Friday 4 July 2025
سياسة

محمد المرابط: ألا يستدعي تحفظ المخزن على مبادرة التدموري في الريف التعجيل بالزلزال السياسي الموعود؟

محمد المرابط: ألا يستدعي تحفظ المخزن على مبادرة التدموري في الريف التعجيل بالزلزال السياسي الموعود؟

شيء ملفت أن يستلهم خطاب ذكرى المسيرة الخضراء، شعار حراك الريف المتمثل في: الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، مؤكدا على أن هذه القيم ستظلل الوطن بأكمله. ولعل التمكين لهذه الإرادة الواضحة يستوجب التمكين للزلزال السياسي الموعد.

ولإظهار الحاجة إلى مثل هذا الزلزال، نشير إلى أن الطبعة الأولى من العهد الجديد قد استنفدت أغراضها. وهذا بشهادة الملك نفسه لما أعلن في خطاب افتتاح السنة التشريعية الحالية، عن فشل النموذج التنموي في البلاد. وارتباطا بهذا الملمح، نشير كذلك، إلى أن الملك في خطاب العرش، قد انتقد أداء الأحزاب والإدارة، حيث بقي على جدول الأعمال، انتقاد أداء المخزن، لتكمل وظيفة أمغار/ الحكم، استدارتها بالتمام والكمال. وبهذا الانتقاد المأمول، سيتم تجاوز الكثير من الأعطاب، لأن المغرب قد أخلف موعده مع جوهر الإصلاح السياسي والديني والعدالة المجالية، بالإضافة إلى تراجع مساحة الإصغاء في البلاد، حيث يتم التضايق ليس فقط من النقد، بل حتى من النصيحة.

وتأتي الحالة الريفية لتبرر أكثر الحاجة إلى مثل هذا الزلزال السياسي، من خلال الوقوف على تخبط عقلية المخزن في تدبير ملف حراك الريف. لقد كان من المفترض مساءلة الزفزافي في الأسبوع الأول من دجنبر 2016، لما انتقد تعامل "النظام العلوي" تاريخيا مع الريف، ولما وصف "النظام المخزني" بـ "المجرم" و"الخسيس". فلماذا تم السكوت عنه، حتى راكم ما راكم من الأخطاء، وحتى انحرف الحراك عن أهدافه، وركبته موجة العدمية، ووصلت الاعتقالات بالمئات، وسجلت الخسائر في الأرواح والأبدان والممتلكات الخاصة والعامة، ووصل الإضرار بصورة المغرب حدا يبعث على القلق؟ من سيتحمل مسؤولية عدم مساءلة الزفزافي في إبانه، حتى تم جر منطقة الريف الى هذا الحد من التوتر والاحتقان؟ شخصيا كنت غير مرتاح لهذه "الحماية" المخزنية للزفزافي، من منطلق ترجيح فقه المآلات في التحليل، وأنا أقرأ اتجاهات في الحراك راهنت، منذ خطوته الأولى للتحضير لأربعينية الشهيد محسن فكري، على الخارج، وعلى "إخراج" المخزن.

لذلك ونحن نراهن على حواس الدولة الوطنية الديموقراطية، نعتبر أن حراك الريف يتطلب مخاطبا رسميا ومجتمعيا. فالمخاطب الرسمي ما زال مطروحا بدواعي بيداغوجيا السياسة الرسمية في ملف الحراك. أما المخاطب المجتمعي فقد تبلور من خلال مبادرة الدكتور عبد الوهاب التدموري (المنسق العام لمنتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب). ولحد الساعة لم أستوعب الغاية، من رفض الترخيص له، بزيارة المعتقلين، علما أنه مؤهل للمساهمة في إيجاد مخرج متوافق عليه. وفي حدود علمي فقد تقدم مجموعة من معتقلي عكاشة بطلب لدى إدارة السجن في شأن اللقاء به.

شخصيا أبارك خطوة التدموري، وليس هناك ما يجمعني به، إلا الأفق الديموقراطي للبلاد، و"إمرابضن". فأنا أنتمي للمدرسة الاتحادية في السياسة وبدون وصف تنظيمي، وأنتمي إلى مرجعية إمارة المؤمنين بالتحملات المغربية الأصيلة، وبدون وصف رسمي. وعليه أرى كمواطن، بهذه الخلفية السياسية والدينية في التدموري، إمكانات موضوعية على طريق المساهمة في استيعاب ملف حراك الريف سياسيا.  فحتى الدولة في حاجة إلى مخاطب مدني في الريف بأفق مغاير. وأدعو بالمناسبة اليسار الديموقراطي إلى دعم وإغناء مبادرته، حتى نجنب ملف الحراك أي منزلقات لن تفيد في شيء، المعتقلين ومستقبل أهلنا في الريف. كما ما زلت على رأيي منذ شهور، وهو أن يعهد لولي العهد، بدور ما في تأليف القلوب في الريف. وأيضا ما زلت على رأيي في مطالبة الزفزافي بالتبري من جمهوريي وانفصاليي الحراك بأوروبا، والاعتذار عن عنف خطابه في حق المؤسسات والأشخاص، وذلك لتيسير سبل البحث عن تعاقدات، تفضي إلى العفو العام. وأنصحه لهذه الغاية، بالكف عن الصياح في المحكمة، لأن ذلك يسيء لشخصه وللحراك، ولجلال اللحظة.

وأنا هنا أراهن في الصف الرسمي، على الحكماء الذين ينحتون بصبر منطقا للدولة الحديثة، في التعاطي مع نبض مواطنيها. أما العقلية المخزنية بتحجرها، فلن تستوعب جيدا عمق المبادرات المدنية من أجل الريف، في الوقت الذي يحرص فيه جمهوريو وانفصاليو الخارج على تجديد أساليب خططهم، لتبقى معادلة الصراع تشوش على البلاد. فعقب تخليد الذكرى الأولى لاستشهاد محسن فكري في 28 أكتوبر2017، في روتردام  بهولاندا، ومختلف مدن أوروبا، بدأ هؤلاء من جانب، باستعمال الخطاب الديني، ومغازلة الأصوليين، ومن جانب آخر الاعتراف بخطأ عدم انفتاحهم على اليسار. لكن المخزن هنا ما زالت حواسه معطلة، يتجاهل هذه المخاطر التي تتهدد البلاد من الخارج، كما يتجاهل تلك التي تتهددها من الداخل، كسعي بنكيران مثلا -وقد انقلب على تعاقده الداخلي ديموقراطيا- للانقلاب غدا على التعاقد الوطني معلنا نظام الخلافة، وبالمصعد الديموقراطي على الطريقة الإخوانية.

وبالجملة، تبقى نقطة الضوء في إصرار خطاب ذكرى المسيرة الخضراء، على أن تظلل قيم شعار حراك الريف، الوطن بأكمله. ولعل في هذا الإصرار، قدرا من إرادة الحل السياسي لملف الحراك، كما نتطلع إلى ذلك بامتنان.