سيؤرخ ليوم 24 أكتوبر 2017، في تاريخ الفعل السياسي بالمغرب، كأول تنفيذ فعلي للفصل الدستوري الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة. ولا تجوز المقارنة هنا مع ما وقع من محاكمة للوزراء في بداية السبعينات، على عهد الملك الراحل، المرحوم الحسن الثاني، لأن السياقات المؤطرة والدلالات تختلف تماما. ذلك أن قرار 2017، يعتبر ترجمانا فعليا ل "المفهوم الجديد للسلطة"، ذلك الذي كان قد أعلنه العاهل المغربي محمد السادس في بداية عهده، في خطاب شهير بالدار البيضاء. وإذا كانت مفهومة ومنتظرة تماما قرارات الإعفاء، والأسماء التي شملها منطق المحاسبة، فإن ما يؤسف له من قبل أوساط عدة، هي الشظايا التي طالت وزير التعليم الحالي محمد حصاد، بسبب تحمله حقيبة وزارة الداخلية في الحكومة السابقة (ذلك أن ما أنجزه من حراك إيجابي في الجسد المترهل للتعليم خلال الشهور القليلة التي تحمل فيها حقيبة التعليم، غير مسبوق منذ عقود. إذ يعتبر الدخول المدرسي لهذه السنة أحسن دخول وأنجحه منذ أكثر من 25 سنة. مثلما أن عودة دور الرقابة الإدارية الصارمة قد حرك الجسم التعليمي في كافة مستوياته الإدارية والتربوية. بل إن الأرقام الرسمية في مدينة مثل الدار البيضاء، تؤكد أن 52% من مجموع انتقالات التلاميذ بين المؤسسات التعليمية، قد تمت من القطاع الخاص صوب المؤسسات العمومية، مما يترجم استعادة ثقة الأسر المغربية في المدرسة المغربية العمومية، بشكل لم يتحقق منذ أكثر من 30 سنة).
سياسيا، يعتبر حزب التقدم والاشتراكية أكثر الأحزاب السياسية الذي طالته نيران المحاسبة، مما يعتبر زلزالا داخليا في هذا الحزب، كون الإقالة قد شملت أمينه العام الأستاذ نبيل بنعبد الله، وأهم وزرائه الدكتور الحسين الوردي، فيما واحد من وزرائه السابقين قد طالته تهمة "خيانة الثقة"، وهو وزير الثقافة السابق محمد أمين الصبيحي. في مقابل عدم إقالة أي وزير من حزب العدالة والتنمية، مما يعتبر نوعا من "الكيتوس" السياسي لوزرائه وله كحزب. مثلما أن حزب الحركة الشعبية قد تلقى وزراؤه أشد العقوبات (خاصة وزير السياحة السابق لحسن حداد). مع ضرورة تسجيل، أنه لأول مرة في المغرب المستقل، تصدر لائحة شخصيات عمومية، يعلن رسميا بشكل قطعي أنها لن تتحمل أية مسؤولية عمومية بالمغرب، مما يعتبر عقابا شديدا، غير مسبوق، وأنها متهمة بـ "خيانة الثقة".
إن ما حدث يوم 24 أكتوبر 2017، سيحدث هزة سلوكية، بارتدادات كثيرة على مستوى بنية الإدارة المغربية، في كافة مستوياتها. مثلما أن أثرها العمومي، عند رجل الشارع المغربي، سيكون هائلا. لأنه يقدم الدليل لديه، أن روح الإصلاح لا رجعة فيها بالمغرب، وأنه سيعزز لديه الثقة في دولته. وهذا مهم جدا. لأنه علينا الانتباه، أن الرسالة الكبرى من قرارات مماثلة، هي أن خيار دولة القانون، وخيار المسؤولية والمحاسبة، وانتصار منطق الدولة في ممارسة الشأن العام، هي المنتصرة بشكل لا رجعة فيه. بمعنى آخر، إن الرسالة، هي أن منطق الولاء قد انتهى، وترسخ اليوم منطق المسؤولية وسيادة القانون. مثلما أن الرسالة الأخرى البليغة، في قرارات مماثلة، هي الانتصار لقيمة "العمل"، أي تمجيد العمل كقيمة يجازى عليها صاحبها بما يستحق، مثلما يجازى (عقابا بروح القانون) من لا يلتزم بواجب العمل. هذه قيمة سلوكية هائلة ومهمة. لأنه علينا أن لا ننسى درس التاريخ، فالمجتمعات الأوروبية، منذ الثورة البورجوازية للقرن 17، وكذا المجتمعات الآسيوية، منذ التجربة اليابانية إلى التجربة الكورية إلى التجربة الصينية، خلال القرن 20 وأول القرن 21، إنما حققت قفزات هائلة في التقدم، لأنها مجدت وقدست قيمة "العمل". أي تحقيق المقولة الخالدة "رحم الله امرأ عمل عملا فأتقنه".