السبت 27 إبريل 2024
سياسة

علي المدرعي: حكام الجزائر يسيئون للتاريخ والحضارة المغربية

علي المدرعي: حكام الجزائر يسيئون للتاريخ والحضارة المغربية علي المدرعي

على هامش إعتراف منظمة اليونيسكو بفن التبوريدة المغربية كتراث غير مادي، وسجلته ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي، خصصت أسبوعية "الوطن الآن" غلاف عددها الجديد لملف تحت عنوان "من حرب الرمال إلى حرب صيانة تاريخ وتراث المغاربة". حيث استضافت الفاعل الجمعوي الدكتور علي المدرعي في حوار شيق ينهل من ينبوع التاريخ والحضارة والتراث المغربي. ووالوقوف على سؤال أسباب قرصنة جنرالات الجزائر لكل ما يتعلق بالموروث الثقافي الشعبي، وإلهاء الشعب الجزائري عن قضاياه المصيرية.

كيف تقرأ إدعاءات كابرنات الجزائر على مستوى محاولة سرقة كل ما يتعلق بالتراث المغرب؟

إن فظاعة إدعاءات حكام قصر المرادية التي طالت كل أصناف التراث اللامادي في حربهم الوهمية للسطو على حضارة المغرب قد تعدت كل الممارسات الإنتهازية القدرة حتى بات كابرنات الجزائر يدعون دون أن يرف لهم جفنبأن اسم المغرب خطف من الجزائر. مع العلم أنه منذ فجر الإسلام والمغرب الأقصى موجود تاريخيا ويحمل هذا الإسم الجميل الذي يقض مضجعهم.

 

أولا، لا بد من التأكيد على أن درس التاريخ يؤكد أن المغرب الأقصى موجود قبل 1400 سنة، عندما جاء الفاتح عقبة بن نافع الفهري إلى منطقة أسفي وتحديدا عند مصب نهر تانسيفت ومكث بالمنطقة خمسة عشرة يوما. و بطبيعة الحال إذا عدنا إلى تصفح تاريخ كل الأصناف التي تدخل في نطاق الثقافة والتراث المادي واللامادي للبلدان يجب أن نستحضر حقيقة تاريخية تؤكد على أن عمر ولادة المغرب يتعدى 1500 سنة.

 

وحتى لا ينسى سعاة بريد قصر المرادية أن المولى إدريس الأكبر، دخل للمغرب في 173 هجرية إلى نواحي فاس، ولم يكن المغرب آنذاك بلد خلاء، بل كانت هناك حضارة برغواطة، التي دامت أكثر من 500 سنة، ويؤكد بعض المؤرخين بأن حضارة دولة البرغواطيين امتدت إلى حدود العصر المرابطي والموحدي والمريني، مما يدل على أن تعاقب نظام الحكم بالمغرب كان نظاما يدبر بمؤسسات سياسية واقتصادية ومدنية واجتماعية وعسكرية قائمة. دون الحديث عن تعاقب حضارات متعددة (فينيقية ورومانية ووندالية....) طبعا هذه الحضارات مرت من المغرب بفضل الموقع الجغرافي الذي حباه به الله، وهو موقع فريد من نوعه في العالم.

 بمعنى أن المغرب عرف تلاقح وتنوع الثقافات الإنسانية؟

نعم، إن المغرب عرف تلاقح الحضارات التي تفاعل معها، لأن المغرب يؤمن بتاريخه العريق، ويؤمن بتراثه، وبمؤسساته، ولا يزعجه أن يكون هناك تلاقح حضارات على اعتبار أن هناك تراكم تراثي بني على أساسات صلبة من خلال الروافد المتعددة التي صبت في شرايين جسد هذا البد الأمين، فهناك الرافد الأمازيغي والرافد العربي، والرافد اليهودي والرافد الأندلسي كل هذه الروافد راكمت ثقافات وتراث متنوع سواء على مستوى العادات والطقوس واللباس والطبخ والغناء والموسيقى وطريقة الأعراس إلى غير ذلك من العلاقات الاجتماعية والإنسانية.

