الأحد 5 مايو 2024
كتاب الرأي

أحمد بومعيز: ليس فقط الجزاير وبن بطوش، واسبانيا وسبتة، والصحراء والهجرة... بل أشياء أخرى أهم

أحمد بومعيز: ليس فقط الجزاير وبن بطوش، واسبانيا وسبتة، والصحراء والهجرة... بل أشياء أخرى أهم أحمد بومعيز
...أشياء وأحداث كثيرة جرت في الأسابيع الأخيرة داخل  المثلث الغربي لمنطقة المتوسط وشمال إفريقيا ...مثلث نزاع وصراع وسباق جديد، وبمؤشرات قوية، مؤشرات بحمولات سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية. مرشرات على تحولات جديدة في المجال الجيوسياسي بمنطقة تتم تعبأتها وتهييؤها وفق أجندات دولية ،كمنطقة نفوذ وتأثير وتحول جديدة في سياق نظام عالمي متحول بفعل الضرورة الإستراتيجية..
وهنا لا يمكن أن نقرأ الأحداث إلا على ضوء هذه المتغيرات الإستراتيجية، وبالطبع باستحضار مكون التاريخ المشترك والجغرافيا المشتركة بين الأقطار أو الدول المعنية بذات الأحداث والتحولات، وهي والجزائر شرقا، وإسبانبا وأوروبا شمالا ودول جنوب الصحراء جنوبا والمغرب كمركز جوغرافي ومحور استراتيجي في الوسط.. 
كما لا يستقيم ولا ينبغي التعاطي مع كل هذه الأحداث بمنطق العاطفة الفجة ،ولا بنظرة إقليمية ضيقة، ولا بعين الشعبويين ولا المقامرين بمستقبل الأجيال والشعوب..والأحداث هنا أكبر وأخطر مما يحاول البعض - ومن كل الأطراف - اختزالها ...كزعم وادعاء إسبانيا عن يقظة حس الإنسانية بغثة في حكومتها لاستقبال زعيم البوليساريو من أجل علاجه من مرض لن ينفع معه علاج .ولا في مغامرات شباب وأطفال تم إلقاءهم في البحر من الضفتين ذهابا وإيابا، أو بدون رجعة. ولا في هلوسات مناضلي الفايسبوك الذين يبشرون بانبعاث طارق بن زياد جديد يعيد لنا أمجاد تاريخ لم يعد . ولا في خطابات جوقة عسكر الجزاير التي تحاول في عبث تشكيل خريطة بأدوات عمل منتهية الصلاحية...
ولمحاولة الإحاطة بالموضوع، لا بد من الإشارة إلى المكونات والموجهات التالية:
 1- إفريقيا كمجال حيوي واستراتيجي جديد بفعل التحولات، واستنزاف الموارد والمجالات البيئية والبشرية بالمناطق التقليدية عبر العالم، مما حول الأنظار إلى أفريقيا  كمجال جديد للموارد، والاستثمار واستقطاب، وصراع رساميل الشركات العابرة للقارات.وهنا تأتي ديناميات وتحركات القوى العظمى حاليا ،كأمريكا والصين أولا، وفي مرتبة ثالثة روسيا، وفي مرتبة أخيرة كل أوروبا بعد تراجعها الاستراتيجي والعسكري. 
2- المغرب باعتبار موقعه الجغرافي الاستراتيجي، وبحكم استقراره السياسي والأمني، وبتاريخه الغني بكل عناصر ومحددات الدولة الممتدة والمستمرة عبر قرون ،كل هذا يؤهله ليكون المدخل الأساس، والبوابة الرئيسية لإفريقيا، ومفصلا استرتيجيا لكل التدخلات والمشاريع .وهذا ما يفسر التقارب الذي تبديه الصين اقتصاديا ،والاهتمام الجديد للولايات المتحدة بوحدة المغرب الترابية وباعترافها بأن الصحراء جزء من تراب المملكة. كما يفسر ذلك أيضا الاستفزاز والمنافسة الإستراتيجية الذي بدأت تلمسها كل أوروبا في إطار الاتحاد الأوروبي المتراجع، ويتجسد ذلك في التوجهات العدائية ضد المغرب التي بدأت تبديها ألمانيا، ثم اسبانيا، وتردد فرنسا والحرج الذي تعانيه في تدبير علاقاتها التقليدية مع المغرب. 
