السبت 20 إبريل 2024
خارج الحدود

شيات: قرار فرنسا بإستدعاء سفيريها في أستراليا وأمريكا يعبر عن تحول كبير في التحالف الغربي

شيات: قرار فرنسا بإستدعاء سفيريها في أستراليا وأمريكا يعبر عن تحول كبير في التحالف الغربي خالد شيات (يمينا) وإيمانويل ماكرون (يسارا)
يرى د. خالد شيات، أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الأول بوجدة، أن قرار فرنسا باستدعاء سفيريها باستراليا والولايات المتحدة الأمريكية يعبر عن تحول كبير في ما يتعلق بالتحالف الغربي الذي كان في مرحلة الصراع شرق / غرب، واستمر بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بشكل أو بآخر، ومع استمرار تحالف شمال الأطلسي حاول ايجاد عدو معين، وربما كان من خلال الحركات الجهادية بعد الهجوم الإرهابي على البرجين الأمريكيين في بداية الألفية الجديدة، لكن كان ايجاد عدو آخر مثل الصين أو روسيا كان أكثر جاذبية، وبالتالي فاستمرار نفس التحالف في نفس النسق – يضيف شيات- كان من الطبيعي أن يسفر عن بروز خلافات من هذا النوع.
 
 
ماهي قراءتك للأزمة الحاصلة بين فرنسا من جهة وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية من جهة ثانية والتي دفعت فرنسا الى استدعاء سفيريها في هذين البلدين؟ 

أعتقد بأن التحول أكبر من الظاهرة، أي تحويل شراء الغواصات العسكرية من قبل استراليا إلى الولايات المتحدة الأمريكية بدل فرنسا، والتحول الكبير في هذه المسألة يتعلق بمفهوم التحالف الغربي الذي كان في مرحلة الصراع شرق / غرب، والذي استمر بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بشكل أو بآخر، ومع استمرار تحالف شمال الأطلسي حاول ايجاد عدو معين، وربما كان من خلال الحركات الجهادية بعد الهجوم الإرهابي على البرجين الأمريكيين في بداية الألفية الجديدة، لكن كان ايجاد عدو آخر مثل الصين أو روسيا كان أكثر جاذبية، وبالتالي فاستمرار نفس التحالف في نفس النسق كان من الطبيعي أن يسفر عن بروز خلافات من هذا النوع، وأعتقد أن هناك محددات أخرى في هذا التحول على مستوى هذه المجموعة المنسجمة التي لم تعد منسجمة منذ زمن. وفي اعتقادي فالنقطة التي أفاضت الكأس هي الانسحاب الأمريكي المفاجئ غير المتوافق حوله مع الدول الأوروبية، علما أن أدوار هذه الأخيرة في العلاقات الدولية مرهون باتخاذ القرارات الأمريكية، لهذا اعتقد بأن قرار فرنسا باستدعاء سفيريها لن يكون مؤثر من الناحية الواقعية، طبعا هو اجراء عادي من طرف الدول ولكن ما يجب الاهتمام به اليوم هذا الشرخ الذي حدث وتكرس وسيستمر في حلف شمال الأطلسي، بمعنى الشرخ الذين حدث بين أوروبا ب والدول الأخرى أي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واستراليا وغيرها من الدول. 
لابد من الاشارة أيضا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تشكل تحالفات متعددة لحصار الصين، وهذا الحصار طبعا ذو طبيعة اقتصادية لكنه ذو شكلية عسكرية، جنوب شرقا آسيا، المناطق المحيطة بالصين، المحيط الهندي، المحيط الهادي هي مناطق استراتيجية بالنسبة للصين، والصراع سيكون على أشده في هذه المنطقة. اذا التحول الكبير الآن هو ما حدث، من خلال التحالف الذي يضم كل من الولايات المتحدة الأمريكية واستراليا وبريطانيا، أي الدول التي كرست حصار الصين في المحيط الهادي والمحيط الهندي. وبالتالي فكل الاجراءات التي قد تقوم بها فرنسا حتى وإن كانت في إطار الاتحاد الأوروبي قد تكون متأخرة.
 
