السبت 4 مايو 2024
سياسة

المحامي طبيح: لا للتسرع في اتخاذ مواقف بشأن نيابتي عن الدولة قبل التوفر على هذه المعطيات

المحامي طبيح: لا للتسرع في اتخاذ مواقف بشأن نيابتي عن الدولة قبل التوفر على هذه المعطيات

بعد تداول قضية نيابته عن الدولة وعن رجال القوات العمومية في ملف الأحداث التي عرفتها مدينة الحسيمة، وهو التداول الذي تأرجح ما بين من اعتبر الأمر عاديا ومن أعطاه من التأويلات التي خطرت بباله. كما يقول المحامي عبد الكبير طبيح، ليضيف بأنه وبعد شكره الموصول إلى الذين يفهمون مهمة المحامي والذين يتابعون التحولات السياسية و المؤسسية التي عرفتها بلادنا اخيرا، يعلن عدم مؤاخذته لمن أساء الظن و لا يحمله أو يحملها أي نوع من الغضب أو غيره، بل يرجع كل ذلك الى النقص في المعلومات التي حاول أن يغطيها قدر الإمكان بما يلي:

1- ليست المرة الأولى التي أنوب فيها على الدولة، فلقد سبق أن دافعت عن الدولة في عهد حكومة التناوب عندما أقامت بعض الجرائد دعوى ضد الدولة، و سجلت نيابتي على الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي رئيس الوزراء باعتباره ممثلا للدولة.

2- أنني مثلت الدولة في قلب البرلمان الأوروبي و رافعت أمام لجنة من أعضائه ببروكسل، ليس من أجل التشهير ببلادي، بل من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية لبلدي وكنت مرافقا بأطر كبيرة تعمل في صمت وفي تفاني حماية لهذا الوطن.

3 - أنني مثلت الدولة في إسبانيا من أجل فضح التضليل الذي مارسه بعض الصحافيين المناوئين للمغرب، باستعمال صورة لعملية قتل لها علاقة بالحق العام ونسبوها للقوات العمومية المغربية في الأحداث التي عرفتها منطقة اكديم ازيك بالعيون.

4 - أنني مثلت الدولة في قضية اكديم ازيك إلى جانب عدد من زملائي الذين أبلوا البلاء الحسن دفاعا على قضيتهم الأولى، و من أجل ضمان المحاكمة العادلة التي شهد بها يوم 19/10/2017 بباريس فريق المراقبين الدوليين الذي واكب تلك المحاكمة، وفقا لما تناقلته وسائل الإعلام اخيرا. ووضع هؤلاء المراقبون الاجانب حدا للتشهير بالمغرب و دافعوا عن المغرب.

5 - أنني أمثل اليوم و لا زلت أمثل عددا من مؤسسات الدولة. مثلي مثل عدد من الزملاء الذين هم كذلك أعضاء في منظمات سياسية.

لكن من هي الدولة التي أمثلها:

1- إنها الدولة التي أسست وفتحت ورش هيأة الإنصاف والمصالحة وقبلت بخلاصاتها، واستجابت لمبدأ تعويض من تعرض للتعذيب في سنوات الجمر واعتبرت ذلك جزء من مسؤوليتها.

2 - إنها الدولة التي وضعت لهذا البلد السعيد دستورا تنازل فيه الملك عن تعيين رئيس الحكومة، وأسند ذلك لاختيار الشعب المغربي عن طريق التصويت المباشر على أعضاء مجلس النواب من قبل المواطنين، لكي يتحمل كل مواطن مسؤولية اختباره في تدبير مصالحه اليومية و تدبير الشأن العام المتعلق بهم.

3 - إنها الدولة التي شرعت مدونة الأسرة التي نقلت المرأة من وضع شبه العبودية الذي كانت تنظم علاقتها مع زوجها، إلى وضع القواعد المبنية على مبدأ المساواة بينها وبين زوجها في أعقد القضايا، وهي الزواج عندما ألزمت من يريد الزواج أن يمر عبر المحكمة ومن يريد الطلاق أن يمر عبر المحكمة سواء تعلق الأمر بالرجل أو المرأة.

4 - إنها الدولة التي شرعت حق المرأة في إسناد جنسيتها لأبنائها من رجل أجنبي في سابقة بالنسبة لعدد كبير من الدول، و أزالت حالة القهر التي عرفتها عدة مغربيات تزوجن من أجانب.

5 - إنها الدولة التي أسست وشرعت استقلال السلطة القضائية، و هو المطلب الذي رفعته الأحزاب الوطنية و جمعيات هيأت المحامين وكل الحقوقيين في أوج زمن الجمر، و اختيرت لا تركيبة وتكوين فريدين، يجمع بين تمثيلية القاضيات و القضاة عن طريق الإنتخاب و بين آلية تعيين فقهاء مشهود لهم بالعلم و النزاهة يدبرون السلطة القضائية بكل استقلالية و تحت مسؤوليتهم.

6 - إنها الدولة التي أسست وشرعت لاستقلالية النيابة العامة وهو مكسب لتعزيز استقلال القضاء. لا وجود له في عدد كبير من الدول.

