فلوحاته غارقة في التجريد المطلق.
 
أحمد الحياني.. البحث عن المدينة الفاضلة
 
 
الأعمال شبه التجريدية لأحمد الحياني تعكس هندسة ذات أشكال عمودية بارزة. أحجامها الثقيلة تلفت الأنظار إلى الأعلى. عمودية تهفو إلى المرتفعات... بحثًا عن الهواء والسماء (السماء ليست موجودة كثيرًا في الكون التصويري للحياني!)... من أجل الفرار من قوقعة مبنى قمعي!
تخيّل يرفض الأنماط المعمارية التي حولت المدن إلى زنازن من "الخرسانات". المدينة بالنسبة للحياني وحش يبتلع الطبيعة..
"اغتالوا شجرة لزرع خرسانة".. تصريح قوي لأحمد الحياني. رسم توضيحي لفنان متصالح مع الطبيعة، وابن جبال الريف، كان يستظل بالأشجار وتعانق عيناه السماء، ليجد نفسه مكبلا على جدار "خرسانة" وداخل قبو مدينة بلا سماء.
يعتقد الحياني بأن الرغبة المستمرة لسكان المدن في الهروب إلى "الطبيعة" ليست سوى بحث عن "الجذور". العودة إلى الطبيعة حلم يراوده، من خلال أشكال النباتات والامتدادات والآفاق المفتوحة في أعماله الفنية.
شبه التجريد... أو شبه التصوير... لأحمد الحياني مشبع بالتعبيرية. هذا التيار الذي سعى إلى إعادة تفسير الواقع من أجل إثارة عاطفة شديدة مرتبطة باهتمام أو قلق الفنان.
لكن اللافت في عمل أحمد الحياني أنه ينقل في نفس الوقت "صرخة" سخط وبعد "غنائي". يحمل العمل بالتأكيد رسالة إنسانية واجتماعية... لكن الفنان لا ينسى أنه قبل كل شيء يلهث وراء "الجمال".
ومن ثمة، فإنه يستخدم نهجا مزدوجا. مجلدات ثقيلة وخطوط قوية وأحيانًا بصمات سوداء أو رمادية... لكن الأعمال في الوقت نفسه تعطي لمحة عن وعد وأمل... بعد غنائي أو شعري ناتج عن معالجة الضوء والألوان.
يوازن أحمد الحياني بين الأشكال الضخمة مع لوحة رائعة تتيح له أن يقدم ضمنيًا مدينة الأحلام... المدينة الخيالية... المدينة الفاضلة التي يغمرها الضوء والألوان... سواء كانت زرقاء أو خضراء أو صفراء أو حمراء... كل هذا يعطي بريقًا وإشراقا لأعماله. باختصار، كل ما تفتقر إليه مساحاتنا الحضرية!
على الرغم من قسوة المدينة وبشاعة وجهها المعماري، استمر الفنان في التفكير في الهندسة المعمارية بمعناها النبيل. فن رئيسي يستمد منه المكونات البلاستيكية التي يكتبها في أعماله: العتمة والقتامة والشفافية والوضوح والظلام والصلابة والمرونة... بما في ذلك جماليات الأشكال من المعدن والزجاج وغيرها من المواد.
 