هذا التنوع هو الذي صنع قوة المغرب ومنحه الثقة في النفس، والدليل أن الشباب المغربي منفتح على جميع الأنماط التراثية، نظرا للاهتمام الكبير لقطاعات الدولة من خلال تنظيم مهرجانات متنوعة ومتعددة وتظاهرات وطنية ودولية، فضلا عن مساهمات وسائل الإعلام والمنابر الصحفية المختصة والكتاب والباحثين والمهتمين بالمجال الذين عملوا على توثيق تراث المغرب بالدراسات والأبحاث الأكاديمية وإصدار كتب ومجلات في هذا الشأن، حيث انتبهت المملكة المغربية إلى هذا الزخم من الكنوز التراثية وفتحت أوراش الإشتغال عليها وتوثيقها وتثمينها في سياق الديبلوماسية الثقافية الكونية سواء كان تراثا ماديا أو غير مادي بجميع أنواعه ومكوناته وروافده(صناعة تقليدية، طبخ، فنون، غناء وموسيقى، لباس، تبوريدة، عادات وتقاليد وطقوس....) حيث راكمت المؤسسات الوطنية ذات الصلة مجهودات محمودة نجني ثمارها اليوم بعد توثيق 12 عنصرا من عناصر التراث اللامادي باليونيسكو كان آخرها فن التبوريدة.

لماذا اختار عسكر الجزائر مناوشة المغرب في هذا المجال لإلهاء الشعب؟

في الحقيقة نتأسف على سقوط كابرنات الجزائر في هذه المؤامرة الخسيسة، بهدف إلهاء الشعب الجزائري عن الأزمة الداخلية للبلد، خاصة البسطاء من المواطنات والمواطنين المقهورين، أما المثقفين والعارفين بتفاصيل الملف فأغلبيتهم مع الأسف انبروا نحو الصمت بهاجس الخوف من الحديث عن الحقيقة، ومع ذلك هناك أصوات شريفة تتكلم و تندد وتعارض سياسة الإلهاء وتجاهر بمواقفها المشرفة.

اعتبر هذه المناوشات صبيانية ولا يمكن تصنيفها في خانة العقلاء، لأنها تهدف إلى إلهاء الجزائريين عن قضاياهم المصيرية ومشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية التي لا تعد ولا تحصى، والنظام الجزائر العسكري يشكل اليوم حجرة عثرة أمام تحقيق الوحدة المغاربية، الذي يمكن أن تعود نتائجها إيجابا على شعوب المغرب العربي وعلى إفريقيا عامة، مع الأسف أكثر من أربعين سنة والقطار متوقف حتى أصاب سكته الصدئ بفعل السياسة العقيمة والبليدة لحكام الجزائر. ونتمنى أن يفرج الله على الشعب الجزائري المقهور والمغبون في أفق إطلاق صافرة القطار المغاربي ووضعه على السكة الحقيقية.

كيف ترد على بعض الأبواق التي تدعي بأن الجزائر تنافس المغرب على مستوى التراث اللامادي؟

 المنافسة بين الدول، اعتقد أنها تكون في الميدان في مصلحة الشعوب المغاربية والعربية وإفريقيا، ويتجلى ذلك في البناء الديمقراطي وفي مجال حقوق الإنسان، وفي التشغيل وابتكار مناصب الشغل وخلق المقاولات الوطنية، وأعتقد أن المنافسة يجب أن تكون في قطاعات أساسية كالصحة والتعليم وفي جودة البنية التحتية، والتخطيط للسياسات الاستباقية المستقبلية ذات المدى البعيد والمتوسط، وليست السياسة التي تنظر بمنظار اليوم والليلة أو السنة المقبلة، لأن مستقبل الشعوب يبنى على 30 و40 سنة القادمة.

 اليوم المنافسة يجب أن تكون على مستوى الإبداع في توفير موارد المياه لأن دول المغرب العربي مهددة بالعطش، ومن المفروض على الحكام أن يشتغلوا على رهانات مستقبلية في هذا الحقل في علاقة مع الجفاف وتأثيره على المجال الفلاحي والمنتوجات الزراعية. هنا يكمن التنافس الحقيقي و الإبداع وتتفتق عبقرية الحاكم المسؤول عن رعيته.

ويمكن الاستشهاد بدول أوروبية مثل (سويسرا) وأسيوية مثل (سنغفورة) وإفريقية مثل دولة (رواندا) هذه الدول لها تجارب رائدة في مجال البناء الديمقراطي والمنافسة الإقتصادية والاجتماعية والثقافية من أجل تقدم شعوبها، فدولة سويسرا ما تبث قط أنها فكرت في الظفر بكأس أوروبا، ودولة سنغفورة لم تفكر يوما في الظفر بكأس آسيا، هذه الدول لا تتبنى سياسة إلهاء شعوبها بالمعارك الوهمية، لأن أخطر أفيون الشعوب الحقيقي هو تلك المعارك الوهمية، والدونكيشودية، والدليل أن التنمية التي تنعم فيها هذه الدول على جميع المستويات لا يمكن قياسها مع الدول التي تلهي شعوبها، (نسبة النمو والارتقاء بالخدمات الإنسانية بمواطنيها). لا مضيعة للوقت ولا مجال لهدر الزمن في تلك الدول النموذج.

