Monday 12 May 2025
فن وثقافة

"صقر" فن العيطة الشيخ عمر الزيدي يحكي سفره الفني في جغرافية عبدة الساحرة (03)

"صقر" فن العيطة الشيخ عمر الزيدي يحكي سفره الفني في جغرافية عبدة الساحرة (03)

في ثلاث ليالي متتالية من النبش والنقاش، خرجت "أنفاس بريس" بانطباع يعزز مكانة الشيخ عمر الزيدي التماني، ليتم تصنيفه صقرا من صقور تراث فن العيطة، بكل تفرعاتها، بعدما قلبت صفحات ذاكرته الفنية والطربية والغنائية.. كيف لا يكون "صقرا" وهو الذي ترعرع واشتد عوده في "عش الفن" بحي مولاي الحسن القريب من سيدي عبد الكريم وواد الباشا وجنان الشقوري، تلك الفضاءات التي تعتبر مفاتيح أبواب ومعالم مجال جغرافية عبدة الساحرة لولوج عاصمة السمك والفخار مدينة أسفي. من هذا المغرس والمنبت حلق الصقر بجناحين متوازنين نحو الأفق الرحب مسجلا مساره الفني رفقة العديد من الشيوخ والشيخات، كاتب كلمات وملحن وعازف وضابط إيقاع ومغني وحفاظ للقصائد "الشعبية" بمختلف أصنافها ومواضيعها. ضمن هذه السلسلة من سفرنا الفني مع صقر فن العيطة نقدم للقراء الحلقة الثالثة.

يقول "صقر العيطة " السي عمر الزيدي أن الرواية الشفاهية التي سيحكي عن الشيخة عبوش، قد تناقلها الرواة بمنطقة الشياظمة، التي مازالت قصبة القايد حجي شاهدة على تلك الفترة التاريخية، ووصل صداها إلى تخوم مجال عبدة الساحرة، وتناقلها شيوخ العطية آنذاك .

 في فترة القايد حاجي بمنطقة الشياظمة كانت شيخة تسمى قيد حياتها بالشيخة عبوش الهداوية رحمها الله  وقد حملت لقب "الهداوية " حسب رواية الشيخ عمر الزيدي في "مناسبة الاستعداد لرحلة صيد بالخيول وكلاب السلوقي رفقة أحد أفراد عائلة القايد حجي ومن معه، وكانت الشيخة عبوش ضمن المرافقين لرحلة الصيد في شعاب ووديان وهضاب منطقة الشياظمة، وفي الوقت الذي كان كل فرد يختار الدابة أو الراحلة التي ستقله من أحصنة وخيول، اكتفت عبوش باختيار بغلة، بعدما سألت عن نوع الدابة التي ستمتطي في الرحلة، فقالت مبتسمة أمام الرْكبْ :  " اتركوا لي هذه ـ الهداوية ـ في إشارة منها للبغلة" فضحك الجميع لهذا الاختيار،  ومن تم حملت ذات اللقب يقول الشيخ عمر. مؤكدا أن " الشيخة عبوش الهداوية، كانت مبدعة وفنانة تلتقط الإشارات وتبعت بالرسائل في جلساتها الطربية، وتمتاز بالنظم التلقائي وليد اللحظة، وكانت تجدد في غنائها في تلك الفترة، حسب ظروف ليالي السمر الغنائية " .

ومن غرائب هذه المرأة ودائما حسب رواية الشيخ عمر الزيدي أنها كانت تتلقى دعوات عائلة القايد حجي رفقة مجموعتها الغنائية بعد صلاة العشاء باستمرار لأداء فقرات غنائية أمام ضيوف القصبة، لكنه حدث ذات ليلة بعد أن استعدت مبكرا للحفل، لم يتصل بها الرقاصْ، فانتظرت داخل مسكنها، وهي في كامل لياقتها، لباسا وعطرا وأناقة، ...طال الانتظار بعد صلاة العشاء، دون لأن يطرق بابها المرسول، فاستسلمت للنوم، ( ماكاين فراجة الليلة ). لكن جاءت الدعوة في آخر منتصف الليل، وتم إيقاظها من نومتها العميقة، فسألت الرقاص، " لماذا تأخرتم في سمر الليلة، وهل هناك مشكل ما حال دون الانضباط للوقت المعلوم ؟ "، فأجابها المرسول قائلا: " لقد كانوا يستمعون لما يبته " الراديو " من أخبار وأغاني، الجهاز العجيب الذي جيء به لقصبة القايد حاجي اليوم ".

استغربت الشيخة عبوش الهداوية لهذه الواقعة، وللجهاز الذي حل محلها وعطل ليلة السمر، وجلت في خاطرها اسئلة كثيرة حيرتها  وشغلت بالها، لكنها احتفظت بتساؤلاتها وشمرت على كتفيها وانطلقت نحو القصبة وفق حكي الشيخ عمر الذي أراد أن يجدد حبكة الرواية مؤكدا  " هذه الحكاية سمعتها من عدة مصادر من المنطقة " . واستطرد قائلا " دخلت عبوش وهي حائرة من أمرها، استقبلت كالعادة من طرف الحضور، وانطلقت ليلة السمر " لكن المرأة اختارت بأن تفتتحها بهذه الأبيات الزجلية انتقاما من الدخيل جهاز " الراديو " :

" الله يا القايد حجي

ملي ولا لحديد يهضر

الشيخة عبوش

الزواج ليها خير

أنا عبوش

الزواج ليا خير

والا نمشي نسرح لبقر."