Monday 21 July 2025
كتاب الرأي

مصطفى المصموضي: اكراهات تعيين القباض الجماعيين بين القانون و الواقع

مصطفى المصموضي: اكراهات تعيين القباض الجماعيين بين القانون و الواقع مصطفى المصموضي

تعمل السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية على تنزيل مجموعة من الإصلاحات التي تهم الإدارة الجماعية، من خلال رقمنة أغلب خدماتها لتسهيل ولوج المواطنين إليها. كما تعمل موازاة مع ذلك على تنفيذ رؤيتها الاستراتيجية التي تتماشى مع توجه الدولة نحو الجهوية الموسعة وتفعيل اللامركزية الإدارية والتنظيمية.

في هذا الإطار، وجهت مصالح وزارة الداخلية المراسلة رقم 3252 بتاريخ 15 يوليوز 2025 بشأن اقتراح مرشحين لشغل منصب القابض الجماعي إلى السادة الولاة والعمال.

وتأتي هذه المراسلة في إطار تنزيل مضامين القانون رقم 25-14، الذي تم بموجبه تعديل بعض بنود القانون 47.06 الخاص بالجبايات المحلية، فيما يخص سعر الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية، وكذلك نقل اختصاصات القباض الجماعيين التابعين لوزارة المالية إلى قباض جماعيين تابعين للجماعات الترابية، وتكليفهم بالتحصيل الجبري للديون العمومية الناتجة عن عدم وفاء الملزمين بأداء الرسوم التي تستخلصها المصالح الجماعية.

وقد خلقت هذه المراسلة كثيرًا من الارتباك بين صفوف موظفي القطاع بسبب ضبابيتها في تحديد الكفاءات المطلوبة لتقلد هذه المهام، حيث يظهر من الجدول المرفق للمراسلة غياب تحديد نوع التكوين والإطار المطلوبين نظريًا، مكتفيًا بالإشارة إلى أولوية شسيعي المداخيل وموظفي المالية المحلية، دون ذكر الشرط العلمي. وهذا يؤدي إلى استمرار تقليص دور الأطر العليا ذات الأولوية القانونية والمسؤولة عن تنزيل السياسات العمومية كما هو معمول به في قطاع المالية، ومخالفًا لتوصيات متكررة للسيد وزير الداخلية وتوصيات لجان التفتيش التي تؤكد على ضرورة تحمل مسؤولية الجبايات المحلية بالجماعات الترابية من طرف الأطر العليا، خاصة منهم حاملي الشهادات الجامعية، حتى تستفيد الإدارة من تكوينها العلمي الذي استثمرت فيه الدولة أموالها، ولتجنب تكرار مشاكل قطاع البناء والتعمير في الإدارة الجبائية المزمع إحداثها.

فكل مطلع على وضع قطاع الجماعات الترابية يدرك أن دافع طلب اقتراح قباض وفق الجدول المرفق دون تحديد الإطار الوظيفي ناتج عن الخصاص المهول في الأطر العليا التي يعرفها القطاع، بعدما تم إيقاف التوظيف في هذه المناصب، كما تم حرمان حاملي الشهادات الجامعية من تسوية وضعيتهم وتأهيلهم لتقلد هذه المهام. وهذا الخصاص سيتفاقم خلال السنوات القليلة المقبلة بعد وصول الجيل الأول من الأطر العليا إلى مرحلة التقاعد، مما سيخلق أزمة مزمنة في التسيير والمسؤولية لسببين: الأول، أن الجيل الأول لم ينقل تجربته ورصيده المعرفي للخلف، ربما خوفًا على مواقعهم الإدارية رغم حصولهم على تعويضات عن التكوين ضمن أجورهم؛ والثاني، بسبب تعيينات خاضعة للولاءات لموظفين لا تتوفر فيهم الشروط العلمية الضرورية في مناصب حساسة، أو أخيرًا لعدم وجود خلف كافٍ من الأطر يفرض وجوده بنية الهيكل التنظيمي للإدارة الجماعية.

وبالرجوع إلى نص قانون مدونة تحصيل الديون العمومية رقم 97.15، المؤطر لمهام القباض والقباض الجماعيين وغيرهم من المحاسبين العموميين، يتضح أن مهام هذه الفئة قانونية ومسطرية بحتة، مما يفرض حضور تكوين جامعي لدى المرشح لهذه المهام يخول له إمكانية التطبيق السليم للنص القانوني، في علاقة بباقي القوانين ذات الصلة بمجال التنزيل المشترك بينها كالمسطرة المدنية، والمسطرة الجنائية في ما يخص الإكراه البدني، والظهير الخاص بالتحفيظ العقاري، وقانون الالتزامات والعقود، ومدونة الحقوق العينية، والقانون 47.06 المتعلق بالجبايات المحلية. في حين أن جزءًا من شغلي المداخيل المشار إليهم بالجدول المرفق للمراسلة مقبلون على التقاعد كما أشرنا سابقًا، وجزء آخر منهم لا يملك تكوينًا في المجال القانوني، رغم مجهوداتهم الجبارة ومسؤولياتهم الجسيمة التي يقومون بها بخصوص المحاسبة، دون تعويض أو حماية قانونية كافية.

هذا الخلط بين دور شسيعي المداخيل والقباض الجماعي يطرح الكثير من التساؤلات حول مدى وضوح رؤية مسؤولي الوزارة الوصية على القطاع، ومدى فاعلية الإصلاح المزمع القيام به في أفق خلق إدارة جبائية محلية وجهوية تنهض بدور محوري في تحصين المصادر المالية للجماعات الترابية.

إن التعامل مع إصلاح من هذا الحجم يفرض استراتيجية واضحة بخصوص تأهيل الموارد البشرية، عبر اعتماد فترة انتقالية لسنة على الأقل يتم خلالها إلحاق الموظفين المرشحين بمراكز التكوين للحصول على تكوين نظري، ثم إخضاعهم لتكوين ميداني تحت إشراف قباض المالية المزاولين، ثم تعيينهم وجعلهم يعملون لمدة سنة أخرى تحت مراقبة نفس قباض المالية حتى يستطيعوا الحصول على تكوين كافٍ للاطلاع على مهامهم بأفضل وجه، وبعدها يتم تسليمهم إدارة هذه الرسوم وفق القانون الجديد.

ونظرًا لجسامة المهمة والمسؤولية، ولأدائها بكل جدية وانضباط، ولجعل مشروعية إثارة مسؤولية القباض الشخصية عن التقصير أو التراخي كما هو وارد في القانون في حالة حدوثه، يتوجب على وزارة الداخلية الحفاظ على نفس الامتيازات التي يتمتع بها القباض التابعون لوزارة المالية من تعويضات وامتيازات، كما يجب إصدار قرارات تجعلهم محصنين من كل الضغوطات، وتوفير إدارة جبائية محلية مستقلة يجتمع فيها قباض الإقليم، حتى يكون هناك تفاعل معرفي وسهولة نقل الخبرات بينهم. ودون هذه الإجراءات لتهيئة بنية سليمة لإدارة جبائية محلية، يصعب التنبؤ بتحقيق الأهداف المتوخاة من هذا الإصلاح.