... لا أريد أن أجدد أوجاعا بدء يطويها النسيان، كما لا أريد أن يقول البعض إنها كتابة متأخرة لحدث مر أمام أعيننا جميعا كما تمر أشياء كثير في جهتنا، لكني بعيدا عن هذا وذاك، أريد فقط أن أجعل من ابتسامة طفل بريء هوت بين عجلات محرك إدانة لنا جميعا نحن المتصارعون الفاشلون المعادون لتنمية جهتنا.. أسامة الطفل مات لأن مدينته التي طالما رسمها على الورق لم تستطع بكل ما فيها أن توفر له مجرد غرفة إنعاش، يمكن أن تنقذه إذا كان هناك عمر أو على الأقل يلفظ فيها أنفاسه الأخيرة باحترام تام لأدميته.. أسامة للأسف وغيره كثيرون ماتوا لأن بناء تلك الغرفة الملعونة كان في ضميرنا نحن من انتخبهم مواطنوه تحتاج إلى مخططات استراتيجية طويلة المدى ولتوافقات معقدة.
.. عفوا أسامة، الذين تحدثوا منا عن المخطط والاستراتيجيات لا يدركون، أو حتما يتجاهلون أن الموت لا يأتي عبر مفوض قضائي، إنه يتقن فقط فن المفاجأة ولا يعبأ لنقاشات غبية تخلط الشخصي بالعام.
كم يحزنني أنك رحلت دون أن ترى ذلك المستشفى الموعود أو الجامعة التي كانت يوما ما ستحتضن شقاوتك ونجاحاتك، الجامعة والمستشفى يا أسامة عطلهما نقاشنا وصراعنا حول العقار، فيبدو أن الحجر هنا أهم من أحلامك ومن تطلعات أقرانك.. عندما نتفق حول كل شيء حتما سنرى أغلب الأيادي ترتفع مؤيدة فنحن هنا نحسب السنوات وننظر للحصيلة، حصيلتنا نحن فقط..
.. عفوا أسامة هذه المرة لن أعلق شماعة فشلنا على الدولة، فالموارد المالية موجودة والاتفاقيات موقعة، نحن فقط الذين لم نتفق على الاستراتيجيات وعلى الأولويات وعلى وعلى... نحن القتلة ونحن الفشلة عطلنا كل شيء وأوقفنا العجلة عن الدوران لأن تفاصيلنا الصغيرة أهم من جهة ومن وطن بكامله..
موتك يا أسامة يسائل فينا ما تبقى من نخوة إن كانت أصلا موجودة، يدين فينا إحساسا بالمسؤولية، فكم سيموت من طفل قبل أن نترفع عن خلافاتنا واختلافاتنا المفتعلة والغبية..
أدرك جيدا أن الموت في جهتنا يحصد يوميا العديد من الأشخاص من فئات عمرية مختلفة في ظل ضعف واضح لبنيات صحية تحولت لقاعات انتظار، لكن ما يؤلمنا أن بإمكاننا فعل أشياء كثيرة لو لم نكن نحن بهذا الشكل من الاختلاف الوقح والفج..
لا تسامحنا يا أسامة حين يسألوك هناك حيث العدل، فدمك ودم كل الذين ماتوا ينتظرون أحلاما في التنمية لم تتحقق في أعناقنا جميعا، فلا أقل من عقوبة جلد ذواتنا المتسخة بخلافات يترفع عنها العاقلون، ما هكذا تبنى الأوطان يا بني، لذا نحن متخلفون وجهلة.
ختاما لا أريد لك يا أسامة أن يكون موتك مضاعفا، وحزن عائلتك ومعارفك مستمرا، فحتما توجد في الأفق بارقة أمل، يوجد هناك شرفاء يعضون على النواجد وسيظلون معنا في نفس المركب نصارع الأمواج لكي لا نغرق جميعا..
أعدك يا أسامة أن اصواتنا لن تكون رجعا للصدى فقط، وأن أيادينا الممدودة لمن أراد أن ينخرط في بناء الجهة والإقليم والقرية، لمن أراد أن يشيد جامعة أو مستشفى أو دار لذوي الاحتياجات الخاصة ستظل ممدودة ، لكنها لن تلوى حد الكسر، ستظل ممدودة بشرف وكبرياء..
أدرك يا أسامة أن معركتنا مستمرة وأنها تتطلب نفسا طويلا وبعد نظر، وأن هناك من مل من مصارعة الطواحين، وفينا من فقد حتى الرغبة في البقاء والمقاومة، إنه قدرنا وقدر هذه الجهة الفريدة من نوعها، لهذا لا تحزن يا أسامة إن لم نتمكن من تحقيق أحلام جيلك، فعلى الأقل لقد حركنا مياها كانت راكدة حد الجمود..
وداعا أسامة، ستظل ابتسامتك عالقة في ذهني تزيدني صمودا وإصرارا على أن بناء الوطن يتطلب دماء جديدة وعقليات مختلفة تحب الوطن كما هو دون مقابل ودون مخططات ودسائس سرية كانت أو علنية، فمعذرة أسامة إن لم أستطع إهدائك باقة ورد تنام حيث قبرك الصغير، ففي جهتنا لا توجد للأسف ورود، وحدها الأشواك والصراعات من يؤثث فضاءنا حتى اللحظة.. وداعا أسامة.