لم يكن حرص القوانين، سواء كانت سماوية أو وضعية، على القيمة الكبرى التي يحظى بها الحق في الحياة، إلا لتأكيد مبدأ عدم التساهل المطلق في المس به، مهما كانت الظروف أو الحيثيات ومن أي كان. ولهذا، شُرعت العقوبات الزجرية المخصصة لكل انتهاك من ذاك القبيل بوصفها الأشد قياسا بما تعاقب به باقي الجرائم. لكن، وفي المقابل، تأبى بعض الوقائع إلا أن تقنعنا بمدى الاستهتار الذي يتعامل به مسؤولون مع أمن وسلامة المواطنين. حتى أنه يخيل للمرء تعلق الأمر بدافع الإصرار والترصد.
ولنا في العمارة التي انتشرت صورتها في مواقع التواصل الاجتماعي، ومحل إقامتها مدينة مراكش، الدليل المفزع على تلك اللامبالاة من قبل سلسلة معنيين يأتي على رأسهم الوزير المخلوع نبيل بنعبد الله، بصفته مسؤولا حكوميا سابقا للسكنى والتعمير وسياسة المدينة. إذ لا يمكن لأي ناظر لها إلا أن تتسابق إلى ذهنه مجموعة أسئلة قد تصل حد الاستغراب من طبيعة هذه العقلية التي سمحت بإنشاء تلك المساكن فوق مركز كهربائي، وإلى هذه الدرجة استرخصت أعمار المغاربة لتوضع على كف عفريت حتى يفعل بمصيرها ما يشاء.
هذا، مع العلم أنه وفي الوقت الذي تتقاطر الشكايات المُدينة لأوضاع بعض الأعمدة الكهربائية التي تهدد أسلاكها العارية حياة المارة هنا وهناك، ظهر ما هو أكثر هولا. وفي الحين الذي صار الجميع ينظر بعين التوجس لما قد يشوب بعض المساكن من اختلالات الطوابق الزائدة، والمؤدية لكوارث الانهيارات، طلع أيضا ما هو أفظع. لتنتهي النتيجة إلى الذي برع فيه الوزير السابق من جمع بين توفير أسباب الصعق والانهيار بضربة مقنبلة.
ومن جهة أخرى، لربما يقول قائل بأن للقاطنين نصيب من هذا العبث لما قبلوا بالسكن هناك. الجواب بسيط ولا يحتاج إلا لمجهود قليل، بناء على أن السيد الوزير السابق أفادنا به سلفا، حين ساهم في جعل امتلاك بيت في المغرب شبيه فوز مغري بيانصيب. الأمر الذي أجبر المواطن معتل الجيب على التنازل في شأن حقوق شتى لغرض مغادرة "ديور الكرا" أو "برارك القصدير". مع أنه على علم تام بخطورة عواقب تلك التنازلات، إنما يعتبرها أهون من القدر الذي سلط عليه من يجحض العينين اتجاه الكرسي الوتير ويغض البصر عن راحة من أوصلوه إليه.