الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

نورالدين السعيدي حيون: مفهوم العقلانية السياسية في فكر محمد عابد الجابري (الحلقة الثالثة)

نورالدين السعيدي حيون: مفهوم العقلانية السياسية في فكر محمد عابد الجابري (الحلقة الثالثة) نورالدين السعيدي حيون

الدولة والعصبية، والعقلانية السياسية في فكر الجابري، أية علاقة ؟

يؤكد الدكتور محمد الشرقاوي، أستاذ تسوية النزاعات الدولية في جامعة جورج ميسن في واشنطن، وكبير الباحثين في مركز الجزيرة للدراسات القطري، أنه: وبعد تمحيص شتى النظريات والمفاهيم في السوسيولوجيا الغربية عند "تالكوت بارسنز"، و"يورغ زيمل"، و"آلن تورين"، و"ماكس فيبر"، و"إيميل دوركهايم"، وغيرهم، توصلت أبحاثي إلى أن أفضل ما يقدم نسقا ديناميا أو متحركا بين البنية والفرد والمجموعة، ويساعد على تفكيك أسباب توحّد أو تفتت الذريات والقبائل والمماليك في الماضي، وانقسامات المجتمعات المعاصرة وتنامي قوة الحركات الاجتماعية وسقوط الأنظمة السياسية في الحاضر، كان ضمن الرصيد المعرفي لابن خلدون، ثم يضيف: فركزت أطروحتي على دراسة العصبية باعتبارها قوّة التضامن المتحول قديما وحديثا في مرحلة التغيير السياسي والاجتماعي. أظل وفيا لضرورة تعريف السوسيولوجيا السياسية وعلم فض الصراعات لدى الغرب، خاصة في الولايات المتحدة، على تركة ابن خلدون الذي لم تترجم مقدمته إلى الإنجليزية إلّا عام 1957 بفضل أستاذ الأدب العربي واللغات القديمة في جامعة "ييل فرانز روزنتال- Franz Rosenthal" في كتاب نشرته دار نشر "جامعة برينستون". وصدرت ترجمة أخرى مختصرة عام 2014 بعنوان "المقدمة: مقدمة إلى التاريخ". وحتى اليوم، يحتار الباحثون الغربيون في الترجمة الدقيقة لمفهوم العصبية، بعد أن نحتوا لها أربعة وعشرين مرادفا محتملا منه: (group feeling, esprit de corps, clan spirit, clannism, communitarism, fellow feeling, group spirit, group solidarity, agnatic)

 

وعن كتابات الجابري، عن ابن خلدون يرى أنها تظل مهمة في اعتبار العصبية والدولة والعلاقة الجدلية القائمة بينهما مفتاحا إلى فهم تحوّلات التاريخ الإسلامي، وتجسد نبوغ ابن خلدون في تحليل تشكّل العمران البشري وحركية التاريخ. وأجدني أنطلق من حيث انتهى الجابري، إذ لا أعدّ مفهوم العصبية تركيبة إسلامية أو عربية فحسب، بل يختزل أيضا آليات التحوّل الاجتماعي وخاصة وظيفة التضامن، أو التلاحم كما يسميه الجابري، في أكثر من مظاهرة، وأكثر من حراك، وأكثر من ثورة في الشرق وفي الغرب. وقد تفيد العصبية أيضا في دراسة سباق القوى العظمى، ولن يغيب ابن خلدون عن ذهني إذا انغمستُ في تحليل تفكك الاتحاد الأوروبي بعد البريكست، وأزمة كورونا أو التنافس الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة بتنامي عصبية اجتماعية، وحتى تكنولوجية، صينية لتجاوز الحقبة الأمريكية في زعامة العالم، أو كما أشار فريد زكرياء إلى قرن ما بعد أمريكي Post-American century "

 

إن العالم العربي هو أحوج ما يكون اليوم إلى خطاب العقل الشفاف الذي لا ينتمي إلا لذاته الواعية، ولا يصبو سوى للحقيقة الصافية دون تشويه ودون خرافة... فقد قال الجابري ذلك قبل سنوات عديدة: «نحن لا نمارس النقد من أجل النقد، بل من أجل التحرر من كل ما هو ميّت أو متخشب في كياننا العقلي وإرثنا الثقافي   .

نصادف ذكرى رحيل محمد عابد الجابري، والذي نستعيده هنا هو عمله "العقل السياسي العربي" الذي طبع للمرة الأولى عام 1990. في هذا العمل سعى الجابري إلى فهم محددات وتجليات العقل السياسي العربي في سياق تعثر الدولة الوطنية وفشل مشروع النهضة وعودة النزاعات العشائرية والطائفية والأصولية الدينية، والتي تهيمن اليوم على المشهد المشرقي العربي بشكل تام. فالنزاعات آلت إلى حروب، والحركات الأصولية انتهت إلى الدولة الإسلامية والنصرة والقاعدة، وتعثر الدولة الوطنية انتهى إلى تفككها وانهيارها. مما يبرر العودة إلى محاولة الجابري في هذا المجال.

