السبت 27 إبريل 2024
منبر أنفاس

مصطفى بودغية: الحزب وآليات إنتاج "القرارات" بعيدا عن "سياسة القطيع"

مصطفى بودغية: الحزب وآليات إنتاج "القرارات" بعيدا عن "سياسة القطيع" مصطفى بودغية

منذ منتصف العقد السبعيني من القرن الفارط، ونحن على مسافة واحدة من التوجهات اليسارية والديمقراطية، بسبب التطاحنات الفارغة القائمة بينها، لغياب الحس بالمسؤولية السياسية والوطنية وطغيان الذاتية والحلقية الضيقة.. وعندما اتجهوا نحو التوحيد، قلنا إنهم نضجوا أخيرا.. وتأكدوا أن يدا واحدة لا تصفق.. فانتمينا لدعوة الحلم الوحدوي الكبير في أفق بناء "جبهة وطنية" قادرة على كسر دائرة التكرار وتحطيم الجمود.

 

لكن بعد مرور تقريبا 19 سنة، اكتشفنا أننا كنا مخدوعين، وأن هذا الإطار الحزبي الموحد كان فضاء مغشوشا، مسكونا بروح العشيرة والنزعة الحلقية الضيقة، وأن جميع القوانين المنظمة للحزب الموحد مجرد هراء أمام نداء النفير العشائري، وأن النقاش السياسي المسؤول لا يزال بعيد المنال أمام الأصوات الغوغائية المسكونة بأحقاد مجانية.. وفي رمشة عين فاجأنا "الرفاق" الذين توحدوا منذ 19 سنة وعملوا معا.. وقد انقسموا إلى "ملائكة" و"شياطين".. ودون خجل يذكر.. ولا مراعاة للقوانين المنظمة للحزب، بدأنا نقرأ خطابات مغالطة لا تتوافق مع ما قرره "المؤتمر الرابع" للحزب في إطار رسم سياسته العامة في انتظار مؤتمر آخر له الحق وحده في تغيير تلك السياسات.. تماشيا مع القانون الداخلي الذي ينص على أن "المؤتمر" هو أعلى هيئة تقريرية.. وهكذا نسمع من يتحدث عن "قرار الأغلبية" أي أغلبية الحزب.. وهو يقصد أغلبية "المكتب السياسي" أي 14 شخصا.. مع العلم أن المكتب السياسي له صبغة تنفيذية.. وليس تقريرية.. وتؤلفه الأمين أو الأمينة العامة التي يتوافق "المجلس الوطني" على تسميتها.. والمجلس الوطني هو الهيأة التي تقرر.. لكنه يقرر ما يتوافق مع سطرته "الأرضية السياسية" التي صوت عليها المؤتمرون بالأغلبية.. أما فيما يتعلق بتجاوز قرارات "الأرضية".. وهي هنا أرضية "الأفق الجديد" التي حازت على 80% من مجموع المؤتمرين المصوتين.. فلا بد من مؤتمر جديد.. إما استثنائي أو عادي، لطرح أرضية جديدة ترسم خطوطا عامة لسياسة مغايرة.. ولا بد أن تحوز على أصوات أغلبية المؤتمرين، لتصبح أرضية ملزمة للجميع.. يتضح إذن أن قاعدة المناضلين المنخرطين في الحزب هم أصحاب القرارات الاستراتيجية التي تغير مسارات الحزب..

 

علينا أن نشير إلى أن الأرضية ذات الأغلبية تسمى "الأفق الجديد" أي التوجه نحو المستقبل، لأن الأفق أمامنا وليس وراءنا.. والمقصود هو ترسيخ الاتجاه الوحدوي وليس العودة للانغلاق.. كما أنها تتحدث عن الحوار والتنسيق والتحالف والاندماج.. وتتحدث في موضوع الحوار عن "المشاكل" والنفس الطويل في حلها.. لكنها تنص أيضا على العمل لأجل "المؤتمر الاندماجي".. كما تقر أرضية "الأفق الجديد" بفيدرالية اليسار وبعضوية الحزب فيها والتي ينص قانونها الداخلي على أن هناك ثلاث قضايا لا يحق لأي حزب أن يبث فيها منفردا وهي: مسألة الدستور والانتخابات والوحدة الترابية.. كل هذه الأمور تم القفز عليها بقرار من 14 عضوا من المكتب السياسي وليس بإجماع "المكتب".. وانسحبوا من التحالف في موضوع "الانتخابات" بسبب الصراع على "المقاعد".. ومتى كان "الحزب" تهمه المقاعد أو كان حزبا انتخابويا؟..

 

وفي مجال العمل داخل الفيدرالية لا تشكل الانتخابات إلا محطة قد ينتفي الخلاف حولها إذا ما تم "الاندماج".. لكن الأهم هو الهدف الاستراتيجي المتمثل في تجميع القوى للمطالبة بالإصلاح السياسي الشامل.. وليس الانتخابات التي ليست سوى وسيلة ضمن وسائل سياسية أخرى متعددة..

 

وهكذا نرى أن هذه القضايا التنظيمية والسياسية التي تحدد "هوية" الحزب كمؤسسة حداثية تعمل وفق قوانين متفق عليها.. يتم تغييبها وتنحيتها بخطابات مغالطة تحاول أن تجر الأعضاء إلى موضوع وهمي هو "من مع الحزب ومن مع الفيدرالية".. والمقصود بالحزب هو توجه مكون محدد يقوده 14 شخصا.. ضد 80% من المؤتمرين وأرضيتهم التي صادق عليها هؤلاء 14 شخصا أنفسهم.. وضد المؤتمر نفسه كأعلى هيئة تقريرية.. وهكذا أصبح شعار "الشمعة" تعبيرا عن سياسة القطيع.. وليس تعبيرا عن مؤسسة حزبية مسؤولة ومحكومة بقوانين تحدد "آليات" إنتاج القرار بشكل ديمقراطي ومؤسساتي، حيث قاعدة المنخرطين هم أصحاب القرارات الكبرى، تماشيا مع المقولة الديمقراطية التي تنص على أن "الشعب هو مصدر السلطة"...