السبت 4 مايو 2024
سياسة

هل الزلزال الملكي قريب من حصد رؤوس «سبعة رجال»!؟

هل الزلزال الملكي قريب من حصد رؤوس «سبعة رجال»!؟

في عام 2005 حين بادرت فرنسا إلى دس السم في السياسة العمومية المحلية بالمغرب، لم ينتبه الكثيرون إلى الدور الذي لعبته الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)  في تحويل المدن المغربية إلى «بزولة» تضخ الحليب لإرضاع المقاولات والأبناك الفرنسية. ففي تلك الفترة وقعت «صحوة عمومية» بالمغرب بشأن الخصاص في المدن (نقل، سكن، تأهيل حضري، بنية تحتية... إلخ). وهي صحوة تسببت فيها الأحداث الإرهابية التي هزت الدار البيضاء في ماي 2003 وجعلت صناع القرار ينتبهون إلى تفاقم الهشاشة الاجتماعية والحضرية على حد سواء بمختلف المدن..

انتبهت فرنسا آنذاك لهذا «السوق» المغري بالصفقات (الهندسية والإنتاجية والمالية والتموينية)، فسارعت إلى «التبرع» بمبلغ تافه قدره 500 ألف أورو لوزارة الداخلية المغربية تحت مبرر تأهيل الجماعات المحلية لتعزيز قدراتها الترابية لمختلف المرافق الموضوعة رهن إشارتها، في أفق تسويق فكرة مفادها أن تدبير الشأن المحلي للسكان لا يتم فقط بشكل مباشر أو عبر وكالة جماعية أو بالتدبير المفوض، بل يمكن اقتباس النموذج الفرنسي المتمثل في شركات التنمية المحلية (تسمى في فرنسا Les entreprises publiques locales EPL  Les entreprises

وإذا كان مبدأ التدبير عن طريق «شركات التنمية المحلية» ليس جديدا بالمغرب بحكم أن شركات الاقتصاد المختلط (على قلتها) كانت تدخل في هذا التصنيف (أنظر ص: 5).

فإن ذلك لم يمنع المسؤولين المغاربة من الانبهار بالفكرة التي كانت بمثابة «مخرج قانوني» يساعد على إطفاء لهيب الاحتجاجات التي اشتعلت آنذاك ضد شركات التدبير المفوض بعدة مدن.

وما أن فعل السم الفرنسي فعله وتسرب في مسام شرايين القرار الحكومي المغربي، حتى زادت فرنسا من جرعة التمويل لإقناع المغرب بوجاهة خلق "شركات التنمية المحلية"، فقامت بضخ هبة تافهة قدرها مليون ونصف مليون أورو في مطلع 2008 لتقعيد الأسس الشرعية والمؤسساتية ووضع دليل Un guide لإحداث شركات التنمية المحلية.

وإذا كانت فرنسا تحضر «لشراء الطريق» للظفر بصفقات جديدة بالمغرب لشركاتها ومقاولاتها ومصانعها وأبناكها، فالإنصاف يقتضي الإشارة إلى أن الحكومة المغربية آنذاك تحمست بدورها لهذه الآليات الجديدة في تدبير شؤون المدن ليس حبا في تجويد التسيير وتقديم الخدمة للمواطن، بل لمواجهةالطوفان الأصولي القادم لغزو المجالس المحلية.

لا ننسى أننا في أبريل 2008، والاستطلاعات والانطباعات كانت تشير آنذاك إلى زحف حزب العدالة والتنمية على معظم المدن الكبرى (وعلى رأسها الدار البيضاء) في الانتخابات المحلية  لعام 2009، وبالنظر إلى غياب الثقة بين الدولة وحزب «البيجيدي» (الذي يتهم قادته بأن ولاءهم للمرشد العام للإخوان المسلمين بمصر وليس للوطن المغربي) كان لابد من البحث عن صيغة لتجريد المجالس القادمة (نقصد المنبثقة عن انتخابات 2009) من الاختصاصات المهمة وبالتالي إبعاد المنتخبين من التصرف مباشرة في الملايير من الدراهم بشكل مباشر مخافة توزيعها على القلاع الانتخابية للأصوليين. "فوافق شن طبقة"، أي وجدت فرنسا مصلحتها في إيجاد موطئ قدم لانتزاع حصة مهمة من الصفقات المبرمة مع شركات التنمية المحلية القادمة، ووجدت السلطات المغربية ضالتها في تطويق حزب ينازع الدولة في مشروعيتها ويشوش على ثوابتها، فتم الاتفاق بين المغرب وفرنسا على تسريع وتيرة أجرأة إخراج شركات التنمية المحلية للوجود وأرسلت الوفود من المغرب إلى ليون وليل ومارسيليا بفرنسا للتدرب والوقوف على كيفية اشتغال هذه الآليات في الفترة بين 2007 و2008، كما بنيت الجسور مع الفدرالية الفرنسية للمقاولات العمومية المحلية.

وفي عام 2008 تم الإعلان عن أول مولود لـ «شركات التنمية المحلية» في شخص شركة للدار البيضاء للنقل (كازا ترانسبور) التي عهد إليها بإنجاز الترامواي بالدار البيضاء.