 

قبل البدء بالحديث عن محددات العقل السياسي العربي لدى الجابري، فلا بأس من قول شيء عن "العقل" العربي السياسي لديه، درء لأي سوء فهم أو التباس ممكن عند الحديث عن "العقل" العربي. ما يعنيه الجابري بـ "العقل" هو القوالب أو المفاهيم السابقة على الفعل السياسي والتي نستخدمها لفهم العالم "السياسي" ومن ثم التصرف حياله، والتي تعطي المعنى للفعل السياسي وتبرره وتسوغه، وهي في هذا تشبه المقولات المتعالية الكانطية من حيث إنها تقدم إطاراً لتعقلنا للعالم، كما لمخيلتنا السياسية التي تصوغ أحلامنا وأهدافنا ونوازعنا وأمانينا .

 

ونظرا لما يفرضه علينا البحث في هذه المرحلة الجامعية، من تحديد لمجال الكتابة، والتزام بالضوابط المنهجية المعتمدة في سلك الإجازة، فإننا سنركز هنا على التحليل والمناقشة، التي تبناها العديد ممن اشتغلوا على فكر الجابري، وخاصة ما تعلق منه بالعقلانية السياسية في علاقتها بالدولة والعصبية ليس إلا.

 

ليس المقصود بالعقل هنا عقلا لا تاريخيا أو لا اجتماعياً، حيث يحيل الجابري إلى التكون التاريخي له ويعرض في مقدمة كتابه نقاشاً مستفيضاً بالإضافة إلى العديد من الملاحظات حول الأصول الاجتماعية لهذا العقل، بما يمكننا لاحقاً من تقديم تفسير مادي لهذا العقل إن شئنا، متعلق بشروط المعيش العربي. ما يسعى الجابري لدراسته هو العقل نفسه، بنيته وتكوينه وآلية علمه كما تجلت في التاريخ العربي الإسلامي.

 

يرى الجابري أن العقل السياسي العربي يملك ثلاثة محددات تنظم فعله السياسي، وهي العقيدة والعشيرة والغنيمة، والتي بدورها تشرح لنا الكثير مما نراه اليوم من عوامل تمزق العالم العربي، ممثلة بالنزاعات العشائرية والطائفية والأصولية الدينية .

 

العشيرة الغنيمة العقيدة

تحيل لدى الجابري إلى كل جماعة تنتظم على أساس العصبية في تضامنها الذاتي وتلاحمها في مواجهة الجماعات الأخرى، مما يكرس ضعف الهوية الوطنية وفكرة الجماعة الوطنية التي ننتمي إليها جميعنا. لهذا لا تقتصر العشيرة على القبيلة، بل قد تكون الطائفة أو الانتماء الجهوي مثلاً.  والقصد منها هو المكسب الذي يتم تحصيله عبر القوة وليس عبر تنمية الجانب الإنتاجي للاقتصاد. في الحالة البدوية، كانت الغنيمة تأتي عبر الغزو والنهب، وهي حالة لم نغادرها في العديد من بقاع العالم العربي إلا مع بدايات القرن العشرين. والغنيمة أيضاً الخراج الذي تحصلت عليه الدولة من الفلاحين بالقسر والقمع، وتولت توزيعه لاحقاً على رجالها، بدءاُ من السلطان مروراً بالحاشية والعسكر والولاة وغيرهم من رجال الدولة أو بطريقة أفضل أهل العصبية. وفي العصر الحديث، هي الريع الذي تتولاه الدولة وتعيد توزيعه على أهلها ورجالها، وتعيد تشكيل التركيب الطبقي للمجتمع، فالثراء والفقر ليسا متعلقين تماماً بالنشاط الاقتصادي، الإنتاجي، بل بالعلاقة مع الدولة. تحتكر الدولة الريع، بدءاً من الثروات الطبيعية وانتهاء بشهادات الاستيراد والتصدير والمناقصات، وتقوم بتوزيعه. ما تعنيه الغنيمة هو أن الثروة مرتبطة بالقوة وليس بالاقتصاد، فلا تقوم على تثمير الموارد وإداراتها بالشكل الأكفأ، مما يفترض عقلانية اقتصادية تكون أساساً للعقلانية عموماً، بل مرتبطة بالسيطرة على القوة التي تتيح النهب والتحكم بمصادر الثروة. محدد أخير يقدمه الجابري، فكلمة العرب لا تجتمع إلا على الدين والنبوة، فيتجاوزون عصبياتهم التي تمزقهم وتضعفهم. تجاوز العصبيات وتنازعها لا يتم إلا عبر القوة التوحيدية للدين، وهو ما حصل يوماً مع الإسلام. اليوم تظهر الحركات الدينية لتلعب دوراً شبيهاً، ساعية إلى توحيد المجتمع في مواجهة الدولة وأهل العصبيات. لكن هذا الاتكاء على الدين يجعل من هذه الحركات ناطقة باسم الله والإسلام، جاعلةً من تفسيرها هو الإسلام عينه، وليس مجرد أحد التفاسير الممكنة. وبما أن هذه الحركات تخوض صراعاً مع/ على الدولة، فإن تفسيرها للإسلام يصبح بدوره محكوماً بالسياسة. فكما أن الدولة هي الأمير، فإن التنازع مع الدولة باسم العقيدة، يُدخل الدولة والأمير إلى العقيدة، لتصبح السياسة هي الحكم الأخير في أمور العقيدة.

