السبت 27 إبريل 2024
فن وثقافة

اكتشاف الصين، رحلة أكاديمي مغربي إلى أرض التنين

اكتشاف الصين، رحلة أكاديمي مغربي إلى أرض التنين الطيب بياض وغلاف المؤلف
"إنه متن رحلي يُعَدُّ بحق نصاً أدبياً رفيعا وشاهدا تاريخيا بديعاً يُخبر عن مشاهدةٍ وعيان لا عن تخمين وحسبان" بهذه الكلمات وصف المدير المغربي لمعهد كونفوشيوس كتاب المؤرخ والأكاديمي الطيب بياض الصادر حديثا عن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق الدار البيضاء، وهو الكتاب الذي أخذ عنوان "اكتشاف الصين، رحلة أكاديمي مغربي إلى أرض التنين".
حاول من خلاله الدكتور الطيب بياض أن يقربنا من شخصية الإنسان الصيني ومن مظاهر التحول النوعي الذي شهدته الصين من جهة والتأمل في طبيعة العلاقات المغربية الصينية من جهة ثانية.
يدخل المؤلف ضمن أدب الرحلة ويوثق لتجربة السفر امتدت مجاليا من عاصمة الأنوار إلى أرض الحكيم كونفوشيوس، في إطار مهمة استطلاعية، ضمن وفد مغربي إلى جانب "قادة شباب أفارقة"، خلال ربيع سنة 2018. وهي تجربة لم تكن وليدة الصدفة أو رغبة عابرة، بل كانت في البدء مؤطرة بأدوات الفهم العلمي وبصنعة المؤرخ، فالرجل كان له اهتجاس بأدب الرحلة منذ مدة وقد أَلَّف في هذا الباب كتابا بعنوان "رحالة مغاربة في أوروبا، بين القرنين السابع عشر والعشرين تمثلاث ومواقف" لتُتاح له الفرصة في أن يكتشف هذه المرة تجربة السفر إلى بلاد التنين ويضرب نوعا من المقارنة أبعد ما تكون من الإعجاب والإطراء وأقرب إلى النقد والإصغاء.
وعن فائدة أدب الرحلة ودورها في اكتشاف حضارات وثقافات مختلفة ونهل ما بها من فوائد تعود بالنفع على البلاد والعباد يقول المؤلف "أعتقد أن فكرة الرحلة آلية مفيدة ومنتجة لنقل ثقافة الآخرين إلى غيرهم، أدت هذه الوظيفة في السابق؛ منذ بداية عصر تدوين الرحلات، وعبرها اكتشاف حضارات وثقافات مختلفة من منطلق الغيرية والاختلاف الحضاري والعقائدي في كثير من الأحيان".
حاول المؤرخ الطيب بياض نقل معالم الحضارة الصينية بحيادية المؤرخ الرصين البعيد عن مهمة القاضي وإصدار الأحكام، ورغم ذلك فقد أثنى على التجربة الصينية ورجالها في مجال الصناعات والمخترعات وهو لا يخفي إعجابه وانبهاره بما حازته الصين من سبق الابتكار وتراكم في الصنعة والحضارة. وقد كان همه تطوير مفهوم الرحلة وجعلها مهمة قادرة على استيعاب الآخر والانفتاح عليه والاستفادة منه شريطة أن توجد عينا فاحصة تنفذ إلى جوهر ما يستحق الإدراك والاستيعاب لاستبطانه جيدا بعيدا عن منطقي الإطراء أو الهجاء، بل برؤية نقدية هادفة تسعف في استلهام المفيد من تجارب الآخرين، وتنبه إلى مستويات التفاوت والتجاوز من منطلق الوعي باختلاف سياقات ومسارات تبلور وتطور هذه الثقافات المختلفة.
بمزيد من التعمق في ثنايا الكتاب نجد الأكاديمي الطيب بياض كمتخصص في التاريخ الاقتصادي ينقل لنا تجربتين رائدتين في الإصلاح والانفتاح، كانت الأولى مع مدينة "شينزين" التي عُدَّتْ كمختبر علمي لتنفيذ خطط الإصلاح وقد تحولت من قرية صغيرة فقيرة تعتمد على عائدات الصيد إلى مدينة عملاقة يتجاوز سكانها 20 مليونا ومشتلا لأوراش التكنولوجيا الرائدة. أما التجربة الثانية فكانت مع قرية "هايزي" التي جسدت "لتجربة مجهرية بكل تأكيد لكنها كثيفة الدروس، غزيرة العبر لمن رام محاربة الفقر بمواطنة حقيقية، بعيدا عن منطق الجشع أو الريع أو التواكل".
وعبر مدارات فصول الكتاب يضرب الطيب بياض مقارنات وموازنات بين النموذجين التنموي الصيني والرأسمال الغربي، "مستحضرا أمام ناظريه التجربة الأوروبية المتشرنقة داخل ذاتها والتي تعاند أمراً محتوما فرضته الصين وصار المتوقع منه أشد من الواقع". يقول الطيب بياض "حملتُ الشرق معي إلى الغرب في اللاوعي، فكان يقفز من عقلي الباطن كلما شرد الذهن، أو بُحتُ بأمره إلى جليس. لكنه جثم بثقله في رحلة العودة إلى الرباط، ولازم تفكيري منذ وطأت قدماي مطار أورلي بباريس منتظرا إقلاع الطائرة. وكأني بخيالي يستجمع صورا ومشاهد من الغرب، سيجري استحضارها من باب المقارنة بشكل لا إرادي في رحلة الشرق، وهو ما حصل فعلا في أكثر من مناسبة".
الجدير بالذكر أن للطيب بياض كتابات ومؤلفات قدمها للمكتبة العربية نذكر منها كتاب "المخزن والضريبة والاستعمار: ضريبة الترتيب 1880-1915"، وكتاب "رحالة مغاربة في أوروبا بين القرنين السابع عشر والعشرين: تمثلات ومواقف"، وكتاب "أحداث 3 مارس 1973، بوح الذاكرة وإشهاد الوثيقة" الذي كان حوارا مع ذ.مبارك بودرقة (عباس)، فضلا عن كتابه "الصحافة والتاريخ: إضاءات تفاعلية مع قضايا الزمن الراهن". الذي عالج فيه مهمة المؤرخ ومهمة الصحفي والتكامل الحاصل بينهما متى عرف المؤرخ كيف يطرق باب الصحافة ومتى عرف الصحفي كيف يتعامل بإيجابية مع مادة التاريخ.
 
يوسف بن المكي (ذ باحث في العلوم الاجتماعية)