الثلاثاء 23 إبريل 2024
فن وثقافة

عبد الإله حسنين:الوقت الحر وإعداد فضاء المدينة

عبد الإله حسنين:الوقت الحر وإعداد فضاء المدينة د/عبد الإله حسنين، و مشهد لأطفال
إن إعداد التراب على صعيد المدينة وتهيئة مختلف القنوات والممرات الخاصة بتحرك الأطفال والشباب يعتبر عنصرا هاما لكل سياسة تربوية مغربية واقعية وحديثة، فالأمكنة المتنوعة والفضاءات المختلفة للطفولة داخل المدينة تعبر في حقيقة الأمر عن المكانة الحقيقية لهذه الفئة العمرية داخل المجتمع، فالأمكنة والفضاءات المحسوبة على فئات الأطفال تعبر كذلك على نوعية العلاقات التي تربطهم مع باقي مكونات المجتمع وفعالياته.
ويلاحظ أن الأطفال والشباب هم أول الغائبين في التصاميم المديرية لإعداد وتهيئة وتعمير مدننا، ولا أدل على ذلك من الخصاص الحاصل على صعيد المرافق السوسيوثقافية والتربوية والترفيهية التي يمكنها سد حاجيات الأطفال والاستجابة لرغباتهم في التنشيط والاستجمام والترفيه والوقت الحر. في حين نلاحظ التطور الحاصل وبسرعة كبيرة في مختلف الفضاءات الخاصة والمركبات التي تؤمن مختلف العمليات التجارية والاقتصادية.
لذلك يمكن التأكيد ومن خلال الدراسات العلمية على أن تهيئة مرافق خاصة بالأطفال والمراهقين داخل المدينة يمكن أن يحقق لهم الاستقلالية والتربية على المسؤولية وتراكم التجارب التي يمارسونها، وتؤمن لهم علاقات طبيعية مع محيطهم، وتساهم في إغناء وسطهم الشخصي عبر تحويل المعلومات التي اكتسبوها داخل محيطهم إلى معارف تكميلية لما تعلموه داخل المؤسسة التعليمية، فالمعلومات والمعارف التي تمت مقاربتها نظريا بالمدرسة سوف تتوضح ويكتمل إغناؤها من خلال التجارب الحقيقية التي تتوفر للأطفال عبر الأنشطة الترفيهية خلال أوقاتهم الحرة.
ويجب اعتبار التربية في هذا المقام كمجموعة من التأثيرات الإرادية وغير الإرادية التي تمارس على الفرد أو يمارسها الفرد على محيطه، كمساهمة بذلك في تطوير وتنمية شخصيته، ويتعلق الأمر هنا بالتموضع داخل العلاقة المستمرة بين الفرد ومحيطه. وطبيعيا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ثنائيه التأثيرات الممارسة وبناء الشخصية على أي نشاط إنساني فهو من صميم التربية بما فيها أنشطة الترفيه والاستجمام، وبما أن الأمر يتعلق بالطفل فلابد من التذكير بأنه يتوفر على قدرات تمكنه من بلورة الاقتراحات وتحديد المرجعيات والفعل في بناء حياته وتنميتها كمواطن راشد، ومن تم يجب علينا العمل على تربيته على الاستقلالية والتواجد داخل الفضاء الجغرافي والاجتماعي والاستفادة من التنشئة الاجتماعية من خلال العلاقة مع الآخرين الذين يتوفرون بالضرورة على نفس المرجعيات والذين يعيشون داخل نفس المحيط.
والمحيط هنا لا يعني فقط الوسط العائلي أو المجموعة الاجتماعية الصغيرة التي يكونها الأفراد المشكلون لمحيط الطفل مباشرة؛ بل يعني مجموع العلاقات الجغرافية والتاريخية والاقتصادية التي تربط الطفل بالأشياء وبالكائنات الحية المحيطة به عن قرب أو عن بعد والتي تربطه بنفسه أيضا. فالمحيط بهذا المعنى هو كل ما يقع خارج الفرد ابتداء من الماضي إلى الحاضر وامتدادا نحو المستقبل.
نعتقد أن تربية الفرد تقع أساسا داخل الجماعة من خلال التنشئة الاجتماعية، والوقت الحر يساهم في تعدد تجارب الحياة الجماعية، لأن أنشطته هي في غالب الأحيان أنشطة جماعية تسمح باللقاء مع الأخر كيفما كان انتماؤه، وبالحوار مع ثقافات وفئات عمرية وأنماط تفكير مختلفة، وتدفع بالفرد إلى الوعي بذاته وبمكانته وبدوره داخل المجتمع. فممارسة التربية لها علاقة مباشرة بالفكرة التي نكونها عن الإنسان، فهي تخلق الظروف الأساسية للتواجد وتنمية التأثيرات التي يمكننا التحكم فيها، والتي تظهر الأكثر ملائمة لتفتح الشخصية. إن هذه الممارسة تفترض أفعالا متنوعة وموزعة في الزمان والمكان حتى يكون فيها التكامل والتقارب محتملا، ولأنها تفترض كذلك اختيار التأثيرات التي يجب تنميتها واختيار الاستراتيجيات التي يجب تنزيلها على أرض الواقع ووضعها موضع التنفيذ.