 

يستنتج من الجدول أنه:

- يمكن لهذين المحددين (العشيرة والغنيمة) أن يقدما لنا صورة مثيرة عن حال السياسة لدينا، من جهة تكون الدولة أداة السلطان والجاه والطريق الفعلي للثروة، ومن جهة أخرى لا يمكن السيطرة على الدولة وحفظها إلا عبر عصبية قوية وشوكة. فتصبح السياسة تنازعاً بين عصبيات غايتها السيطرة على الدولة، واستخدامها لقمع العصبيات الأخرى المناوئة لها وتعزيز التحالفات حول العصبية الحاكمة عبر المال والثروة الخاضعين بدورهما للدولة. فلا يمكن للتغيير أن يحصل إلا عبر عصبية أخرى أقوى وأشد من العصبية الحاكمة، تطيح بها وتدمرها؛

- رصد الجابري لغياب دولة المؤسسات في التاريخ العربي. تتمحور الدولة بكليتها حول الأمير، الدولة هي الأمير والأمير هو الدولة، فلا تمييز بين ما هو عام وما هو خاص. يستعير الجابري تحليل فوكو لاستعارة الراعي والقطيع لتحليل السلطة في التراث المشرقي، حيث تتماهى السلطة بالراعي الذي يرعى قطيعه، ووجود هذا الراعي هو شرط وجود واستمرار القطيع. الراعي هو الذي يقرر ويجمع القطيع ويحفظه ويقوده إلى الكلأ والماء، والقطيع في النهاية ليس إلا ماشية. السياسة لدينا، كما تجلت في الأيديولوجيا السلطانية وفقه الطاعة، استمرار لتقليد الراعي وقطيعه؛

- تكتمل الصورة التي يقدمها الجابري للعقل السياسي العربي، دولة السلطان القائمة على العصبية والتي تتحكم بأمور الجاه والثروة (نمط إنتاج يقوم على الريع) بما يحفظ هذه العصبية ويديمها، فيغيب التمييز بين الدولة والسلطان (النظام)، فتكون الدولة بأكملها مخصصة لإدامة حكمه وحفظه، ولا يمكن مواجهة السلطان إلا بالاتكاء على عصبية أخرى؛

- في المقابل، يلعب الدين الدور التوحيدي للمعارضة في مواجهة هذه العصبية الحاكمة، من أجل تأسيس عصبية جديدة أو هوية متجاوزة للعصبية، لكن عندها تدخل السياسة في الدين، بل وتصبح هي الحكم في أمره، مما يفتح الباب للتعصب والتطرف، وتحويل الدين إلى مجرد وسيلة للسياسة. هكذا تغيب دولة المؤسسات والجماعة الوطنية والتمثيلية والمواطنة والعقلانية الاقتصادية وأية عقلانية أخرى، ولا معنى عندها لمساءلة معقولية السلوك السياسي انطلاقاً من تصور مثالي عن مصلحة الدولة المشتقة من المصلحة الوطنية، فمصلحة الدولة هي مصلحة السلطان.

 

من بين من وقع في فخ مرادفة "العلمانية" بـ "الدين" مفكر مرموق مثل محمد عابد الجابري، وذلك في كتابه "الدين والدولة وتطبيق الشريعة"، وقد ناقش طرحه هذا جورج طرابيشي في كتابه: "هرطقات"، وقد شن طرابيشي هجوما مبررا على طرح الجابري الذي يمكن التذكير به؛ فهو يطرح "الديمقراطية" بديلا عن "العلمانية"، ويشرح رأيه قائلا: في رأيي أن من الواجب استبعاد شعار (العلمانية) من قاموس الفكر القومي العربي، وتعويضه بشعاري (الديمقراطية) و(العقلانية)، فهما اللذان يعبران تعبيرا مطابقا عن حاجات المجتمع العربي... إن مسألة (العلمانية) في العالم العربي مسألة مزيفة، بمعنى أنها تعبر عن حاجات بمضامين غير متطابقة مع تلك الحاجات، ثم يضيف تعبيراً عجيباً عن "العقلانية السياسية"؛ إذ يقول: الديمقراطية تعني حفظ الحقوق؛ حقوق الأفراد، وحقوق الجماعات، والعقلانية تعني الصدور في الممارسة السياسية عن العقل ومعاييره المنطقية والأخلاقية، وليس عن الهوى والتعصب وتقلبات المزاج.