7- إنها الدولة التي صادقت على الإتفاقية الدولية لتجريم و المعاقبة على فعل للتعذيب، وهي اتفاقية جد مكلفة سياسيا ويتهرب من التوقيع عليها عدد من الدول في جوار المغرب. بل إن الدولة قامت بإدخال تلك الإتفاقية حيز التنفيذ فعدلت قانونها الجنائي و نصت على معاقبة كل موظف يقوم بأي فعل للتعذيب كيف ما كان ضد أي مواطن.

8 - إنها الدولة التي رفعت طابع السرية عن ضباط الإستعلامات وضعتهم تحت ضوء الشرعية القانونية، عندما أضفت عليهم صفة ضابط الشرطة القضائية، ووضعتهم تبعا لذلك تحت مراقبة ومسائلة النيابة العامة.

9 - إنها الدولة التي يترأس فيها الإتحاد الإشتراكي المؤسسة الثالثة في الدولة، و هي البرلمان في شخص الأستاذ الحبيب المالكي، والذي يلعب اليوم دروا مهما في الدبلوماسية البرلمانية، كما قام بذلك أستاذنا عبد الواحد الراضي من قبله.

10 - إنها الدولة التي يشارك الإتحاد الإشتراكي في حكومتها بفضل إخوة أثبتوا حضورا قويا فيها.

11 - إنها الدولة التي يوجد الإتحاديون في برلمانها، علما أن البرلمان مؤسسة من مؤسسات الدولة.

إذا كانت هذه الدولة مدانة، كما قال مسؤول حزبي بمراكش، مع أنني لم أعرف من الذي يجب أن يدان هل النيابة على دولة يشارك فيها حزب الإتحاد الاشتراكي، أم إعطاء المسؤول المكور تزكية حزب الإتحاد الاشتراكي لشخص رفضته جميع أحزاب مدينة مراكش.

وإذا كان يجب اخد مسافة عن الدولة الحالية، كما قالت مسؤولة حزبية أخرى، لأنه يجب على الاتحادي أن يبتعد عن الدولة لانه لا يليق باتحادي ان ينوب عليها امام المحكمة، حسب رأيها، فلماذا لا تطالب المسؤولة المذكورة بأن يخرج الحزب الإتحاد الإشتراكي من البرلمان و تأخذ هي المبادرة بتقديم استقالتها منه، و تطالب، بصفتها مسؤولة حزبية من وزراءنا بالإستقالة من الحكومة. و تأخذ هي المبادرة بتقديم استقالتها من البرلمان حتى تحقق المسافة مع الدولة التي تطالبني به. ( كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون).    

و كيف لمسؤولة بالمكتب السياسي أن تتخذ موقفا كبيرا بطريقة انفرادية، وهو ما دفع بوسائل الإعلام أن يهتم بها و بما نشرته نظرا لكونها عضوة في المكتب السياسي للإتحاد الإشتراكي، مما دفع البعض إلى القول إن تواجد الحزب في الحكومة و في البرلمان هو نفاق أخلاقي و سياسي، لأنه حسب رأي المسؤولة المذكورة الإتحاديون لا يجب أن يكونوا قريبين من هذه الدولة.

موقف المسؤولة المذكورة يطرح على المكتب السياسي أن يحدد موقف حزب الإتحاد الإشتراكي من الدولة، حتى تتبين للجميع الموقع الذي يلزم أن يكون فيه.

إن الدولة التي أنوب عنها هي التي ذكرتها في البداية، وليست تلك التي كانت في الزمن الغابر و زمن الجمر و الرصاص الذي قدم فيها أكثر من جيل تضحيات كبيرة.

إن الدولة التي أنوب عنها هي التي ذكرتها أعلاه، و التي يجب علينا أخلاقيا و سياسيا أن ندافع عنها جميعا، وليست تلك التي كان الإنتماء إلى حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية في السبعينات يمثل جريمة يعلم الله وحده عقوبتها و مكان سجنها. وهو الزمن الذي التحقت فيه بكل قناعة بالحزب أنا وثلة من الطلبة في بداية 1970. و لم أطلب إدنا ممن يتكلمون اليوم في سنة 2017.

للذين يتكلمون عن ما سمي بالطمع في الأتعاب، أقول لهم لقد تنازلت أنا و الأستاذ جلال الطاهر على أتعاب بقيمة ستمائة مليون ستنيما في قضية كلفتنا بها أحد روافد الحزب، تدعيما للمعركة التي كان يقودها هذا الرافد لحزب الإتحاد الاشتراكي.  

فهذه هي الدولة التي يجب أن ندافع عليها جميعا، و ليس تلك التي حاكمت نقابيا كبيرا في حجم نوبير الأموي فقط لأنه أدلى بتصريح صحفي تكلم فيه عن قضايا نقابية، و يتذكر جميع الزملاء و على رأسهم الأستاذ النقيب محمد الصديقي و الاستاذ خالد السفياني و الأستاذ جلال الطاهر و آخرون اعتذر عن عدم ذكر أسمائهم وهم بالمئات حضروا تلك المحاكمة، إنني صعدت فوق الطاولة المخصصة للمحامين لكي أرافع و أطالب بعدم تطبيق الفصل 400 و عدم اعتقال الأخ نوبير الأموي في الجلسة. في ذلك الزمن كان فيه حتى الكلام صعبا. و ليس اليوم.

