Friday 19 September 2025
كتاب الرأي

الصديق معنينو: إلى الهاوية

الصديق معنينو: إلى الهاوية الصديق معنينو
كعادتي كل صيف، أختار من خزانتي ما لم أطلع عليه من المؤلفات لقراءتها في محاولة لملء فراغ أحرص دائما على أن يظل ساعة ارتخاء وتأمل.. غير أنني هذه السنة سئمت من الخزانة وكثرة ما تحتويه من كتب ومجلات ووثائق وصور عجزت على تنظيمها، لذلك بحثت عن مؤلفات لا توجد بحوزتي.. ولم يكن اختياري اعتباطيا بل استعدادا لمؤلف جديد أنا بصدد جمع مكوناته.
 
الاختيار
اخترت أولا الجهل المقدس... للكاتب الفرنسي أوليفي روا، وهو عالم متخصص في العلاقة بين الدين والسياسة وله اطلاع على الشؤون الإسلامية ومهتم بأزمة الثقافات ونتائج الضغوطات والتحولات التي فرضتها العولمة.. عنوان الكتاب هو الذي استفزني ففضلت قراءته.
 
أما الكتاب الثاني فهو بعنوان: «الأدمغة تاريخ التحكم في العقول للكاتب البريطاني دنيا بيك وهو أستاذ جامعي وله عدة مؤلفات.. الكتاب يحكي عن الوسائل المستعملة من طرف الأنظمة الشمولية لتطويع وترويض شعوبها.. قدم لنا الكاتب نماذج تاريخية منبها إلى استمرار التحكم في الأفراد والمجتمعات في عدد من الدول.
 
طوابير طويلة
عندما أجمع بين الجهل المقدس»، و«غسيل الأدمغة أجد نفسي مطلا على الآخرين الذين يقدسون الجهل ويرفعونه إلى درجة استراتيجية دولة في إطار منهجية قديمة جديدة في التحكم في شعب له الكثير من الغنى والموارد الطبيعية لكنه يعيش في ضائقة دائمة وطوابير بدون نهاية بحثا عن مواد استهلاكية عادية لا تنتبه إلى وجودها شعوب أخرى.
 
خرافات ووعود
من أمثلة «الجهل المقدس ما تقدمه تلفزات وإذاعات رسمية يمكن اعتبارها دليلاً على غسيل الدماغ وتتويج الجهل هم يرددون بدون حشمة أو حياء بأن مكة والنبي محمد كان بالجزائر قبل أن يرحل إلى المشرق.. ويؤكدون أنهم علموا اللغة العربية لسكان جزيرة العرب.. وأنهم يتوفرون على معدن نادر لا يوجد إلا في الجزائر وكوكب المريخ.. وأن الأمريكيين وضعوا دستورهم خوفاً منهم وأنهم هم أول من اعترف بأمريكا وأن الثورة الفرنسية كانت من بنات أفكارهم.
 
هذه البلادة يتم تقديسها وتكرارها والافتخار بها، بل تُضاف إليها أخطاء قاتلة منها.. القول بتحلية مليار ومائتي مليون متر مكعب يومياً... ظننا في البداية أن الرئيس أخطأ في الأرقام ولكنه كرر ذلك أمام الجمعية العامة اللأمم المتحدة ... وقيل بأن الثورات في أوروبا انطلقت من بلاد خمسة مليون شهيد. وأن الرئيس الأمريكي واشنطن أهدى لعبد القادر الجزائري، عدة مسدسات بينما واشنطن كان قد فارق الحياة. وكان الرئيس قد وعد باحتلال المرتبة الأولى عالميا بتصدير عشرة ملايين طن من الفوسفاط، وأن القطار سيصل إلى تمانر است... وأن ميناء ضخماً سيرى النور وسيربط بشبكة طرق سيارة ستصل العمق الإفريقي....
 
أما الوزراء فحدث بلا حرج.. ومما يذكر أن وزير السياحة ادعى أن عدد السياح الذين زاروا الجزائر سنة 2024 بلغ ثلاثمائة مليون سائح.. وأن وزيرا آخر ادعى أن الإنتاج الداخلي الخام سيصل سنة 2027 إلى ستمائة مليار دولار بينما هو الآن ثلث هذا القدر.. وأخيرا ادعى الرئيس أن هناك شركة ماليزية ستستثمر 20 مليار دولار وبعد البحث اتضح أن رأسمال تلك الشركة لا يتعدى مليار دولار.
 
صمت غریب
الناس في الجوار يتقون في هذه الأقوال يرددون هذا الكلام بل يفتخرون به ويتباهون، لا يعتبرون ذلك هفوات لسان. هذه الخزعبلات تكون جزءاً من الاقتناع السائد إمعاناً في تقديس الجهل وغسل الأدمغة وتحكماً في العقول.. مقابل ذلك نجد صمتا مدويا للمثقفين والفنانين والحقوقيين والصحافيين.. صحيح أن من تكلم يلتحق بسجن الحراش بعد مروره بجهنم مسلخة عنبر، مقر الاستنطاقات، ولكن رغم ذلك سيكتب التاريخ أن الفكر والمفكرين في جزائر القرن الواحد والعشرين استقالوا جماعيا وتركوا الأميين والجهلة يقودون البلاد.. وسمحوا للعسكر أن يتحكم في الأعناق والأرزاق.. تواطئوا مع شعبويين الذين استولوا على وسائل الإعلام بقيادة وزير يردد دون ملل... الجزائر مستهدفة دون أن يعلم أن بلاده في الطريق إلى الهاوية...