 

ما ذكره الجابري عن وظيفة "العقلانية السياسية" هو ذاته وظيفة "العلمانية"، لكنه يهرب منها لسببين اثنين؛ الأول: إقناع المجتمعات بالعقلانية السياسية (التي تقوم بوظيفة العلمانية نفسها) لتحرير المعنى من الإرث الديني المعادي للقيم التي تنتجها العلمانية، والذهاب إلى مصطلح آخر يطمئن جموع المسلمين بأن العلمانية لا ضرورة لها، وإنما الأولوية للعقلانية، وذلك انطلاقاً من اعتقاد الجابري بأن العلمانية في المجتمعات العربية من نشرها هم "مسيحيو الشام" وبالتالي لا حاجة للمسلمين بمفهوم يروج له المثقفون المسيحيون. السبب الثاني: يلخّصه بقوله: عبارة (فصل الدين عن الدولة) عبارة غير مستساغة إطلاقاً في مجتمع إسلامي، لأنه لا معنى في الإسلام لإقامة التعارض بين الدين والدولة. وهنا يشترك الجابري مع الاعتراض الراديكالي على مفهوم العلمنة، ويأخذ الفهم السطحي للعلمانية باعتباره القول النهائي. يخشى الجابري من "فصل الدين عن الدولة" لاعتباره مما يخدش المفهوم السياسي الإسلامي وأدوات «تطبيق الشريعة .

 

لكن الفهم الذي اعتمده الجابري من أجل نقض مفهوم العلمانية في غاية النقص؛ إذ تطورت استعمالات المفهوم، وتحرر تدريجياً من الإرث المسيحي الديني، ولم يعد مجرد "فصل" سطحي بين الدين والدولة، بل تشكّلت العلمانية بوجوه جديدة ومتعددة مع نمو وتطوّر النظريات الفلسفية السياسية المتجاوزة لكلاسيكيات العقد الاجتماعي (من روسو إلى كانط) وبالتحديد مع النقلة الكبرى التي ساهم بها جون راولز في أبحاثه عن العدالة المنصفة، التي تعد زلزالاً في مفهوم العقد الاجتماعي وتطويراً لتصوّرات وظيفة الدولة، وتعد من أفصح النظريات الواقعية التي تحاول إيجاد الميزان السياسي (البعد الأخلاقي ليس جوهرياً) لضبط حالات التفاوت وتحديد مفهوم الإنصاف بين الفرد والدولة والآخر، لكن الأستاذ الجابري أخذ العلمانية كما يفهمها الناس ثم نقض ما يفهمه الناس عنها .

 

إذا كان العقل في جوهره عالمي الهوية والجذور، إنساني الملامح والآفاق، فإن العقلانية غير ذلك، إذ هي تتعدد بتعدد الثقافات والأمم، و من ثم فإن العقلانيات العربية اليوم هي حقيقة وجود يحمل في ذاته تناقضات العصر الذي يحياه. الشيء الذي حمل الفكر العربي منذ نهاية القرن الماضي إلى محاولات عدة لتجاوز واقعه من خلال تجاوز التراث باعتباره ماضيا متخلفا غير مساير لما يحياه. وذلك باستلهامه مفاهيم من الفكر الأوروبي ليتمكن من التوفيق وإقامة التوازن بين واقعه وواقع مغاير له، انطلاقا من أنهما لحظتان فكريتان مختلفتان، حيث الفكر الطبيعي والتقني هو نتاج أوروبا الحديثة، والأفكار الروحية هي تراثه، ومن ثم أجريت عملية تكييف  ومحاولة تبيئة للفكر التقني الأوروبي، لكي يتوافق مع الأفكار الروحانية، كما أجريت عملية مماثلة للأفكار الروحية لكي تقبل التقنية وأصبح بالتالي جوهر المشكلة هو ما الذي نأخذه من الآخر باعتباره "متقدّما" وما الذي نتمسك به في تراثنا؟. فلاشك من أن الصّدمة التي حدثت بيننا و بين الآخر قد أفضت بالضرورة إلى دخول ثقافة الآخر على مجتمع يحوي ثقافة واحدة (أو لنقل فكرا واحدا) هي الثقافة العربية الإسلامية، (التي تمثل ثقافة الأمة كلها)، هذا الدخول الذي أدى إلى نشوء تضاد بين "ثقافتين" ثقافة أوروبية في مقابل ثقافة عاجزة عن إنتاج فكر. فكان من نتائج تلك (الصدمة) دخول النزعة العقلانية إلى المجتمعات العربية الإسلامية دون مجابهة تضمن استبدال التوازن القديم إلى المجتمع بتوازن جديد أكثر فعالية وإنسانية.

 

وعليه لم تكتسب العقلانية شرعيتها كـمـفهوم على الـمـسـتوى الـفـلـسـفي والسياسي.. في الفكر العربي،  ولم تكن امتدادا أو استمرارا للفكر العربي، وإنما هي إحدى المسبقيات المعرفية التي فرضت نفسها في ثنايا الفكر العربي، بعد التعرف على مصادر الفلسفة والنهضة الأوروبية وعصر الأنوار أو لنقل بعد الصدمة تحديدا. تعرف الفكر العربي على العقلانية كان إثر لقائه بالغرب، هذا التعرف الذي كان ولا يزال يتميز بالحذر بكثير من المد والجزر. لأن ما يبرر عدم وجود العقلانية كممارسة قائمة على الإيمان بقدرة العقل وعلى تفسير المعقول واللامعقول... إلا أن الفكر لا يزال عاجزا عن المواجهة اللاعقلانية السائدة، وعن تأسيس تنظير عميق لسيرورة مقترحة لعقلنة الواقع، أو على الأقل لعقلنة جوانب من الممارسة الواقعية.. فهو لا يزال يعاني صدمة التحولات الكبرى التي تقع أمام عينيه بدون أن يساهم فيها مباشرة، كما لا يزال يأخذ منها مواقف تحددها مرجعية ماضوية تقليدية عوض أن تكون مرجعية ذات معقولية واضحة مبنية على الاستبدال والتجريب... في حين الرجوع إلى معقولية التفكير يفيد تحرر الفكر من المرجعية الماضوية الضيقة، فالعقل هو مفتاح الحداثة والمعقولية هي سبيل التحديث، لذا نجد الفكر العربي تميز بثلاثة مستويات من العقلانية:

