الاثنين 29 إبريل 2024
سياسة

نعم سيدي أعزّك الله.. إننا نكذب عليك يا مولاي!

نعم سيدي أعزّك الله.. إننا نكذب عليك يا مولاي!

«نعم سيدي أعزك الله، سنصرف 6.720.000.000 درهم (672 مليار سنتيم) في كل سنة لإسعاد سكان الدار البيضاء، وهو ما يمثل يا مولاي صرف 18.410.958 درهم (مليار و841 مليون سنتيم) في اليوم، أي أننا في الساعة سنضخ 767.123 درهم (حوالي 77 مليون سنتيم) لتحريك عجلة الاقتصاد المحلي وتلبية المطالب الملحة لسكان العاصمة الاقتصادية».

هذا هو الالتزام الذي سطره المسؤولون محليا ووطنيا أمام الملك محمد السادس يوم 26 شتنبر 2014 وهم يوقعون أمامه على مخطط تنمية الدار البيضاء للفترة 2020-2015، وهو المخطط الذي كلف اعتمادا بقيمة 33.6 مليار درهم موزع على عدة محاور (انظر الجدول في ص:7).

لم تبق سوى سنتين على نهاية الفترة المخصصة لإنجاز المشاريع الملتزم بها، دون أن تحترم السلطات والشركات المعنية الآجال المحددة، بشكل يزكي القناعة الراسخة لدى الرأي العام ومفادها: أن «الكذب أصبح رياضة وطنية لدى كل المسؤولين سواء كانوا وزراء أو ولاة أو مدراء مكاتب عمومية أو منتخبين»، لدرجة أن الكذب لم يقتصر على الشعب لوحده، بل شمل الملك أيضا، علما أن الملك هو رئيس الدولة. حسب الفصل 42 من الدستور.

والخطير في الأمر، أن تلكؤ السلطات والشركات العمومية في تنفيذ ما سطر من التزامات حسب الجدول الزمني المتفق عليه لا يقتصر على الدار البيضاء لوحدها، بل يشمل التراب الوطني ككل. إلا أن الوعي بمخاطر الكذب وتحلل الوزراء والموظفين السامين من كل حس للمسؤولية لم يتحقق كـ «صحوة» إلا بعد أن وقعت  أحداث الحسيمة، وهي الأحداث التي جعلت الأنظار تتجه إلى أصل الداء، ألا وهو: لماذا لا تنفذ المشاريع رغم الإعلان عنها بل وتزكيتها من طرف الملك؟ ألهذه الدرجة وصل الاستخفاف بالقسم المؤدى أمام الله والملك والشعب؟

فهل السبب مرتبط بعدم خوف المسؤولين من كل محاسبة ومراقبة؟ هل هو الاطمئنان المبالغ فيه بأن المغرب أرض سائبة بدون مؤسسات وبدون قانون؟ أم السبب يعود إلى المعايير المعتمدة في إسناد المناصب السامية المعتمدة على سياسة «باك صاحبي» و«للي مو في العرس ما يباتش بلا عشا»، بشكل لا يجعل المغاربة محظوظين بمسؤولين ذوي كفاءة في إتمام «الغرزة» بدل مسؤولين لعابهم يسيل على «الهمزة»؟ هل السبب يتمحور حول غياب كفاءات قادرة على إعداد الملفات بشكل جيد قبل عرضها على الملك: تصفية الوعاء العقاري، ضبط المونطاج المؤسساتي والمالي، ضبط الجداول الزمنية، تأمين المردودية والجودة في إنجاز المشاريع وفق المعايير العالمية...إلخ؟

خذوا مثلا مشروع تهيئة ساحل الدار البيضاء من المحمدية إلى دار بوعزة: قيل للملك إن المشروع سينجز في 5 سنوات بغلاف 700 مليون درهم (أي 70 مليار سنتيم). وها نحن في نهاية عام 2017 ولم يتم الإعلان من طرف شركة الدار البيضاء للتهيئة سوى عن صفقتين: الأولى بقيمة 200 مليون درهم لتهيئة الساحل المجاور لمسجد الحسن الثاني، والصفقة الثانية بغلاف 100 مليون درهم لكورنيش عين الذئاب في المقطع الممتد من سجلماسة إلى موروكو مول. أي هناك 40 مليار سنتيم «راكدة» في خزائن الدولة لم تصرف بعد لإنعاش المقاولات وضمان فرص شغل من جهة ولم يتحقق حلم الملك والبيضاويين في رؤية كورنيش زاه يمتد «سمطة واحدة» من المحمدية إلى دار بوعزة.

لا، ليس هذا وحسب، بل الساحل الذي قيل أنه سيتم تهيئته تم قضمه من طرف الوكالة الوطنية للموانئ ووزارة التجهيز بمباركة بلدية وولاية الدار البيضاء، ونقصد ساحل عين السبع. فأي ساحل سيتم إعداده بشرق الدار البيضاء بعد أن تم تمرير طريق للشاحنات على حساب الشاطئ (انظر الصفحة: 8)؟

قيل للملك وللشعب أن هناك مشاريع مخصصة للحركية ولتحسين النقل العمومي فتم رصد 16 مليار درهم لإنجاز خمسة خطوط جديدة للترامواي. وها نحن في متم عام 2017، وبالكاد ينجز الخط الثاني للترامواي المقرر تشغيله عام 2018. فهل بهذه الوتيرة ستحترم شركة الدار البضاء للنقل الآجال لإنجاز ما تبقى من خطوط الترامواي بحلول عام 2020؟  بمعنى هل هناك مساحة أمل لنرى صرف حوالي 11 مليار درهم أخرى على إحداث خطوط الترامواي المتبقية خلال سنتين؟