عزيز بنجة.. حيوية الألوان وقوة التضاد
 
 
عزيز بنجة معروف بانتقائيته لعدة أساليب. ينتقل بسهولة من التجريد إلى التشخيص أو الواقعية القصوى... ويؤمن بحرية الإبداع ويرفض كل قيود. يريد أن يبدع وفقًا للحظة والوضع والحاجة بما في ذلك الحالة الروحية.
اختار عزيز بنجة المشاركة في هذا المعرض بأعمال تشخيصية حيث يمكن التعرف على لغته التشكيلية من خلال الاهتمام بالأجزاء وحيوية الألوان وقوة التضاد اللوني والسماء الصفراء الجذابة وأيضًا تمثيل الانعكاسات الضوئية على الماء... مما يجعله مشابهًا للانطباعيين.
إن عالمه الصباغي يظهر مناظر طبيعية، ومساحات ريفية، وحدائق تعبرها درجات اللون الأخضر اللامحدودة... وفي أحدث أعماله، قام بدمج أشباح أو أشكال جسدية silhouettes لشخوص، من الخلف، وهي تنظر إلى تلك الحدائق. بمظهر شفاف مذهل،كما لو كانوا هم أنفسهم زوارًا يتأملوا في اللوحة القماشية. لكنهم هناك كـ "مشاهِدين" و"مشاهَدين".
ما سنتذكره أيضًا عند عزيز بنجة هو أيضًا خطاباته المتعلقة بالنقاش الذي لا ينضب حول التشخيص / التجريد. من خلال تقديم وجهة نظر مثيرة للاهتمام، فهو يقول بأن الفن التشخيصي، في وقت ليس ببعيد فقد مصداقيته في الستينيات من القرن الماضي، حيث ابتعد الفنانون الرواد ببلادنا ومؤسسوا التجريد المغربي الحديث بوضوح عن "الرسم التصويري او التشخيصي" ... مستهدفين بشكل خاص الرسامين "المستشرقين" الغربيين على اعتبار أن أعمالهم تدخل في إطار "الفن الكولونيالي".
لكن انتقاد "الفن الكولونيالي" لا يمكن أن يبرر الرفض التام والكامل لـ "الفن التشخيصي"؟ إنه مجرد "أسلوب فني" - مثل الآخرين - أسلوب تعبير تشكيلي أفرز أعمالا فنية عالمية.
علاوة على ذلك، في الستينيات كان "الفن التشكيلي المغربي" لا يزال يبحث عن طريقه إلى المشهد التشكيلي الوطني.
إذن ما الذي كنا نتقاتل من أجله بالضبط في ذلك الوقت؟
يعتقد عزيز بنجة بأنه يجب علينا تجاوز هذه القطيعة المصطنعة، لأن الأعمال الفنية ذات جودة يمكن تحديدها بوعي وثقافة حرة،بغض النظر عن نوعها وأسلوبها.
تشهد الأعمال المقترحة في هذا المعرض من قبل عزيز بنجة أن الفن التشخيصي يعرف حاليًا فترة ازدهار في المغرب بفضل بعض الأسماء الفنية الكبيرة، بما في ذلك اسم عزيز بنجة.
 
الشيخ زيدور.. الحنين التاريخي إلى فاس وتطوان
 
 
يعتمد تجريد الشيخ زيدور "المطلق" على معادلة تشياروسكورو بتأثيرات "رذاذ خفيف". "التألق" موجود في كل مكان بمعناه المزدوج. ذلك من "اللمعان" و"التفتت". تظهر بعض الأشكال المتعلقة بـ "الرسم بالإيماءات" بصمات داكنة تتناقض مع درجات الألوان الساطعة.
تثير بعض قراءات أعمال الشيخ زيدور موضوعات الروحانية والحنين التاريخي والذاكرة ومدينتي فاس وتطوان... من المؤكد أن تجربته التشكيلية مرتبطة بمسقط رأسه فاس، لكن لا توجد آثار معمارية يمكن العثور عليها هناك.. الارتباط ليس مباشرًا ولكن الارتباط موجود.
تم دمج فاس في عالمها المصور على مستويين. الأول من خلال مسرحية الظل والضوء هذه التي تتخلل أزقة المدينة المشعة. ومنها تلك المداخل المظلمة للمنازل القديمة التي تؤدي إلى الأفنية المبهرة بالأضواء والألوان.
الثاني من خلال ألوان الأسوار والفروق الدقيقة للمباني القديمة التي صمدت بمرور الوقت. لون الأرض المدسوسة، الأرض الطينية مغطاة أحيانًا بالجير الملون. درجات اللون الأصفر والبرتقالي والبرتقالي... جنباً إلى جنب مع درجات مختلفة من اللون الأخضر. هذه السجادة من النباتات الجميلة التي تنتشر بعد المطر أو الضباب فوق بعض أجزاء الأسوار.
كأن هذه الجدران، في خيال الشيخ زيدور، نوع من "لوحة عملاقة" يأخذ منها الألوان التي ترسبت على لوحاته. تكشف أعماله أحيانًا عن تأثير تضخيم أو تضخيم... رغبة في الذهاب إلى التفاصيل لتحليل جميع الفروق الدقيقة وتقسيمها.
في أعماله الأخيرة المعروضة لـ"RetrouvArt"، اتخذ اللون الأخضر اتساعًا أكبر. الشيخ زيدور يعبر عن انجذابه إلى نغمات "الأشنة (نوع من الفطريات) الخضراء". كما بدأ في استحضار فكرة "البحيرة" التي تعلن عن مسارات أخرى في استكشافاته. تجريد ساحر يغذيه مستودع مرتبط بالذاكرة والوقت والتذكر والأصول.
 
ترجمة بتصرف عن النص الفرنسي لكاتبه الناقد الفني عز الدين الهاشمي الإدريسي