- المستوى الأول تواجد لا عقلانية متخلفة وسابقة زمنيا تمثلت في الموروث القديم الذي كان سائدا من رؤى سحرية وواقع متصف في معظمه باللامعقول؛

- المستوى الثاني حضور عقلانية (فوقية) كونها مكتسبة عن الآخر أي انفعالية تجاه آليات الحضارة الحديثة، وذلك ما مثله الفكر النهضوي في القرنين الأخيرين؛

- المستوى الثالث هناك عقلانية تأسيسية من خلال استيعاب المناهج المعاصرة والطروحات المختلفة التي وإن اتفقت على منطلق "النهوض" فإنها تختلف في الرؤية والتعامل في تحقيق هذا النهوض فمن هذا المستوى الأخير كرَس الكثير من المثقفين العرب جهدهم ومحاولاتهم للبرهنة على ضعف الأسس المنطقية لهذا الجانب أو ذاك من الثقافة العربية الإسلامية التقليدية، أو قوة هذه الأسس في هذا الميدان أو ذاك من الفكر العربي الإسلامي...

 

والحقيقة أنهم كانوا هنا وهناك من خلال طرح إشكالياتهم ومقاربات تحليلاتهم.. يصبون فــــــــــــــي محاولة الإجابة عن التساؤلات التالية:

عن ما مدى حضور العقل والعقلانية في الفكر العربي قديما أو حديثا؟ وعن مكانة العقلانية وأنواعها، ودلالتها في أنواع الخطاب العربي والتساؤل بالتالي عن مستقبل نمط التفكير العربي، وعن مدى إمكانية تطوير "عقل عربي" مبدع، منتج؟ بل وأيضا عن إمكانية تأسيس عقلانية عربية إستشرافية مجابهة لزخم التحولات التي تشهدها الساحة الفكرية العالمية خاصة.

 

كان اختيارنا "للجابري" كمفكر عربي معاصر إلا لأنه... يحمل مشروعا ثقافيا يعيد وعينا بالتاريخ من خلال رسم حدود عقلنا العربي بنظام العلاقة التي تحكمه من خلال جينالوجيا العقل، فنموذجنا إذن، يحمل على عاتقه مهمة النقد العلمي لبنية "العقل العربي"، بهدف ارساء قاعدة نظرية نقدية ينطلق منها لتغيير بنية التفكير والثقافة العربيين في العصر الحديث بما ينسجم ومقتضيات التقدم في العصر الحديث.. وبالتالي تحقيق تنمية في الفكر العربي المعاصر قائمة على الطرح العقلاني لكل قضايا الفكر.

 

العقلانية كمفهوم في الفلسفة الأوروبية الحديثة (النهضة وعصر الأنوار)، بهدف، ضبط مفهوم العقلانية كمفهوم ونظام قائم على الاستدلال (العقل) في مقابل (تضاد) أنظمة قائمة على المثالية أو الحسيّة، كما أنها تضاد للعفوية القائمة على الدوافع اللاعقلانية كمصدر لكل فعل إنساني، وبالتالي استجلاء مفهومها كرؤية للعالم مبنية على الاتفاق الكلي بين ما هو عقلي (التناسق) وواقع الكون. تبعا لهذا السياق الاصطلاحي والمفهومي سنركز على تاريخية مفهوم العقلانية من خلال نشأتها وتطورها كاتجاه في الفكر الأوروبي الحديث (النهضة وعصر الأنوار).

 

والعقلانية كمفهوم في الفلسفة المعاصرة (الحداثة وما بعد الحداثة)، أي الانتقال من عصر الأنوار وما شهده من ثورات في مختلف المجالات كونه مثل نقطة تحول كبرى في النظام المعرفي الغربي.. إلى ما أصبحت عليه العقلانية كمفهوم تداولي في الفلسفة المعاصرة، وبالذات في الفكر ما بعد التنوير أو ما بعد الحداثة أي فكر التساؤلات أو التحولات الكبرى من خلال وضع العقل – العقلانية محل سؤال، عبر إعادة النظر في هذا اللامعقول الذي أقصاه عصر التنوير.. وعبر تكسير صنم العقلانية الذي انتهجته الحضارة الحديثة كمنهج ومذهب. والعودة إلى اكتشاف مصادر العقل اللامعقولة.

