الخميس 18 إبريل 2024
في الصميم

إسبانيا خانت المغرب ببرميل نفط جزائري!

إسبانيا خانت المغرب ببرميل نفط جزائري! عبد الرحيم أريري
لا يمكن قراءة حقائق الأزمة التي انفجرت في ماي 2021 بين المغرب وإسبانيا من خلال ما يطفو على السطح من أخبار  وتفاصيل راهنة لأن ذلك سيقود لا محالة إلى مسالك ضالة بالتأكيد. القراءة الناجعة تقتضي العودة إلى يوم  10 دجنبر 2020، تاريخ اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى  بسيادة بلادنا  على أقاليمها الصحرواية، وهو ما اعتبر إنجازا جيو استراتيجيا تعزز في ما بعد بفتح القنصلية الأمريكية بمدينة الداخلة، يوم 10 يناير 2021، وفي الإعلان عن أكبر مناورة عسكرية في إفريقيا خلال الفترة ما بين 7 و18 يونيو 2021 في الوقت الذي  كانت اعتبارات الجوار والإرث المشترك، واتفاقيات التعاون الأمنية، ورهانات التوافق الحضاري تقتضي أن تكون إسبانيا هي أول المعترفين بحقنا التاريخي في الصحراء، خاصة  أنها الأكثر اطلاعا على التفاصيل التاريخية  والجغرافية  للملف. بل إنها من أوائل صناع الأزمة هناك منذ احتلالها للمنطقة، ومنذ كفاح المغاربة من أجل استكمال تحرير وطنهم المتوج بإطلاق المسيرة الخضراء. ونتيجة ذلك احتضنت العاصمة الإسبانية، في نونبر من سنة 1975، اتفاق مدريد الثلاثي  بين إسبانيا  والمغرب وموريتانيا الذي أقر بحقنا التاريخي في استعادة ترابنا الوطني.
إسبانيا إذن تخون  تاريخها  وجغرافيتها. بل إنها تخون كذلك القيم الثنائية المفروض أنها أساس الشراكة التي  تجمعنا معها، ومع الاتحاد الأوروبي الذي يعتبرنا حليفا استراتيجيا بما في الكلمة من معنى.وأحد المعاني الرئيسية لذلك شراكتنا معا في بناء قيم الديمقراطية والأمن والسلم في فضاء المتوسط والعالم. وإذن ألا تقتضي هذه الشراكة أن نتعاون  معا في مكافحة الإرهاب؟ والحال أن أحد رموز هذا الإرهاب، ورئيس عصابة مسلحة اقترفت جرائم ضد الإنسانية، يقيم اليوم على التراب الاسباني،بينما تطالب شرائح ممثلة للضمير الإسباني الحي، وممثلين عن ضحايا مغاربة وموريتانيين، بمحاكمته بعد أن رُفعت شكاوى ضده، وضد خمسة وعشرين من قادة البوليساريو. لكنه لم  يقدم للمحاكمة لأن القضاء هناك استقال من مهمته،مع العلم بأن الإرهابي،العميل في وزارة خارجية الجزائر، كان قد دخل الحدود متلبسا بجواز سفر مزور، ومع ذلك لا يتردد الإسبان في اتهامنا بالتحكم في القضاء، والحال أن القضاة الإسبان غائبون أو مغيبون عن الساحة اليوم. 
الخيانة ليست فقط موقفا إسبانيا. بل هو موقف أوروبي.  لا فقط لأن أوروبا تخون شركاءها، ولكن لأنها هي الأخرى صارت تهذي بفعل صدمة 10 دجنبر. ولعل قمة الهذيان أن يقوم الأوروبيون بالتعسف على الخرائط وعلى الحقيقة حين يدعون أن»سبتة هي أوروبا، والحدود معها أوروبية»، والحال أن الاتحاد الأوروبي نفسه لم يصدر مثل هذا الموقف في عز الأزمات مع  إسبانيا (أثناء أزمة جزيرة ليلى مثلا)، الأمر الذي يبين أن قمة الهذيان فعلا هي تاريخ 10 دجنبر 2020، لا قبله ولا  بعده. وتجدر الإشارة هنا كذلك إلى أن تركيا، الجارة الملتصقة ترابيا بأروربا ،طالما طالبت بالاندماج في الاتحاد الأوروبي علما بأن جزءا من ترابها يعد أرضا أوروبية من الناحية الجغرافية، وبأن اتفاقيات حدود ودفاع واقتصاد تربطها مع أوروبا، وعلما كذلك بأنها عضو في الحلف الأطلسي منذ سنة 1952، أي ست سنوات فقط بعد استفاقة العالم من أهوال الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك يرفض الأوروبيون حلم الأتراك معتبرين أن الحدود المادية (الترابية) ليست فقط معيارا للانضمام،  لكنها ويا للعجب هي المعيار في حالة مدننا المحتلة بمليلية وسبتة، حتى وإن فصل بيننا والإسبان البحر والهواء إضافة إلى منطق الاحتلال. والحقيقة أن مثل هذا الموقف لا يبعث على الاستغراب إذا استعدنا السعار السابق لكل من هولندا والدانمارك والسويد وألمانيا، ثم السكوت المريب للصديقة فرنسا التي تجمعنا معنا لا فقط المصالح والمشاريع الاقتصادية الكبرى، ولكن كذلك روابط اللغة والثقافة، وأمن البحر الأبيض المتوسط، والسلم في العالم.
السؤال المطروح الآن هو: إلى متى سيستمر هذا التصرف الأخرق من طرف الحكام الإسبان الذين لا يكتفون بحماية  الإرهاب والإرهابيين كما في حالة  زعيم الانفصال، ولكنهم يسعون إلى تقويض العلاقة مع مغرب كان دائما سندا لأوروبا في مكافحة الإرهاب بكل أشكاله، وفي كبح جماح المهربين وتجار المخدرات، وفي مقاومة الهجرة السرية والاتجار بالبشر؟
إن إسبانيا مدعوة إلى أن تستعيد عقل الحكمة والتبصر، وأن تُنهض ضميرها لما فيه مصلحة استعادة بناء جسور التواصل الحقيقي بيننا لأن استمرار الأزمة لن يكون فيه سوى خاسر واحد هو إسبانيا التي يغيب عنها، إما بفعل الحنين إلى الزمن الاستعماري، أو بفعل استصغار بلادنا، بأن مغرب 2021 ليس هو مغرب القرن الخامس عشر. ولذلك تريدنا صغارا نقبل بحمايتها كمستعمرة صغيرة لا تستكمل وحدتها واستقلالها، وكدركي صغير يكتفي بدور تنفيذي بلا موقف أو وجهة نظر.
المغرب اليوم قوي بوحدته، وبالتفاف شعبه حول مؤسساته ووحدته الترابية.بخلاف ذلك اختارت إسبانيا أن تلعب اليوم بالنار حين استسلمت إلى غريزة الانتقام الغامض من أقدار التاريخ والجغرافيا، وإلى جشع  الرأسمال المتوحش الذي يفكر في الغاز أكثر من تفكيره في قيمة اللقاء الحضاري عبر البوغاز، ويفكر في أن تمتد شظايا تلك النار إلى بلادنا والحال أنهم هم هناك الأكثر تهديدا بالنار مع دعوات الانفصال التي تهدد وحدتهم.
داء الانفصال مثل الإرهاب، لا ملة له ولا جنسية ولا لون ولا دين.