Monday 12 May 2025
فن وثقافة

"صقر" فن العيطة الشيخ عمر الزيدي يحكي سفره الفني في جغرافية عبدة الساحرة (02)

"صقر" فن العيطة الشيخ عمر الزيدي يحكي سفره الفني في جغرافية عبدة الساحرة (02)

في ثلاث ليالي متتالية من النبش والنقاش، خرجت "أنفاس بريس" بانطباع يعزز مكانة الشيخ عمر الزيدي التماني، ليتم تصنيفه صقرا من صقور تراث فن العيطة، بكل تفرعاتها، بعدما قلبت صفحات ذاكرته الفنية والطربية والغنائية.. كيف لا يكون "صقرا" وهو الذي ترعرع واشتد عوده في "عش الفن" بحي مولاي الحسن القريب من سيدي عبد الكريم وواد الباشا وجنان الشقوري، تلك الفضاءات التي تعتبر مفاتيح أبواب ومعالم مجال جغرافية عبدة الساحرة لولوج عاصمة السمك والفخار مدينة أسفي. من هذا المغرس والمنبت حلق الصقر بجناحين متوازنين نحو الأفق الرحب مسجلا مساره الفني رفقة العديد من الشيوخ والشيخات، كاتب كلمات وملحن وعازف وضابط إيقاع ومغني وحفاظ للقصائد "الشعبية" بمختلف أصنافها ومواضيعها. ضمن هذه السلسلة من سفرنا الفني مع صقر فن العيطة نقدم للقراء الحلقة الثانية:

"تتزاحم صور شخصيات فن العيطة في ذاكرة السي عمر الزيدي ليستحضر الإرهاصات الأولى حين تفاعلت أحاسيسه الفنية مبكرا، وعشق مختلف "العيوط والقصايد والبراويل"، التي كان يتغنى بها ثلة من الشيوخ رحمهم الله وهو يسترق السمع لهم ويتتبع مسارهم عن قرب، مثل لعرج ولغليمي، الخماري والبيض، والسي محمد بلعياشي، والسي الجيلالي ومحمد ولد رامو، والسي بلحسن، وسيدي أحمد بلهردة المنتسب للغليميين، وآخرين لا يتسع المجال لذكرهم واحدا واحدا. إنهم رواد فن العيطة الهامات الباسقة، التي جمعها شمل درب مولاي الحسن، الذي يعتبر علامة بارزة في تكوين شخصية صقر فن العيطة الشيخ عمر الزيدي.

"كان درب مولاي الحسن ملاذا للأمن والاستقرار والتضامن الاجتماعي، وفضاء عائليا كبيرا اندمج فيها الجميع دون تمييز، لا فرق بين الغني والفقير، بين لمديني ولعروبي، مما جعله قبلة للعديد من الشيوخ والشيخات الممارسين لفن العيطة الحقيقية.. وكانوا محطة تقدير واحترام من طرف كل العائلات العبدية والمسفيوية"، يقول السي عمر. ويتذكر بفرحه الطفولي كيف نما جدعه وترعرع فنه اليانع بالقرب من جارهم الشيخ الرائد السي محمد الدعباجي، وجارتهم الشيخة المحترمة والقديرة للاعيدة. "كنت منبهرا بملامح وجوههم الجميلة، وبأصواتهم الطروبة، وأدمنت على إصغاء والاستماع لأغانيهم العيطية منذ صغري، شربت بحب من صفاء ينبوع عزفهم وإيقاعتهم وغنائهم المتميز مثل سائر ساكنة الحي".

ويستحضر في حكيه الشيق مسار الشيخة البوعنانية رحمة الله عليها رفقة زوجها الشيخ الهاشمي الذي لقنها المبادئ الأولى للعزف على الكمان، وأختها التي رافقتها في ذات المجموعة والتي كانت ضابطة إيقاع متفرد "الشيخة البوعنانية وأختها كانتا تنحدران من دوار أولاد بوعنان بمنطقة جمعة سحيم بإقليم أسفي. وكانت البوعنانية محطة تقدير من طرف العائلات المرموقة والمشهورة، سواء بأسفي أو بالدار البيضاء ومناطق أخرى من المغرب، وكانت تحيي أعراسهم وحفلاتهم الخاصة آنذاك بسخاء وكرم، لأنها كانت تجمع بين العزف والطرب وغناء العيوط فقط بطريقة رائعة جدا. كانت "حفاظة" تحفظ بنهم أغلب أغاني العيطة، ولا تغني سوى العطية، مما جعلها مرجعا حقيقيا في تلك الفترة".

يعتبر الشيخ عمر الزايدي الذي يتقن فن العيطة عزفا وإيقاعا وغناء أن "نظم العيطة وغنائها تم على صهوة الخيول أثناء السفر والترحال، من منطقة إلى أخرى، وتم ضبط إيقاع موازينها أيضا على خطوات سنابك الخيل البطيئة والسريعة". لذلك فهو يعتقد بأن قصبة عيسى بن عمر "كانت بمثابة كلية لفن العيطة ونقطة تلاقح متونها ومواضيعها المتنوعة، ومنها خرجت أغلب أغاني العيطة". ولتفسير وجهة نظره هذه، يؤكد صقر العيطة أن "أغلب قياد المغرب كانت تجمعهم مع دار القائد عيسى علاقات إدارية وحربية واقتصادية واجتماعية وفنية، وكانت قصبته بنية استقبالية لجل شيوخ وشيخات العطية من مختلف المجالات الجغرافية بالمغرب، والذين تنافسوا في تقديم أجود ما لديهم من غناء ونظم لتبليغ رسائلهم على جميع المستويات"، يقول السي عمر الزيدي دون تردد.. مستدركا بأنه في "زمن القياد لم تكن وسائل الإعلام متوفرة مثل اليوم، وكانت جلسات الطرب والغناء فرصة للاستئناس والسمر وتبادل المعلومات والأخبار، بين القياد والأعيان والعلماء والفقهاء، وكانت تتخللها عروض التمثيل والمسرح، من طرف فرق الشيوخ والشيخات..".

وينتصر "الصقر" في سفر حكيه الفني، للعيطة "القصباوية" التي احتلت مكانة جد متميزة بالمقارنة مع باقي "لعيوط" على اعتبار، يقول عمر، أن "العيطة القصباوية كانت تؤديها مجموعات غنائية من الشيوخ تحت الطلب، وتقدم أمام صفوة إيالة القائد وعائلته وزمرته وضيوفه، من قياد وأعيان وتجار وفقهاء وعلماء وواصفين داخل القصبات في مناسبات معينة، ويمنع على المجموعة أن تقحم مفردات ساقطة في أغانيها، حيث تستعين بكلمات ذات دلالة رمزية في الوصف، وتجتهد في انتقائها حتى لا تسقط في المحظور"...