 

يقول الباحث "فريد العليبي" إننا عندما نقرأ مؤلفات الجابري نلاحظ ، بيسر، حضور ابن رشد داخلها إذ هو موضع اهتمام كبير من قبله ،بل إنه ليمكن القول إن النص الرشدي يؤدي دورًا مهمًا في تشكل فكر الجابري الذي تمت صياغته تحت تأثير ابن رشد الجارف؛ حيث يخصه بصفات لا تتوافر في غيره من فلاسفة العرب. ويدفع بتميز فيلسوف قرطبة أحيانًا إلى حدوده القصوى، من ذلك حكمه على قوله في السياسة باعتباره "قولاً لا نجده في الثقافة العربية لا لمن سلف ولا لمن خلف". إن ابن رشد الذي يقدمه إلينا الجابري "لم يتعصب إلا للحق والصواب"!

 

لقد رأى الجابري في ابن رشد فيلسوفًا مصححًا ومدققًا يتحرك في شتى الاتجاهات الفلسفية والفقهية، وعينه مركزة على نقطة واحدة هي إعادة الأمور إلى نصابها بعدما لحقها من ضرر على يد السفسطائيين المغالطين والمتكلمين الخطابيين، ما يعني أن وراء تلك الشبكة الواسعة من اهتمامات ابن رشد مطلبًا واحدًا يؤلف بينها. إن عمله الضخم يخضع لغاية موجهة تتمثل في "إعادة البناء" يقول الجابري: ابن رشد يعيد بناء كل من الفلسفة والعقيدة القرآنية، بالعمل من جهة على تخليص الفلسفة والعقيدة القرآنية، من تأويلات ابن سينا والرجوع بها إلى الأصول، إلى أرسطو بالذات، والعمل من جهة أخرى على تخليص العقيدة الإسلامية من تأويلات المتكلمين وفي مقدمتهم الأشاعرة والرجوع بها إلى الأصول .

 

من أجل تدشين عقلانية عربية جديدة - مرجعية تنويرية في مسار العقل العربي، الشيء الذي جعله يدمجهما ضمن مشروعه النقدي كحل تجاوزي للقراءة وللتعامل مع التراث -، الجابري: إشكالية المنهج (بين الرؤية والتطبيق)، إضافة إلى ما سبق في التوضيح اختيارنا لنموذج الجابري فإننا -ومن خلال ما اطلعنا عليه من فكر الرجل- قد حاولنا فحص ودراسة الأهداف المعلن عنها في مشروعه النقدي للعقل العربي وذلك بالتركيز على أطروحتين بارزتين في مشروعه :

- الأولى، وتخص رؤيته تجاه تعامله مع التراث انطلاقا من الغاية التي حددها في نقد العقل العربي والمتمثلة في تدشين عصر تدوين جديد، وإمكانية كسر البنية الفقهية السائدة، وخلخلة التقليدي من أجل إزاحته بغرض استقلال الذات العربية والمشاركة في إبداع التاريخ؛

- الثانية، وتخص إشكالية المنهج من خلال إبراز الكيفية التي مكنته من قراءة التراث "قراءة معاصرة" وقادته إلى فهمه في بنيته وضمن علاقته بتاريخه، كما حاولنا التركيز على الطريقة التي اعتمدها -حسب اعتقاده- إلى استثمار عناصر التراث الإيجابية، للإجابة على تطلعاتنا الراهنة.

 

من هاتين الأطروحتين حددنا الوقوف مسبقا على تحليله المنهجي المتصف بخصائص ثلاثة: تحليل بنيوي، تاريخي، إيديولوجي من خلال كتاباته الرئيسية للمشروع: تكوين العقل العربي، بنية العقل العربي، العقل السياسي العربي. بالإضافة إلى مصادر أخرى لها علاقة بالمشروع .

 

من أجل تحرير العقل العربي، سيبقى العقل السياسي العربي محاصرا بإيديولوجيات لاعقلانية: إيديولوجيا الجبر الأموي، والتفكير الخارجي، وميثيولوجيا الإمامة. كما بقيت الممارسة السياسية تكرر نفسها في إطار المحددات الثلاثة، مع بعض الاستثناءات القليلة، التي لم تغير من طبيعة المسار العام، حيث ظل الصدام العنيف والاقتتال بين الفرقاء هما السمة الغالبة. لتحرير العقل العربي من هذه الأطر اللاعقلانية، يقترح الجابري البدء بتعرية الاستبداد، والكشف عن مرتكزاته الإيديولوجية والاجتماعية، وتجاوز المحددات التقليدية، عبر بناء عقل سياسي جديد ديمقراطي حداثي، يقوم على العناصر التالية: أولا، إقرار مبادئ دستورية في إطار وثيقة دستورية تقوم على إقرار طريقة موحدة وديمقراطية لاختيار الحاكم، تحديد مدة الولاية والانتداب، تحديد اختصاصات الحاكم. ثانيا، ترسيخ الحداثة السياسية من خلال: تحويل القبيلة إلى لاقبيلة، عبر تحويل المجتمع للاعتماد على تنظيمات سياسية ومدنية وفق قواعد مضبوطة، وتحويل الغنيمة إلى اقتصاد منتج وضريبة في إطار سوق عربية مشتركة، و تحويل العقيدة إلى مجرد رأي، وليس مسلمات يتم الايمان بها. ثالثا، فسح المجال لحرية الرأي والتفكير، والتحرر من سلطة الجماعة المغلقة، وبعث آليات جديدة للتعامل، يحركها عقل نقدي. فكانت هذه أبرز ملامح مشروع المفكر المغربي محمد عابد الجابري في مشروعه لنقد العقل العربي، والذي أثار صخبا كبيرا في الساحة الفكرية العربية، بل شكل محورا لعدد من الأفكار والأطروحات الفكرية، التي انتقدته، وخاصة على المستوى المنهجي. لكنه يظل، وباعتراف خصومه، حاضرا ومؤثرا بشكل أو بآخر في كل مشروع فكري يتعلق بالتراث .