وبدون التذكير بباقي المحاكمات السياسية الأخرى و منها محاكمات سنة 1981 و سنة 1984 و محاكمة سنة 1990 بفاس، حيث تنقلت أنا و الأستاذ جلال الطاهر إلى مدينة تلك المدينة ليلا. لنكون حاضرين في جلسة الصباح للدفاع عن أبناء فاس. وجل الزملاء بفاس يتذكرون تلك المعركة الشرسة التي خضتها أنا و الأستاذ جلال الطاهر و الأستاذ الدباغ مع رئيس الهيأة في قاعة يوجد بداخلها قوات العمومية بسلاحهم الناري الرشاش الواقفين في قلب القاعة. و كيف نازعت في أهليته الرئيس في ترأس المحاكمة و طالبت بأن يرفع يده على الملف.

كل ذلك في زمن الدولة التي لم أنوب عليها، بل كنت واحدا ممن قاوم الظلم الذي ارتكب في زمانها، و ليس دولة اليوم.

إن عدم الإعتراف بالتحول الكبير التي عرفته بلادنا من طرفنا هو تخل و إنكار للعمل الكبير الذي قام به الجيل السابق الذي استحضر مصلحة الوطن أولا فانخرط  في مصالحة مع الدولة نتجت عنها ملحمة العصر الحديث وهي ملحمة هيأة الإنصاف والمصالحة، والذي لولا ما قام به أبناء ذلك الجيل لما فتح ورش الإنتقال و ورش المصالحة بين الدولة و المجتمع على جميع المستويات، و خاصة على المستوى المؤسساتي و السياسي.

هي ملحمة لأن دول مثل إسبانيا ولم تستطع أن تفتح ملف ماضي الحرب الأهلية. و مثل فرنسا التي لم تستطع فتح ملف فترة حكم القادة الفرنسيين اثناء الاحتلال الالماني.

إن عدم الإعتراف بهذا التحول الكبير الذي عرفته بلادنا هو الذي يغذي و يقوي جيوب مقاومة الإصلاح و التغيير، و يعطيهم الذريعة لتبرير ادعائهم بكون الإنفتاح الذي عرفه المغرب منذ سنة 2000 كان خطأ و هو خطر على الدولة.

إن عدم الإعتراف بهذا التحول يمكن جيوب مقاومة الإصلاح  أن يجهزوا على المكتسبات المشار إليها أعلاه و على غيرها مما لم أذكره.

لا تتركوا خصوم المغرب وخصوم القضية الوطنية التي هي قضية كل المغاربة و قضية مستقبل المغرب و هي أكبر من كل القضايا الأخرى, و لا تتركوا لهم الفرصة للترويج بأن المغرب لا تحترم فيه حقوق الإنسان و أنه بلد يمارس فيه التعذيب بطريقة ممنهجة.

أن هذه الادعاءات تصب مباشرة في موقف خصوم المغرب و ادعاءاتهم  قصد المس أولا وأخيرا بوحدتنا الترابية. و لا يهمهم  هل المواطن المغربي يستفيد فعلا من تلك الحقوق أم لا. لأن هدفهم هو اشهار ورقة حقوق الانسان ضد المغرب من أجل إضعافه في المحافل الدولية، و ذلك بمحاولة إقناع تلك الدول بأن الدولة المغربية لا تحترم حقوق الإنسان لا في شمال المغرب فكيف تحترمه في جنوبه. و هي الدعاية التي بدأت تنتج أكلها كما يتبين من التقرير الأخير للإتحاد الأوروبي الذي صدر يوم 19/10/2017 و الذي أشار إلى أن على المغرب أن يزيد من الإهتمام بقضايا حقوق الانسان.

هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال التسامح مع أي خرق لحقوق الإنسان يحدث في هذا البلد.

و في قضية ملف الأحداث المتعلقة بالحسيمة لا يمكن تصور وجود خصومة بين الدولة بمفهومها المشار إليه أعلاه و بين و مواطني أي مدينة من المدن المغربية و منها بطبيعة الحال مدينة الحسيمة. في ظل استقلال النيابة العامة كمكسب أضيف اخيرا للمكاسب الأخرى. يدخل في اختصاصها تدبير مساءلة المواطنين عن خرق القانون

لهذا ليس من حق البعض أن يحاول الترويج لوجود خصومة بين المتهمين في ملف أحداث الحسيمة و بين الدولة. لأنه في تقديري  واعتقادي  لا وجود لخصومة بين المتهمين و الدولة.

لذا لا مجال للتسرع في اتخاذ بعض المواقف قبل التوفر على المعطيات الضرورية، و هو ما يعتبر خطأ يغتفر بطبيعة الحال. إلا بالنسبة لمن يريد أن يبقى سجين نواياه و يعيش حالة مثل حالة أهل الكهف الذين تغير العالم من حولهم، و هي اليوم حالة نفسية أدعو لهم بالشفاء منها.