ويا للصدفة: الشركة التي فازت بالدراسات فرنسية، والشركة التي فازت بالهندسة فرنسية والشركة التي فازت بتسليم عربات الترامواي فرنسية، والشركة التي فازت بصفقة استغلال خط الترامواي فرنسية، والأبناك التي مولت العملية فرنسية!! أي أن فرنسا خسرت 500 مليون سنتيم كهبة ولهفت صفقة 500 مليار سنتيم في خط ترامواي واحد بالدار البيضاء!

التوازن المضاد الذي فرضه الأصوليون هو أن حزب «البيجيدي» تمكن من إدخال "الاستعمار التركي" للمغرب عبر تعبيد الطريق للمقاولات التركية للظفر بالعديد من الصفقات الكبرى وليس... فرض حصة خاصة بالمقاولة المغربية، فكان أن حصل الأتراك على صفقة مائة مليار سنتيم، لوضع منصة الترامواي

  1.  أما المقاولة المغربية فلتذهب إلى الجحيم مادامت شركات التنمية المحلية لم تخلق أصلا من حاجة مجتمعية ومن نقاش داخلي بين مكونات المجتمع المغربي، ولم تولد لتكون في خدمة المقاولات المغربية، اللهم إذا كان الأمر يتعلق  بـ «تعساست» و«تشطابت». وكأن قدر المغربي أن لا ينمي مقاولته لتكبر مع دينامية السوق الداخلي وأن لا يظفر بحصة من كعكة الصفقات الضخمة التي أسندت لشركات التنمية المحلية.

ألا يحتاج هذا الوضع إلى زلزال سياسي وإداري وقضائي ليسترجع المغاربة سيادتهم على شركات التنمية المحلية؟

انظروا إلى خريطة استثمارات شركة الدار البيضاء للتهيئة  Casa Aménagementوستقفون على أن ما يحرك معظم الصفقات (وهي بالملايير) ليس هي أولويات إسعاد البيضاوي  بقدر ما أنها صفقات ترمم الجراح التي خلقها كبار النافذين المستفيدين من الاستثناء  Dérogation.

فهل هي صدفة أن يتم إنجاز نفق الموحدين الذي يتهم بأنه جاء للجواب عن مشاكل المارينا التي استفاد منها النافذون وكان أولى على صاحب المشروع تحمل كلفة إنجاز النفق لحل مشكل التنقل والمرور؟

وهل هي صدفة أن تهيئة شارع محمد عبدو جاءت مع اختيار المستثمرين في جامعة علوم الصحة أن يكون مقر الجامعة بهذا المحور الطرقي؟!

وهل هي صدفة أن تتم تهيئة كورنيش عين الذئاب في المقطع الممتد من سجلماسة إلى سندباد مع المشاريع الاستثمارية العقارية المنجزة هناك؟!

وهل هي صدفة أن ينجز مشروع قناة بوسكورة للوقاية من الفيضانات في الحوض الغربي والجنوبي للدار البيضاء حيث نبتت المشاريع الكبرى لخواص دون أن يتحملوا الكلفة في إنجاز المشروع؟

خذوا شركة الدار البيضاء للنقل: هل هي صدفة أن تتولى التهيئة الضخمة لمشروع نفق ومدار عزبان  وقناطر مرجان كاليفورنيا بعد أن ظهرت بوادر الاختناق المروري عقب منح القطب المالي أنفا لكبار الأبناك والمنعشين العقاريين دون أن يساهموا في تمويل البنية التحتية الطرقية الخاصةبالتنقل من وإلى هذا القطب المالي؟

أما شركة التنمية المحلية التي قيل أنها خلقت للمواطن البيضاويCasa Developpement  فرغم أنها خلقت في نفس العام (2008) مثلها مثل شركة الدار البيضاء للنقل أو شركة الدار البيضاء للتهيئة، فلم تنجز ولو «بلاصا واحدة» في باركينغ، علما أن شرط وجودها هو «الباركينغ» فقط، لسبب بسيط أن المواطن ليس في رادار السلطة، ولم تظهر هذه الشركة للوجود حتى بلغ السيل الزبى وبلغ الاحتجاج ذروته فقامت الشركة بعد طول سنين بإخراج "بلاصات" من «الباركينغ» وتم عام 2016  وضع 400 مليون درهم رهن إشارتها لإنجاز بعض المرابض الخاصة بالسيارات.

الآن وقد مرت تسع سنوات على خلق شركات التنمية المحلية بالبيضاء، يحق للرأي  العام أن يقرأ حصيلتها ومساهمتها في ردم الأبارتايد المجالي بالعاصمة الاقتصادية ودورها في تحقيق الإنصاف الترابي بالمناطق المأهولة ديمغرافيا والمقصية خدماتيا.

ألم تشهر السلطات ورقة بكون شركات التنمية المحلية خلقت للجواب عن انتظارات المواطن؟ فلماذا تحولت إذن إلى آلية لشفط ضرائب المواطن لخدمة مصالح اللوبيات!؟

(تفاصيل أوفر حول ملف هذا الغلاف تقرؤونها في العدد الحالي من أسبوعية "الوطن الآن")

A-Ghilaf