 

لقد عملنا على أن يكون هذا المبحث بمثابة مقاربة نقدية لمشروع الجابري من خلال التساؤلات التالية: إلى أي مدى تمكن الجابري من تجاوز القراءات السابقة للتراث وبالتالي من تحقيق القطيعة الإبستمولوجية التي اعتمدها سلاحا نقديا؟ إلى أي مدى استطاع من أن يجمع في قراءته للتراث بين تمثله في ذاته واستثماره من أجل قضايانا الحاضرة؟. ما طبيعة العقلانية التي يدعو إليها في الفكر العربي؟ وما قيمة المناهج المتعددة معرفيا والتي وظفها كبديل ضروري تجاه ما أسماه "بالمنهج الجاهز".

 

وعن فكر ابن خلدون السياسي، بين تفسير الماضي وتفسير الحاضر، رد الجابري عن تساؤل للأستاذ أحمد قابيل في "حوار حول الفكر الخلدوني"، يقول: يذكر من اطلع منكم على كتابي "العصبية والدولة" أنني في خاتمة الدراسة أشرت إلى بداية التكايا والزوايا وقلت أن هذا موضوع آخر وتاريخ آخر،.. إن فكر ابن خلدون السياسي لم يبق ولن يبقى ولا يمكن أن يبقى منه ما يفيد حاليا،.. فلن نستفيد إذن من فكر ابن خلدون السياسي إلا في فهم ماضينا أما بالنسبة لحاضرنا ومستقبلنا فليس هناك شيء في نظري نستفيده منه.

 

وتحت عنوان العقلانية في قبضة اللاشعور السياسي، كتب الدكتور محمد الشرقاوي: تشكل الرباعية الشهيرة للجابري "تكوين العقل العربي" (1982)، و"بنية العقل العربي" (1986)، و"العقل السياسي العربي" (1990)، و"العقل الأخلاقي العربي (2001)، أشهر مؤلفاته الأحد والثلاثين، ولم تحظ أغلبها بالتمحيص والفهم الدقيق بين الغربيين وحتى بين بني لغته في أغلب الحالات. وكما قال أحد النقاد إنها "المشروع الفكري الأكثر شمولية لتحليل العقل العربي ونقده". تمت قراءة الجابري على نطاق واسع عربيا، وفرنكفونيا إلى حد معين، ولم تكتشفه الدراسات الأنجلوسكسونية إلا في أواخر حياته، إذ لم تظهر أوّل ترجمة إنجليزية لمؤلّفه "تكوين العقل العربي" إلاّ في تشرين ثاني (نوفمبر) 2009 أي بعد سبعة وعشرين عاما من صدور النسخة العربية" ويجزم القول أن: "رحيل الجابري كان بمثابة وداع للعقل وفلسفة الأديان بعد أن كان قوّة دفع نحو تبنّي تفكير مجدِّد معاصر. وخلال مشروعه الفكري الذي امتد أربعين عاما منذ كتاباته الأولى عام 1970، ظلّ الجابري ناقدا يقظا أمام هيمنة التراث، ومناضلا من أجل إحلال العقلانية الممتدّة في مسار تاريخي يتدفّق بنَفَسِ الأرسطية قديما، والرّشدية في القرن الثاني عشر، مرورا بالكانطية في القرن الثامن عشر، والنّظرية النقدية التي ازدهرت بفعل انتشار "مدرسة فرانكفورت" منذ قرابة قرن، مذكرا بأن الجابري كان يردّد مقولته الشهيرة: إن العقل العربي بحاجة إلى إعادة الابتكار ، أما عن تبني الجابري الرشدية في القراءة والتحليل والتنظير، دفعت الكثير من مفكري الشرق والغرب، عربا عجما، إلى نعت الجابري بابن رشد الفكر المعاصر.