3- أوروبا القارة العجوز التي بدأت تفقد سيطرتها على التحولات التي يعرفها المجال الإستراتيجي العالمي، وذلك بفعل تقادم بنياتها ،وتفككها الاقتصادي والبنيوي، وخروج ابريطانيا من الإتحاد الأوروبي وانخراطها الكامل والعلني في السياسية الخارجية للولايات المتحدة. وكذلك بسبب الضعف الذي صارت تعيشه أغلب دولها كفرنسا وإيطالبا وإسبانبا، وحتى تمدد ألمانيا ومحاولة سيطرتها على أوروبا وقيادتها لها لا يستقيم ولن يستقيم بفعل الصراع التاريخي مع فرنسا، و أيضا لقصورها وعجزها العسكري والذي تراقبه أمريكا عن كتب. 
3- إسبانيا أمام كوابيس تاريخ النزاع مع المغرب، وأمام أزمة الجوار الإفريقي كبوابة لاستقبال أفواج الهجرة السرية موازاة مع إيطاليا . وأمام ازماتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية  مع تمدد حركات الانفصال لعدة أقاليم ككاطالانيا والباسك، كل هذا يجعلها تكيد للمغرب والذي بات يشكل منافسا كبيرا لها ضمن الحيز والمجال الجغرافي المشترك - حتى في سبتة ومليلية المحتلتين منذ قرون - ، وفي إعادة تشكيل موازين قوى ضاغطة ومتحكمة في مسارات التحول. 
4- الجزاير، الدولة العاجزة والفاقدة للشرعية التاريخية، والتي تعيش عقدة النقص منذ سيطرة العسكر على الحكم في 1963 بعد الانقلاب على الحكومة المدنية لابن بلة سنة واحدة بعد الاستقلال عن فرنسا إثر أكثر من قرن على استعمار تام الأركان ،أتلف العديد من مقومات الهوية والثقافة في الجزائر. وأمام الأزمة الاقتصادية والسياسية والثقافية والهوياتية والمؤسساتية التي تعيشها الجزاير، لا تجد حلا إلا من خلال تصدير الأزمة إلى الشقيق اللدود المغرب، محاولة منها لإعادة تركيب المنطقة وفضاء المغرب العربي وفق مقاييس وخرائط وأجندات الحرب الباردة، والتشبث بحلم دويلة نشاز في المنطقة - البوليساريو - لتصدير ثورة شيوعية لم تعد قابلة للتطبيق ،وبأدوات وعناصر صدأت بزوال مكونات العالم إبان الستينيات والسبعينات من القرن الماضي.  
...وإذا كانت العناصر السالفة ،أساسية في فهم وتحليل ما يحدث من تجادبات وصراعات وأحدات بالمنطقة، إضافة إلى عناصر ومكونات أخرى تتفاعل وفق الظرفية والروزنانة الخاصة بكل المؤثرين في موازين قوى الصراع،  فلا مجال للمغامرة الفجة . ولا بد ولا مناص من الانتباه، والتريت، والتدقيق ،قبل إصدار أي موقف أو تحليل سطحي أو عاطفي قد يجانب الصواب، والموضوعية، والواقعية السياسية ، مما  قد يؤثر سلبا على مصالح المغرب الاستراتيجة في المنطقة ، بحكم أن كل المؤشرات تدل على أهمية موقعه وحضوره في المشهد المؤهل لمستقبل خريطة النظام الدولي الجديد.