الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: استرجاعا للثقة في القضاء وتحصينا لاستقلاليته كسلطة

مصطفى المنوزي: استرجاعا للثقة في القضاء وتحصينا لاستقلاليته كسلطة مصطفى المنوزي
حقا إن جميع القرارات والبلاغات الصادرة عن الحكومة تستند إلى المادة 3 من المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها. لكن هل يتم احترام شرط جوهري ورد في الفقرة الأخيرة من نفس المادة، والتي نصت على أنه لا تحول التدابير المتخذة دون ضمان استمرارية المرافق الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين؟ وهل يمكن الطعن في التدابير والإجراءات الصادرة بناء على هذه المادة، ومن له الصلاحية  في ممارسة حق الطعن؟  
يبدو أن الطعن في المرسوم  بقانون قد انصرم الأجل القانوني المتعلق به، ولكن ماذا عن إمكانية الطعن في كل تدبير بمثابة قرار تنفيذي يصدر بين الفينة والأخرى؟ وفي انتظار صدور القانون التنظيمي المنظم لإجراءات الدفع بعدم الدستورية، يطرح السؤال حول إمكانية طلب فحص الشرعية أمام الغرفة الإدارية لمحكمة النقض وفقا للمادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية والتي تحيل على المادة 44 من نفس القانون  والتي تنص على " إذا كان الحكم في قضية معروضة على محكمة عادية غير زجرية يتوقف على تقييم شرعية قرار إداري وكان النزاع في شرعية القرار جديا ، يحب على المحكمة المثار ذلك أمامها أن تؤجل الحكم في القضية وتحيل تقدير شرعية القرار إلى ....أو محكمة النقض، وللجهات القضائية الزجرية كامل الولاية لتقدير شرعية اي قرار  إداري وقع التمسك به أمامها سواء باعتباره اساسا للمتابعة او باعتباره وسيلة من وسائل الدفاع "؟ وهل هذا ممكن أمام  ما جرى من توتر بين القضاء  والمواطنين  بمناسبة وبذريعة إباحة ولوج المحاكم مقابل الإدلاء بجواز التلقيح ؟ 
فعلا وبعد تصفية البيئة الحقوقية وتهدئة  الأجواء السياسوية هنا وهناك، سيعرض النقاش سواء بمناسبة الدفع بعدم الدستورية أو طلب فحص وتقدير شرعية القرار الإداري، لا بد  أن تكون أية  مقاربة دستورية  للمادة الثالثة في ضوء المادة 70 من الدستور خاصة الفقرة 1والفقرة 3 منه، والتي فيه الإمكانية الفريدة التي يحق للمشرع (البرلمان) بأن يأذن للحكومة باتخاذ تدابير تعود بطبيعتها كاختصاص أصيل  للبرلمان كسلكة تشريعية.
ذلك أن هذا الإذن أو التفويض التشريعي  ليعتد به دستوريا ينبغي أن يحدد  في صيغة قانون الإذن  بناء على الفصل 70 من الدستور وذلك بالنظر إلى مقتضيات الفصل 71 من الدستور الذي جاء  فيه في فقرة ب :" يختص القانون بالتشريع في الميادين التالية: الحقوق والحريات الأساسية المنصوص غليها في التصدير وفي فصول أخرى من الدستور.... وتحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها.
لذلك  فالمرسوم بقانون اعلاه تجاوز اختصاصه وتدخل في مجال تشريعي محفوظ للبرلمان دون سلوك مسطرة قانون الإذن ودون تحديد التدابير على سبيل الحصر، خلافا للمشرع الفرنسي الذي حدد التدابير في 10 على سبيل الحصر وبمقتضى القانون وليس مراسيم وقرارات تنظيمية خلافا للفصل 70 من الدستور الذي يؤطر آلية التفويض التشريعي.
فهل يصح القول  بأن البرلمان حقا تنازل عن اختصاصه المحفوظ في مجال القانون أم  أنه هرب منه الاختصاص؟  وللأسف الشديد أن الآمال كانت معقودة على الفقه والقضاء، غير أن تماهي المسؤوليات وتنازع الاختصاص والمس بمبدأ السلطات واستقلال بعضها عن بعض، حال دون إقرار المسافات الضرورية، وصارت المؤسسات جميعها  أدوات لتنفيذ  تدابير غير دستورية، وبالملموس من خلال التواطئ بفرض إجبارية التلقيح عبر مناورة إجبارية جواز التلقيح، كان فيها الرهان (يائسا ) على انفلات أمني وتحاقن " مهني " مفترض.
وبهدف وباسم زجر مخالفات تدابير وأوامر وبعقوبات مضمنة في المادة الرابعة من المرسوم قانون في ظل مخاطر حرمان المواطنين  من  ممارستهم حقهم الدستوري  في الرقابة القضائية أو الدفع بعدم الدستورية أمام  سلطة قضائية مستقلة وحيادية ونزيهة.
 
مصطفى المنوزي /رئيس أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي