الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

بنشريفة يهدي الفقيه رسالة الدكتوراه ويبني مسجدا كبيرا لدوار صغير وفاء وامتنانا

بنشريفة يهدي الفقيه رسالة الدكتوراه ويبني مسجدا كبيرا لدوار صغير وفاء وامتنانا المسجد الكبير بدوار العثامنة

في مسار الدكتور محمد بنشريفة ثمة التماعات لافتة في حياة هذا الصقلي الموسوعي، الذي أسدى خدمات جليلة للأدب والثقافة المغربيتين، ثمة وجه آخر للراحل محمد بنشريفة غير معروف، يعكس في عمقه نوعا من الأصالة والوفاء لتربة الأرض التي استنبته ورعاه أهلها، في دوار العثامنة بجماعة اثنين الغربية التابعة لقيادة الوليدية، دائرة الزمامرة- سيدي بنور بالجديدة، فقد أهدى أطروحة دكتوراه الدولة في الأدب التي حصل عليها بمرتبة الشرف الأولى من جامعة القاهرة عام 1969، إلى معلمه الأول الذي لم يكون سوى فقيه دوار العثامنة الذي كان له الفضل في تعليمه المبادئ الأولى للغة العربية وحفظ القرآن، لقد كان الأمر نشازا على ذلك العهد، لكن بنشريفة قرر أن يكون الفقيه الذي كان مشارطا في دوار العثامنة الذي شهد ولادته، والذي كان له بالغ الأثر في تكوينه وتوجيهه، أحق بإهداء العمل الكبير الذي حصل به على لقب الدكتوراه بميزة مشرف جدا..

 

 

وقد حدثني الصديق محمد اللوزي، أستاذ اللغة والأدب الفارسي، عن غريبة أخرى من هذا الارتباط العجيب بين الراحل بنشريفة ودوار العثامنة مسقط رأسه،  فأول عميد مؤسس لكلية الآداب بوجدة سنة 1979، وأول مناقش لرسالة السلك الثالث بالرباط سنة 1965، والأستاذ بكلية الآداب ظهر المهراز فاس بعد أن تدرج في عدة مناصب: من مدرس فمفتش عام بوزارة التعليم، عضو مؤسس أكاديمية المملكة المغربية، محافظ المكتبة الوطنية، وعميد الدراسات الأندلسية، الحاصل على جوائز وطنية وعربية ودولية عديدة، الذي أغنى المكتبة العربية عامة بأبحاثه في الأدب الأندلسي والمغربي، والذي تعتبر مؤلفاته مرجعا أساسيا للباحثين في الأدب الأندلسي وأعلامه خاصة... المرحوم الدكتور محمد بنشريفة لم يقطع صلته بدوار العثامنة، وفي آخر عمره فاز بإحدى الجوائز الكبرى فقرر أن يخصص قيمتها المالية كلها لبناء مسجد جامع كبير بمسقط رأسه بدوار العثامنة بالقرب من قرية الاثنين الغربية التي تبعد عن شاطئ الوليدية بحوالي 20 كلم.

 

الصديق محمد اللوزي الذي قام بزيارة لما وصفه بـ "المعلمة" التي خلفها الفقيد عميد الأدب الأندلسي والمغربي، نقل لي بانبهار المعمار الباذخ للمسجد الكبير الذي بني بمعايير من الطراز الرفيع، في دوار العثامنة الصغير، به كافة التجهيزات، وكان المرحوم محمد بنشريفة يرغب في تأسيس مكتبة ضخمة بجوار المسجد الذي بناه من ماله الخاص، عرفانا وارتباطا أصيلا بمسقط رأسه.. هذا الارتباط العضوي بين عميد الدراسات الأندلسية ومسقط رأسه في هذا الهامش بإقليم الجديدة، فيه الكثير من الحنين والعرفان والوفاء للأصول الذي تميز به المرحوم بنشريفة.