الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

في "مدارات".. فتح الله ولعلو والقطب الثالث محور توازن العالم بلغة المحلل في زمن العولمة

في "مدارات".. فتح الله ولعلو والقطب الثالث محور توازن العالم بلغة المحلل في زمن العولمة الأستاذ فتح الله ولعلو (يمينا) والزميل عبد الإله التهاني

حل المفكر الاقتصادي المغربي الدكتور فتح الله ولعلو ضيفا في حلقة برنامج "مدارات" ليلة الثلاثاء 1 يونيو 2021، حيث تحدث في حوار الثقافة والمجتمع حول ظاهرة العولمة وطرح تأملاته حولها، انطلاقا من المراجعة التاريخية لهذه الظاهرة، منذ أوليات نشوؤها إلى مراحل توسعها، وما رافق ذلك من اكتشافات جغرافية، وثورات صناعية، وحملات استعمارية، وتوسع تجاري، وتطور تكنولوجي، وصولا إلى مرحلة الرقمية والذكاء الاصطناعي .

 

على ضفاف "مدارات" تناول الدكتور فتح الله ولعلو عن مسألة العلاقة بين الهوية والعولمة، من خلال التوقف عند  تجربة مجتمعات بقيت محافظة على رأسمالها الهوياتي والثقافي، مع انبثاقها في ذات الوقت، كاقتصاديات صناعية وتجارية  قوية في عالم اليوم ، مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية.

 

في سياق متصل تحدث الاقتصادي فتح الله ولعلو  في هذا الحوار الاذاعي عن إفريقيا، باعتبارها اليوم قارة لكل المخاطر، وفي نفس الوقت قارة كل الفرص، شارحا ومفسرا دعوته إلى عولمة متعددة الاقطاب، وكيف يتعين أن تخضع فرص التنمية والهجرة والعلم والمعرفة، لمنطق الاقتسام والإنصاف، وطبيعة الرد المطلوب على تحديات العولمة، وأهمية استرجاع المكانة المركزية لحوض البحر الابيض المتوسط، واستعادة ريادته التاريخية في مسلسل العولمة.

 

فتح الله ولعلو في ضيافة "مدارات" التهاني

في تقديمه لضيفه على أثير الإذاعة الوطنية اعتبر الزميل عبد الإله التهاني معد ومقدم برنامج حوار في الثقافة والمجتمع أن الدكتور فتح الله ولعلو "شخصية فكرية أكاديمية بارزة، ومن ألأمع الشخصيات الوطنية المتخصصة في مجال الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية والحكامة، وهو من أعمدة الدرس الجامعي حيث ظل حاضرا بكتاباته وتأملته في مجال تخصصه، فضلا عن كونه ترأس جمعية الاقتصاديين المغاربة، وتولى عدة مسؤوليات وطنية رفيعة.."

 

وقدم الزميل التهاني بعض مؤلفات وكتب ضيف حلقته الأستاذ فتح الله ولعلو (13 كتابا باللغتين العربية والفرنسية) نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، عناوين كتب: "المساعدة الأجنبية للمغرب..." و"الاقتصاد السياسي مدخل للدراسات الاقتصادية" و"الاقتصاد السياسي توزيع المداخل... النقود والائتمان" و"العالم الثالث والمرحلة الثالثة من الهيمنة" و"المغرب العربي يوتيوبيا ممكنة دائما" و"النظرية الاقتصادية العربية" و"من أجل اقتصاد عربي جديد" و"الاقتصاد العربي والمجموعة الاقتصادية الأوروبية" و"بعد برشلونة أصبح المغرب العربي ضرورة" و"تحديات وعولمة الاقتصاد والتكنولوجيا" و"المشروع المغاربي والشراكة الأورو متوسطية" و"نحن والأزمة الاقتصادية" و"نحن والصين الجواب على التجاوز الثاني" و"نحن والعولمة جواب الجنوب"... فضلا على حصيلته المهمة من الدراسات والقراءات والمداخلات والمحاضرات في عدة قضايا ذات الصلة بالاقتصاد والتنمية والحكامة والديمقراطية ومشاركات غزيرة وطنيا وإفريقيا ودوليا.

 

نحن والعولمة

 في بداية عن حديثه عن كتاب "نحن والعولمة" الذي اعتبره الزميل عبد الإله التهاني "مراجعة تاريخية شاملة نقدية ووقفة تأملية تحليلية لظاهرة العولمة"، أكد الدكتور فتح الله ولعلو بأنه جزء من ثلاثية بدأت في سنة 2009، بعد الأزمة الاقتصادية سنة 2008، (نحن والأزمة)، حيث توج سنة 2018 بكتاب "نحن والصين" كنهاية لهذه الثلاثية.

 

وقال فتح الله ولعلو موضحا بأن "العولمة تفرض نفسها على المجتمعات وعلى الإنسان، (الهاتف النقال/ الاستهلاك..) ونحن جزء منها بطبيعة الحال، والعولمة لها إمكانياتها الضخمة (تجارية وصناعية ومالية وتكنولوجية..)". وبنظرة المحلل المتمكن أضاف قائلا: "كوفيد 19 ظاهرة من ظاهرة العولمة في القرن 21 ".

 

في تحليله لظاهرة العولمة شدد ضيف "مدارات" على أن "العولمة قُرِأَتْ انطلاقا من الشمال، ومن أوروبا، والولايات المتحدة مع صعود الإمبريالية والظاهرة الاستعمارية.."، ليخلص إلى أننا "نحن محتاجين إلى قراءة من الجنوب (نحن والعولمة)، خاصة من نهاية القرن 20، حيث عرفت العولمة تحولا إذ لم تبق مرتبطة فقط بالبلدان الغربية بل ارتبطت بصعود قوى صاعدة (القارة الأسيوية)".. على اعتبار أننا "نعيش مواجهة جديدة تجارية وتكنولوجية والآن المواجهة صحية (كوفيد 19) بين قطبين هما الولايات المتحدة الأمريكية والصين التي تطمح لتصبح القوة الأولى عالميا". لذلك يؤكد الدكتور فتح الله ولعلو على أنه يجب "أن نبحث لنا على جواب انطلاقا من نحن والعولمة".

 

إفريقيا قارة كل المخاطر وقارة كل الفرص

انطلاقا من أطروحته حول العولمة أكد فتح الله بأن "العولمة بدأت من البحر الأبيض المتوسط مع الإغريق والرومان، حيث كانت المنطقة محورا للعولمة" وذكر بأن هناك "محورا لم نكن نعرف عنه الكثير وهو بحر الصين"، وأضاف موضحا بأن هناك حدث أساسي "في سنة 1415 هاجم البرتغاليون وتحكموا في ميناء سبتة، وأصبحت سبتة تحت سطوة البرتغال (ومن بعد إسبانيا)". حيث خلص إلى طرح ثلاثة أبعاد في تحليله وهي:

- البعد الأول مغربي، مرتبط بمدينة سبتة كونها "هي مغربية، وميناء مغربي نحو أوروبا والبحر الأبيض المتوسط ومنه كان ينقل الذهب من أدغال إفريقيا...لكن إقفال هذا الميناء أخرج المغرب من البحر الأبيض المتوسط"؛

- البعد الثاني إفريقي، على اعتبار أن "إفريقيا كانت تبيع الذهب عن طريق ميناء سبتة، واضطر الأفارقة بعد عملية الإغلاق إلى أن يصدروا العبيد حيث ظهرت تجارة العبيد"؛

- البعد الثالث عالمي، على اعتبار أن البرتغال استولوا على العديد من المدن المغربية انطلاقا من سبتة، ونزلوا عبر بحر المحيط الأطلسي إلى إفريقيا ومن هناك انتقلوا إلى آسيا حيث وصلوا حتى (مَكًاوْ) في الصين واحتلوها وخرجوا منها في القرن 20...هذا فضلا عن اكتشاف أمريكا سنة 1492، حيث تزامن خروج العرب والمسلمين من الأندلس وسقوط غرناطة..

 

أفريقيا وتحديات أزمة "كوفيد 19" العالمية

 أكد الدكتور فتح الله ولعلو في تحليله لتحدي الحق في الصحة كقضية توحد البشر، على أن "أزمة "كوفيد 19" قد فرضت بروز "تحديات أساسية يجب تدبيرها كخيارات مشتركة للبشرية عوض أن تكون مصدر مواجهات"، وأوضح بأن "تحدي الصحة هو خيار مشترك للبشرية ولا يجب أن يكون فرصة جديدا لصراع جديد في العالم". وبخصوص تحدي الاحتباس الحراري قال بأنه "أصبح شيئا مقلقا بالنسبة لتاريخ البشرية ويجب أن يجمع الجميع (توافق سنة 2015 في باريس) بدل أن تتراجع الولايات المتحدة عن تفعيل تلك التوافقات خلال مؤتمر مراكش بالمغرب". هذا وأشار في حديثه بأن ظاهرة "الانحباس الحراري تمس البلدان الفقيرة، وتمس إفريقيا. وأن قضية البيئة تهم الجميع إلى جانب تحدي الصحة". معربا عن قلقه بشأن "قضيتي انشتار الفقر والتكافؤ الاجتماعي والمجالي".