 

ختاما لهذا الفصل من بحثنا، يحضرني مقال يسلط الضوء على العلاقة التي كانت بين محمد عابد الجابري  وعبد الله العروي، الذي كتبه الدكتور حسن طارق في صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي، في 6/1/2020، مقالا بعنوان "الجابري في مقابل العروي" قال فيه: الجابري مفكر عربي بامتياز،.. يدعو إلى إقامة ملكية برلمانية،.. ولم يتحقق هذا المطلب إلا في التعديل الدستوري عام 2011 في فترة الربيع العربي، ولكن أظن أنه لاحظ أن الوقت يفوته فانصرف للاهتمام بالفكر، وحسنا فعل. بعد هذا التقديم أحالنا الأستاذ طارق على مناسبة كتابته للمقال بالإشارة إلى: استعاد الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي القائد اليساري والوزير الأول السابق، في حوارٍ نادرٍ مع موقع (العربي الجديد) قبل شهور، صديقه في السياسة والحياة، الفقيد محمد عابد الجابري، الذي خصصت له التلفزة المغربية حلقة خاصة من برنامجها "الرواد" برنامج شكل -مرة أخرى- مناسبة لاستحضار مساهماته الغنية في التأصيل والتأسيس لقيم الحداثة وأفكار التقدم والنهضة .

 

وبالنسبة للكثيرين لا يمكن إغراء فكرة استعادة مسار صاحب "نقد العقل العربي"، من خلال التأمل في علاقته مع هَرَمٍ فكري آخر ليس سوى عبدالله العروي، خاصة أن التفكير في العلاقة بين الرجلين يبدو في البداية، كما لو كان لعبة للمرايا المنكسرة، حيث يحتاج المرء الى تجميع الكثير من التفاصيل والجزئيات المتشظية لإعادة بناء الصورة الاصل...

 

وصف عبد الرحمان اليوسفي، عبدالله العروي بأنه "توأم" الفقيد الجابري، وهو توصيف لاشك أنه سيكون مُفاجئاً للكثيرين الذين دأبوا على النظر للشخصين والمشروعين، سواءٌ من حيث العلاقة الشخصية (الباردة) المليئة بالتعقيد، أو من حيث التقاطب الفكري الحاد. الأكيد أن شيخ الاشتراكيين المغاربة، وهو الذي تفاعل مع مخاضات ولادة الثقافة الوطنية الجديدة في المغرب المستقل، وقضايا الفكر العربي من موقع الممارسة السياسية والحقوقية الممتدة لعقودٍ، يملكُ زاوية أخرى للنظر في علاقة الجابري والعروي، زاويةٌ تمكنه من تلمس مساحات أوسع من التقاطع والاشتباك في مسارات الرجلين، ليس أقلها علاقات البداية التي ستجمعهما كلٌ في سياقه الخاص، بالشهيد المهدي بن بركة، وبالحركة التقدمية الناشئة بين وطأة المحافظة وسطوة القمع .

 

بالنسبة إلينا على الأقل، لم يبد لنا التوصيف غريبا،.. التفكير في ذات العلاقة، سيجعل الأستاذ والمفكر عبد اللطيف كمال في مؤلفه "أسئلة الفكر الفلسفي في المغرب"، وهو يعيد تركيب مشهد الفكر المغربي المعاصر، يخصص نصا قويا، وجميلا في آن، لبياضات وغموض واشتباكات العلاقة بين الرمزين، متحدثا عن "العروي في مرآة الجابري والجابري في مرآة العروي"، ومتسائلا عن كيفيات نظر كل منهما لمساهمة الآخر الفكرية، راصدا أنه في حالات كثيرة لم يكن الخلاف بينهما حول الأسس والمبادئ والمنطلقات، قدر ما كان خلافا في التفاصيل والجزئيات .

 

رحم الله الأستاذ عابد الجابري، وعمرا مديدا للأستاذ عبد الله العروي، ولكل حراس التنوير في مغربنا (محمد سبيلا، كمال عبد اللطيف، عبد السلام بنعبد العالي، بنسالم حميش، طه عبد الرحمن، عبد الكبير الخطيبي، نورالدين أفاية، عبد الإله بلقزيز، محمد المصباحي، عادل حدجامي، عبد النبي الحري، ومحمد هاشمي..)، فربما يكون الفكر والتفلسف حظنا الأخير أمام بؤس وانحطاط السياسة! كما قال حسن طارق.

 

الهوامش:

  محمد الشرقاوي، محمد عابد الجابري مهندسا للعقلانية والحداثة، 8/5/2020، شوهد في: 15/5/2020، في  https://arabi21.com/story/

2 الراجي، نفسه.

3 الراجي، نفسه.

4 موريس عايق، العقل السياسي العربي... عودة إلى الجابري، 5/9/2017، شوهد في: 25/3/2020، في  https://www.alaraby.co.uk/blogs/.(بتصرف)

5 عايق، نفسه.

6 فهد سليمان الشقيران، الجابري و"العقلانية" البديلة لـ "العلمانية"، 22/2/2018، شوهد في: 25/3/2020، في  https://aawsat.com/

7 الشقيران، نفسه.

8 الشقيران، نفسه.

9 عبد الله موسى، إشكالية العقلانية في الفكر العربي المعاصر: دراسة في أعمال محمد عابد الجابري، 2001، شوهد في: 27/6/2020، في   https://journals.openedition.org/

10 موسى، نفسه.

11 موسى، نفسه.

12 جهاد فاضل، العقلانية والنهضة في مشروع الجابري، 25/2/2012، شوهد في : 24/3/2020، في  https://www.raya.com/

13 فاضل، نفسه.

14 موسى، نفسه.

15 موسى، نفسه.