لذلك أؤكد على أن سياسة الإلهاء من خلال إدعاء أنك تملك شيئا ليس لك، وتنسبه لنفسك ضدا على شاهد العصر، هذه السياسة لن تقدم أو تؤخر في شيء، لأن المنافسة تقتضي أن تكون في ملفات ورهانات مستقبلية والدفاع عن قضايا الشعوب التي تعود بالنفع على الإنسان والأرض، وهذا هو الصراع الحقيقي والتنافس الشريف الذي يجب أن يشغل بال حكام الجزائر في قصر المرادية.

كثر الحديث عن دعم المقاومة الجزائرية من طرف المغرب في مراحل تاريخية معينة، لكن حكام الجزائر يتنكرون لتضحيات المغرب هل من تفاصيل موجزة في هذا الشأن؟

دون الرجوع للحديث عن الدعم العسكري والمادي اللامشروط من طرف المغرب للمقاومة الجزائرية خلال الاحتلال الفرنسي بعد سنة 1956 (استقلال المغرب) سنركز على أحداث تاريخية وجب التذكير بها، منها معركة إيسلي سنة 1844 بسبب دعم السلطان مولاي عبد الرحمن بن هشام للمقاوم الأمير عبد القادر الجزائري. معركة إيسلي التي وقعت بالقرب من مدينة وجدة وانتهت بهزيمة السلطان، حيث فرضت فرنسا غرامات مالية قاسية على المغرب أدت إلى إضعافه وأدت كذلك إلى مشاكل اجتماعية وسياسية داخلية، بل أدت أيضا إلى تشجيع إسبانيا إلى مهاجمة المغرب أثناء معركة تطوان سنة 1859 في عهد السلطان محمد الرابع بن عبد الرحمن بن هشام، حيث تعرضت مدن طنجة وأصيلا وتطوان إلى القصف مما أدى إلى مقتل ما يقارب 200 شهيد، وأدت هذه الأحداث طبعا إلى احتلال مدينتي سبتة ومليلية، وتسليم مدينة إفني للإسبان من خلال معاهدة "واد راس" سنة 1860.

قد يقول قائل لماذا سرد هذه الأحداث التاريخية؟لأنها ببساطة توضح أن تاريخ شعوب المغرب العربي مشترك بماضيه وحاضره ومستقبله، وأن لا خيار أمام دول المغرب العربي إلا بالوحدة والعمل المشترك نحو المستقبل من خلال النهوض والارتقاء بمصير شعوبها لبناء مغرب عربي قوي وموحد. هذه الأحداث تؤكد أن الماضي كان مشرقا ولم يكن هناك فرق بين المغرب وتونس والجزائر وليبيا وموريتانيا، لأن المغاربة كانوا يعتبرون استعمار الجزائر هو استعمار للأراضي المغربية بدليل هذه الوقائع التي سردنا، وهذا يجعلنا نتأسف على المستوى الدنيء الذي وصل إليه عسكر الجزائر الذي يراهن على إثارة الفتنة بين الشعبين بطرق صبيانية. 

هل المغرب يشق طريقه نحو البناء والمستقبل مقارنة مع الجزائر؟

بدون مزايدة فالمغرب يشق طريقه بثبات ، نحن نمشي في طريق البناء، ولا ننكر أن لنا مشاكلنا، مثل جميع شعوب العالم، ولكن نحن نبني بسرعة متوسطة، و نتقدم إلى الأمام، في حين أن حكام الجزائر حكموا على الشعب الجزائري بالتقهقر والتراجع إلى الوراء دون أي خطوة لبناء مستقبل الجزائر الشقيقة.

ومن أجل مواصلة البناء والتقدم في المغرب، أنا مع عدم الرد على تفاهات وادعاءات عسكر الجزائر، على حد قول الفيلسوف اليوناني وعالم الرياضيات الشهير "فيتاغورس" الذي شدد على ما معناه: "حذاري أن تجادل الأحمق، فقد يخطئ الناس في التفريق بينكم".