 

وتنبأ الدكتور ولعلو إلى أن إفريقيا ستفرض وجودها من خلال  النمو الديمغرافي "هو أكبر ظاهرة ديمغرافية عبر العالم، وأن إفريقيا سيتضاعف عدد سكانها سنة 2050، وستمثل نسبة 40 في المائة من سكان العالم أي أنها ستقترب من عدد سكان آسيا في نهاية القرن 21، في حين تعرف أوروبا وأمريكا الشمالية تراجعا.... هذه الظاهرة ستفرض نفسها على عولمة القرن 21 من خلال عدة إكراهات مرتبطة بالحاجيات ( الغذائية، التمدن، التحضر..).

 

انطلاقا من الفرص التي تعرفها إفريقيا "يجب أن نسعى إلى خلق نوع من التوازنات في العالم "، بحكم أن هناك صراع قطبين مما يستدعي ميلاد "قطب ثالث يتمركز حول البحر الأبيض المتوسط ويضم إفريقيا وكذلك أوروبا (علينا أن لا ندير ظهرنا للبحر الأبيض المتوسط).. يمكن أن نبحث على بروز قطب ثالث".

 

وعن الهوية والعولمة قال: "نحن مسلمون، عرب، أمازيغ، متوسطيين، صحراويين. هذه هي هويتنا الأساسية، يجب أن ننفتح على الحداثة بدون عقدة ونخاطبها، لنصبح فاعلين في العولمة حتى لا تكون مفروضة ولكن مقبولة (أن نعطي بقدر ما نتسلم)". وشدد على أن موقع المغرب الاستراتيجي "مرتبط بإفريقيا وبالبحر الأبيض المتوسط وبالمنطقة العربية والإسلامية وقريب من أوروبا"، هذا الموقع الجغرافي "يجب أن نوظفه ونوظف هويتنا بدون عقدة ولكن في نفس الوقت يجب أن نخاطب الحداثة....يجب أن نتجاوز هذه العقدة وننفتح على الآخر لخلق توازن ضروري يؤدي إلى إعادة بناء العالم...يجب أن ننطلق من القطب الإفريقي العربي الأوروبي، والانطلاق من عبقريتنا المرتبطة بالتاريخ والثقافة لنستملك الحداثة حتى تصبح معطى داخلي لمخاطبة العولمة".

 

وخلص ضيف الزميل التهاني إلى الجواب عن سؤال تحديات العولمة لن يتحقق إلا من خلال "علاقة جدلية وعضوية بين معطى الماضي المرتبط بالتاريخ والثقافة والقدرة بدون عقدة على الانفتاح على الحداثة...لنكون حاضرين في الحداثة يجب التشبث بالهوية... الوطنية قيمة أساسية لذلك عندما ندافع على صحرائنا وعن سبتة ومليلية باسم الوطنية بدون عقدة".

 

الصناعة هي القوة الدافعة للعولمة

في الواقع بداية الاكتساح الأول أدى (الفتوحات ، الإمبريالية..) جعل العولمة مرتبطة بالاقتصاد والتجارة بعد ذلك أصبحت مرتبطة بالصناعة (الشركات المتعددة الجنسية) ثم ارتبطت بالمال (الاستثمارات الخارجية وانتقال الأموال من قارة إلى أخرى) وبعد ذلك جاءت التكنولوجيا (الآلة البخارية والسكك الحديدية والطائرة وحقل الرقميات ثم الذكاء الاصطناعي".

 

ولم يفت فتح الله ولعو الحديث عن معطى آخر له "ارتباط بانتقال البشر". على اعتبار أن هناك "خمسة ملايين من المغاربة يعيشون في الخارج" وارتباط الجانب السياحي كمعطى أساسي كذلك بالعولمة .

 

وأشار في حديثه إلى أن "العولمة هي قضية فيها شمولية". دون إغفال "للجانب الثقافي المرتبط باللغات"، حيث شدد على ضرورة "تمنيع ثقافاتنا بإبداعاتنا وابتكاراتنا. وعلينا أن نجيب عليها من كل المنافذ (اقتصادية وتكنولوجية...)". مؤكدا على أهمية "العودة لتاريخ البشرية، التاريخ الديناميكي المرتبط بالتطور.. يجب أن نوظف العنصر المشرق في التاريخ...لأن الاهتمام بالاقتصاد ارتبط ارتباطا عضويا بالاهتمام بالتاريخ".

 

في هذا السياق قال فتح الله ولعلو "التاريخ يصلح لمعرفة الماضي، والتاريخ يصلح لتغيير الحاضر ويصلح لاستشراف المستقبل". على اعتبار أن تحليله للظاهرة استنتج منه أنه "لا يمكن أن نفهم المشاكل أساسا إلا بالعودة إلى التاريخ... ونسأل كيف أصبحت سبتة ومليلة محتلتين... بقراءة فيها نوع من التفاعل والانفتاح".