هناك من يرى أن قرار فرنسا باستدعاء سفيريها في استراليا والولايات المتحدة الأمريكية يعد نوعا من التصعيد من قبلها في ما يتعلق بهذه الأزمة وهي التي دأبت على تقديم الدروس لعدد من البلدان عند اندلاع أي أزمة دبلوماسية، ما رأيك؟ 

لا أعتقد بأن فرنسا قادرة على التصرف في المرحلة الحالية، على الأقل بمفردها، ما يظهر في الأفق هو محاولتها احياء مفهوم الدفاع المشترك الأوروبي في اطار الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأوروبي اليوم كمنظومة اقتصادية يعاني من الكثير من المشاكل والاشكالات، ناهيك عن بناء هذه المنظومة العسكرية. إذاً هذه القرارات هي قديمة وحرص فرنسا على أن تستقل في قراراتها عن شمال الأطلسي كان قديما أيضا، وهي معنية أيضا بمنطقة الهادي ومنطقة المحيط الهندي لأن لديها جزر تابعة لها في هذه المنطقة (حوالي 7000 أو 8000 جندي فرنسي موجودين في هذه الجزر، لديها 2 مليون فرنسي في هذه الجزر). وبالتالي فهي معنية بالموضوع، ولكن حقيقة فقوتها العسكرية على مستوى الانتشار في المحيط الهندي والمحيط الهادي لا يتناسب مع قوتها الحقيقية، بناء منظومة أوروبية حتى ولو تحقق يحتاج إلى زمن، يحتاج غلى مدة زمنية طويلة في هذه المسألة. ولا أعتقد بأن إجراء سحب السفيرين الفرنسيين سيكون مؤثرا، فرنسا ستكون في حاجة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في المرحلة القادمة، وفي حاجة إلى حماية مصالحها في المحيط الهندي والهادي ولا أعتقد أن امكانياتها الذاتية تتناسب مع التهديدات الموجودة في المحيط الهندي والمحيط الهادي، والولايات المتحدة الأمريكية تحاول أن تجمع تحالفها في مناطق سنغافورة وفي اليابان والهند وتحيطها باستراليا الخ، لديها هذه القناعات بأن هناك حاجة للتكتل على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى العسكري في منطقة جنوب شرق آسيا لحصار الصين على المستوى الاقتصادي والعسكري، وفي حالة فشل المنظومة الأوروبية التي تحاول فرنسا بناءها ستعود فرنسا لتتذيل هذه الدول، وتصبح ضمن منظومة أمريكية في منطقة جنوب شرق آسيا بالخصوص.
 
هناك من يرى أن فرنسا خرجت عن الأعراف الدبلوماسية لما وصفت إلغاء الصفقة من قبل استراليا بكونه «طعنة في الظهر»، فكيف تنظر لرد الفعل الفرنسي من زاويتك؟ 

استدعاء السفيرين الفرنسيين من قبل فرنسا يعد قرارا سياديا يمكنه تفهمه كما يمكن تفهم أي إجراء تقوم به أي دولة في العالم، وما ينبغي التأكيد عليه هو البلدان الكبرى لازالت تنظر للعالم الثالث بنظرة دونية، وتعتقد بأنه ليس لها الحق والأهلية بأن تقوم بأية تصرفات وإن كانت في مستويات احتجاجية ضئيلة كما هو الحال بالنسبة لسحب السفراء، وهو إجراء على كل حال سلمي وليس إجراء عسكريا، وهو احتجاج حضاري يقاربه وينظمه القانون الدولي. وأعتقد بأنها ستكون مضطرة في المستقبل لقبول الوقائع التي تفرضها بلدان أكبر منها كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
 
كيف تنظر إلى تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جون لودريان ضد الولايات المتحدة الأمريكية، حيث صرح بأن ما وقع يذكره ب «ممارسات ترامب»؟ 

أعتقد بأن التعبير الغاضب لوزير الخارجية الفرنسي هو تعبير دبلوماسي، وهو تعبير على وجود «خيانة» من طرف حلفاء تقليديين في ما بينهم. وبالتالي وكما سبق أن أشرت في بداية الحوار هناك تحول داخل هذا الحلف ذاته في العلاقات الدولية، في ما يتعلق بحلف شمال الأطلسي، اليوم هناك واقع آخر يقول بأن هناك تشتت على مستوى الرؤى والاستراتيجيات والمصالح، سيدفع هذه الدول بعيدا عن المفهوم الإيديولوجي الذي كان يحكم العالم خلال الحرب الباردة إلى البحث عن المصالح الاستراتيجية والحيوية ، فالآن هناك تحالف أمريكي – بريطاني واضح في العالم يقابل الصعود الصيني، وبالتالي فالدول الأخرى إما أن تلتحق بهذا المسار الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا أو بناء منظومة مقابلة كما هو الحال بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يحتاج إلى مجهود كبير على المستوى المالي في ظل وضعية اقتصادية هشة، وأعتقد أن التعبير في نهاية المطاف هو تعبير شفوي لا يضر الدول، فيمكن لهذا المسؤول الفرنسي أن يتحدث لأيام لكنه لن يغيير الواقع في شيء.
 
د.خالد شيات/أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الأول بوجدة