قيل للملك وللشعب إن هناك 11 مليار درهم لتهيئة الطرق والبنية التحتية الأخرى لتحسين المداخل الطرقية للدار البيضاء: ها هو مدخل ليساسفة يكذب المسؤولين بحكم أن هذا المدخل الطرقي يعتبر أحد أخطر النقط السوداء بالمغرب رغم مرور عشرات الآلاف من المركبات منه نحو الجديدة وباقي التراب الوطني (خاصة من تعاونية القصب إلى الدار 16 مرورا بدوار خيزو)؟ ها هو مدخل الدار البيضاء عبر طريق برشيد- تيط مليل (مرورا بسلام أهل الغلام)، ينتصب كشاهد إدانة ضد بهتان المسؤولين؟ وها هو مدخل البيضاء من جهة الكارة (مقطع الحي المحمدي) ينهض كحجة على الاستهتار بالمسؤولية؟ ها هو شارع غاندي والزرقطوني يشهدان على إقبار حلم البيضاويين في رؤية الأنفاق -كما تم الالتزام بذلك- لتخفيف جزء من عذابات مستعملي الطريق، هذا دون إغفال التهيئة الطرقية الخادعة بأقاليم النواصر ومديونة وتراب المحمدية كما ورد في الاتفاق؟

لنسقط مشاريع البنية التحتية والطرق، ولنتوقف عند المشاريع الاجتماعية والرياضية والسكنية. ألم تحدث شركة خاصة لإعادة إسكان دور الصفيح بالدار البيضاء «شركة إدماج سكن»!؟، ولما قيل لماذا خلق شركة خاصة بالبيضاء والحال أن المغرب سطر برنامجا وطنيا اسمه «مدن بدون صفيح»، قيل آنذاك: «العذر يا مولاي إن البيضاء لها وضع خاص ومشاكلها معقدة ولا بد من إحداث آلية خاصة». فخلقت «إدماج سكن» وتم تسويق الوهم للمغاربة بالقول إن البيضاء سيعلن عنها كمدينة بدون صفيح عام 2011، فإذا بالموعد يحل دون أن تفي الأجهزة العمومية والشركة المعنية بالاتفاق. فتم التماس موعد آخر ووقعت اتفاقية أخرى في نفس العام مع رسم سقف 2017 لإعلان البيضاء مدينة دون صفيح، لكن بدل محاربة الصفيح  رأينا محاربة الجدية والمصداقية من طرف المسؤولين.

خذوا الجانب الرياضي، ألم يتم الالتزام من طرف صونارجيس بإنجاز المدينة الرياضية وحدد غلاف 460 مليون درهم؟ نعم، قال لنا وزير الشباب ورئيس الجماعة ووالي البيضاء إن السلطات «رشمت» (أي حددت) البقعة التي ستنجز فيها هذه «المعلمة» ، لكن ما هي الضمانات الممنوحة لنصدق السلطات؟ ألم تقل لنا نفس السلطات أن الملعب الكبير سيبنى بتراب سيدي مومن، بل وبررت خلق الترامواي بإنجاز الملعب هناك قبل أن تقبر المشروع؟ ألم تزف لنا نفس السلطات نبأ إنجاز الملعب الأعظم بالهراويين، وبررت ذلك بالحاجة إلى مرفق مهم يكون رافعة للتنمية بالضاحية الجنوبية الغربية للبيضاء، فإذا بالمغاربة «يرفعون إلى السماء ويخبطون على الأرض» بعد أن اكتشفوا كذب السلطات؟

لنحول الاتجاه إلى أكبر «همزة عقارية» بالمغرب. الخاصة بـ 350 هكتارا المقتطعة من وعاء مطار أنفا السابق وكيف تم تسويق الأوهام للبيضاويين من كون مشروع تهيئة قطب أنفا سيعود بالخير الوفير على المدينة عبر استلهام حديقة سنتراك بارك بنيويورك أو هايدبارك بلندن لزرع رئة خضراء وسط قطب أنفا AUDA  مساحتها 50 هكتارا، فإذا بالمشروع يتحول إلى ناطحات لتسمين أرصدة محظوظين فيما الشعب تم إلهاؤه ببضع شجيرات في الطريق المزدوج المؤدي إلى حي الليمون؟

هل نسي المسؤولون أن سنتراك بارك مساحتها 350 هكتار؟ هل تناسى المسؤولون أن مساحة هايد بارك تبلغ 250 هكتار؟ فهل الشارع المغروس قرب مستشفى خليفة يماثل سنتراك بارك أو هايد بارك؟ أين ذهبت 50 هكتار؟ من هرف عليها؟ من استفاد من قسمتها وتجزئتها وأسمنتها؟

لم نعد نريد رؤية مشاريع خادعة وكاذبة، ولم نعد نريد تصديق فبركة «مونطاج» مالي لهذا الورش أو ذاك. نريد فقط: المحاسبة. فتقعيد دولة القانون والمؤسسات لا يتم بالنصوص الدستورية الجوفاء، بل بالتفعيل الأمثل والسليم للدستور حتى يعي كل مسؤول أن الملك هو رئيس الدولة وليس رئيس ورش يتلاعب بمصداقيته وزير أو وال أو مدير أو عمدة أو رئيس جهة.

(تفاصيل أوفر حول موضوع هذا الملف تقرؤونها في العدد الحالي من أسبوعية "الوطن الآن" الموجود حاليا في الأكشاك)

A-Une-Gh