الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الإلاه حبيبي: التعليم المتخيل.. ساعات دروس قليلة في مقابل زمن تعلم الحياة...

عبد الإلاه حبيبي: التعليم المتخيل.. ساعات دروس قليلة في  مقابل زمن تعلم الحياة... عبد الإلاه حبيبي
لا مفر من تخسيس وزن الزمن المدرسي، وذلك بالكف عن محاباة تلك النزعة التعليمية الكلاسيكية العزيز عليها حشو الأذهان بالمعارف والمعلومات والأفكار... حان الوقت للقطع مع ثقل السلفية البيداغوجية الراغبة في دوام تمجيد المقررات الطويلة والبرامج المكثفة كما ورُكاما... بعد  توالي السنين أصبحت المقررات في حاجة إلى مراجعة نوعية على ضوء خيارات بيداغوجية جديدة تساير منطق العصر الذي يتفاعل معه التلاميذ بشكل قوي وشبه طقوسي...

لا يمكن الاستمرار في تكرار نفس الممارسات، أي ترسيخ ثقافة الحفظ والنمطية في كل شيء، حتى التمارين التي من المفروض أن تختبر القدرة الإبداعية والتخيلية للتلاميذ غدت بدورها نمطية، بل تباع وتقتنى في مطويات كوجبات سريعة لإعفاء العقل من التفكير والحركة وتغيير المألوف من المعادلات والمواقف والإشكالات...

لا يمكن البتة الاحتفاظ بنفس الكم من البرامج التي تغرق عقول التلاميذ في مسائل أصبحت متجاوزة وقد لا تفيده في شيء في مستقبله المعرفي والمهني على حد سواء... أي تنقية البرامج من الزوائد والعوارض التي تملأ المكان ولا تترك أي بقعة ليستقر فيها ما هو أساسي وجوهري من ركائز العلم والمعرفة...

التلاميذ لا يكبتون إلا نادرا، ولا يعبرون إلا نادرا، ولا يتواجهون مع مشكلات رياضة وفيزيائية وبيولوجية وجيولوجية  وفلسفية حقيقية إلا نادرا أو قل نهائيا...حيث يظل الإخبار ونقل المعارف الجاهزة هو الخطاب السائد والممارسة الصامتة الباردة التي يحبها كثيرا الكسالى والخائفون من الجديد والنوعي والهاربون من نيران سيكولوجية الأسئلة والبحث والتنقيب وتغيير المسارات...

لماذا لا يكتب التلاميذ خلال حصص يستغرقها فقط هاجس إتمام المقررات، وكأن الهدف هو أن يبرئ الأستاذ ذمته حتى لا يسال يوم الامتحان عن وحدة دراسية لم يدرسها وجاءت سؤالا  في موضوع الامتحان، يعني ما يحكم الاشتغال هو عقلية جنائية، أي أنت متهم حتى تنهي كل المجزوءات وتخلص نفسك من كل المتابعات المحتملة، لكن الذي عليه تحمل هذا العبء المدمر هم التلاميذ...

عندما نتحدث عن مكانة التلاميذ في الحصص الدراسية المبرمجة نجدهم فقط منفعلين، زبناء دروس، سلبيين، ينصتون، يسجلون، ويتسابقون للظفر بأكبر عدد من الدروس والمعادلات التي من المحتمل أن تكون شبيهة بخطاطة الامتحانات المنتظرة... أي أن التلميذ نادرا ما يشتغل فعلا، وينجز بمفرده تصميما، أو تلخيصا، أو ابتكار طريقة خاصة في حل معادلة أو تصميم تجربة أو اقتراح تخطيط بياني لدرس في الجغرافية أو التساؤل عن محيطه الأثري للتعرف عن تاريخه  القريب منه مكانيا ونفسيا... 

حان الوقت لتحرير الدروس من الغموض البيداغوجي حيث منذ توقيف الاشتغال بيداغوجية الكفايات ظلت الممارسة التربوية محرومة من آية مرجعية بيداغوجية، وساد محلها المحتوى والجاهز والتصريف المباشر للمقررات دون إعادة بناء نظري أو توطين بيداغوجي ...