Sunday 8 June 2025
كتاب الرأي

علي بوزردة: الصحراء.. الحكم الذاتي المغربي يفرض نفسه كـ”مرجعية دبلوماسية” دولية

علي بوزردة: الصحراء.. الحكم الذاتي المغربي يفرض نفسه كـ”مرجعية دبلوماسية” دولية علي بوزردة

من الدعم الخجول إلى الانخراط العلني: تحوّل تدريجي

منذ أن قدّم المغرب، سنة 2007، مبادرته للحكم الذاتي في الصحراء أمام الأمم المتحدة، شهد المشهد الدبلوماسي العالمي تحوّلًا عميقًا. بدأ هذا التحوّل من خلال تطور ملحوظ في الخطاب الدبلوماسي، قبل أن يُترجم إلى مواقف سياسية ملموسة بشأن هذا النزاع.

لقد ظلّ يُنظر إلى خطة الحكم الذاتي المغربية، لفترة طويلة، باعتبارها “جدية وذات مصداقية”، لكنها باتت تُوصَف اليوم، من قِبل عدد متزايد من الدول، بأنها “الأساس الوحيد الممكن” لحل هذا النزاع الإقليمي.

وفي عام 2025، شكّل موقف المملكة المتحدة تحوّلًا حاسمًا، حيث انضمت علنًا إلى هذا التوجه، ووصفت المبادرة المغربية بأنها “الأساس الأكثر مصداقية وواقعية وبراغماتية”.

وقد أكّد وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية، ديفيد لامي، الأبعاد الجيوسياسية لهذا الموقف، قائلًا: “إن حل هذا النزاع الإقليمي سيُعزز استقرار شمال إفريقيا ويُنعش الدينامية الثنائية والتكامل الإقليمي.”

وهو تصريح يعكس تقاربًا متزايدًا بين المواقف الغربية والرؤية المغربية.

وقبل ذلك بأيام، قامت كينيا، التي كانت لوقت طويل داعمة للبوليساريو، بالخطوة نفسها، ووصفت المبادرة المغربية بأنها “المقاربة الوحيدة المستدامة”.

وسار على نهجها كل من غانا وبنما والإكوادور، عبر سحب اعترافهم بالكيان المسمى “الجمهورية الصحراوية”، في تأكيد على التحول الجاري في المواقف الدبلوماسية.

أما الولايات المتحدة، التي كانت من أوائل الداعمين منذ عام 2007، عندما وصفت الخطة المغربية بأنها “جدية”، فقد اتخذت خطوة كبيرة في 2020 عبر الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

وفي عام 2025، عزّز وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، هذا الموقف بقوله: “خطة الحكم الذاتي المغربية هي الأساس الواقعي الوحيد القابل للتطبيق.”

الحاضر والمستقبل في إطار السيادة المغربية

جدّدت فرنسا، العضو المؤثر في مجلس الأمن إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، دعمها الصريح للمقترح المغربي. وأعلن الرئيس إيمانويل ماكرون، بشكل رسمي سنة 2024:
“الحاضر والمستقبل في الصحراء يدخلان في إطار السيادة المغربية.”

وهو موقف واضح يشجّع الدول التي كانت مترددة حتى الآن على اتخاذ قرار عادل، والاصطفاف إلى جانب الشرعية وسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

أما إسبانيا، القوة الاستعمارية السابقة، فقد وضّحت موقفها أيضًا بعد فترة من التردد والغموض، إذ وصفت، سنة 2022، الخطة المغربية بأنها “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية”، منهية بذلك حالة اللبس الدبلوماسي مع الرباط - رغم غضب الجزائر.

أما ألمانيا، التي شهدت علاقتها مع الرباط توترًا ملحوظًا، فقد أعادت ضبط موقفها منذ سنة 2023، حيث عبّرت دبلوماسيتها عن أن المقترح المغربي يشكّل “أساسًا جيدًا جدًا لحل دائم”، وهو ما تُرجم بدعم اقتصادي ملموس في الأقاليم الجنوبية، تجسيدًا للانخراط الفعلي في دعم المبادرة المغربية.

ومؤخرًا، انضمت سلوفينيا - من موقعها داخل مجلس الأمن - و22 دولة من الاتحاد الأوروبي، بينها كرواتيا ومولدوفا، إلى هذا الخطاب الدبلوماسي الموحد، معتبرة المبادرة المغربية “الأساس الأكثر جدية”. أما المجر، فذهبت أبعد من ذلك، عبر تعزيز وجودها القنصلي في كل من العيون والداخلة.

الجزائر تواصل السباحة ضد التيار

في العالم العربي، تحافظ دول مجلس التعاون الخليجي الست على دعم جماعي وثابت للمبادرة المغربية.

في المقابل، تواصل الجزائر، الجارة الشرقية، موقفها المناهض. وكما قال أحد رجال القانون المغاربة:
“أمام هذه الدينامية الدولية المتصاعدة، تبدو الجزائر وكأنها تتشبث بمواقف متجاوزة.”
وأضاف:“وفيّة لقراءة أيديولوجية تعود إلى حقبة الحرب الباردة، ما تزال الجزائر تعتبر قضية الصحراء أداةً للمواجهة الإقليمية، بدلًا من أن تنظر إليها كمجال لبناء المغرب الكبير.”

وعلى الصعيد الإفريقي، تلعب القارة دورًا محوريًا. فقد ساهمت عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017 في تعزيز التعاون الاستراتيجي عبر مقاربة جنوب–جنوب. كما تؤكد المشاريع الكبرى، مثل ميناء الداخلة الأطلسي وخط أنبوب الغاز نيجيريا–المغرب، على مركزية الصحراء في الدبلوماسية الاقتصادية التي يقودها العاهل المغربي، الملك محمد السادس.

وتُجسّد الاجتماعات الثنائية التي انعقدت في العيون، مع كل من كوت ديفوار وليبيريا في يناير 2025، هذا التموقع الجديد على الأرض.

وفي أمريكا اللاتينية، انخرطت كل من الباراغواي وتشيلي والبيرو في خطاب موحّد يؤكد على الطابع الواقعي الوحيد للمبادرة المغربية.

اليوم، يزيد عدد الدول التي تدعم رسميًا مبادرة الحكم الذاتي المغربية عن 116 دولة.

وقد توحّدت اللغة الدبلوماسية حول الأطروحة المغربية: “جدية”، “ذات مصداقية”، “واقعية”، و”وحيدة”، ما حوّل هذا الملف، الذي كان طويلًا محل نزاع، إلى توافق جيوسياسي دولي متدرّج.

وهذا التحوّل الدبلوماسي العالمي يُكرّس، بحكم الواقع، الرؤية المغربية باعتبارها الإطار الوحيد الموثوق به لحل دائم لنزاع الصحراء، الذي افتعلته الجزائر.

وكما تساءل أحد الأكاديميين في تحليله لدينامية هذا النزاع المستمر منذ سنة 1975:
“هل نحن أمام نهاية نزاع الصحراء؟”

 

عن : Article19.ma