السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

ادريس المغلشي: شاعر بألف رجل

ادريس المغلشي: شاعر بألف رجل ادريس المغلشي
الشعراء يتبعهم المناضلون ليؤطروا ساحة المواجهة بنظافة اليد وقوة الحجة ووحدة الصف. عقيدتهم الدفاع عن الوطن ولاشيء غيره. اعتلوا أبراج السمو بوظيفة الشعر ليبلغ مداه من الكرامة هكذا أصبح وسيبقى ولن يتخل عن دوره الذي آمن به. لا تغتالوه في وكر الخيانة فلم نعدنملك سوى بعض الشعراء الذين أيقظوا فينا النخوة والشهامة مادام الطبالون اختاروا التطبيع كأسهل طريقة للرد على المقاومة. وباعوا الشرف بأزهد المناصب وهم يتلون شهادة وفاة الأخلاق .
الشعر النبيل الهادف يأتي من أفواه الرجال. ما أحوجنا إلى الرجولة في اللحظة الراهنة بعدما خفت منسوبها وأصبح الأشباه يتطاولون على القضايا منتحلين الصفة في حقارة  قل نظيرها . 
أطل علينا في عز الأزمة لانه كعادته لايتخلف عن المواقف والأزمات التي تتطلب حضورا. إنبرى في شريط مرئي ليعلمنا كيف ندبر قضايانا الشائكة في مسألة الوطن والهوية. بنفسية المودع وكأنه يلقي كلمته الأخيرة. بدا الشاعر تميم  وقد هجرت الإبتسامة محياه من هول الحدث ليس كعادته أن يبدي كثيرا من الغضب فكلامه يصرف مواقف مؤثرة تشحذ الهمم ماتخلى قط عن نبض شعبه وقضيته الأولى فلايبيع الوهم ولايطري الحاكم بل كلامه فوق سن رماحه تستهدف العدى لتؤدي دورا ملحميا لايقل ضراوة عن النزال في ميادين القتال والمواجهة. .يعلم جيدا أنه يحمل في كل كلمة وكل حرف وعودا وإشراقات تطارد غطرسة حاكم مستبد. ويجول في الحمى وسط لعلعة الرصاص كفارس يحمل سيفه ليشق بها صفوف المتخاذلين. لم يمتط كما كان في السابق صهوة الشعر لتعجز بلاغته الخطابة بل ليرسله كرذاذ يتملى به العطشى في يوم شديد الحر. ظهر هذه المرة كخطيب مفوه يتسلح بكلمات قوية استطاع بمراسه وحنكته أن ينسجها في صورة تجمع بين ألم اللحظة وتفاؤل الغد. يتلو كلامه كأنه نبوءة نسمعها لأول مرة . أطل علينا في سواد ولم يظهر عليه التوثر.كما هي العادة هادئا يلقي كلماته كأنها نيازك تسقط من عل في ليل دامس لتشكل صورة إنبهر بها الجميع لهول الوقع بدا حزينا على غير العادة وقد أرخى ظفيرته على كتفيه.
كفارس أو فاتح  يطارد النحس الذي لحق بالأمة لعلها تستبشر بفرح قادم على أكف من نابوا عنا في رفع الضيم والذل الذي أراد البعض أن نغرق فيه بدون أجنحة إنقاذ . من باعوا حياتهم فداء لعيش كريم استرخصه بعض الخونة على طاولة التطبيع وهم يوقعون شيكا على بياض لصهيوني عنصري لاعهد له ولاميثاق .كلما اتيحت له الفرصة إلا ودك الأرض بمن فيها على أصحابها. يامن تتغنوا بفرح النصر فلكل جولة ثمن .
استمع إليه بإمعان و عيناه ذبلتان وكأنهما  تودعان فقيدا غادر للتو البيت . أعلم جيدا أن الموت فيهم لايحبط العزائم فبقدر حب الحياة يعشقون الشهادة . إنهم يعيشون من أجل قضية ووطن . تربوا منذ صغرهم على كل هذا وتوارثوه بينهم .بنوع من الجلد كالعادة استهل كلمته وكأنه يخط وصيته الأخيرة التي جاءت كلماتها قوية كما عهدته .كيف لا وهو الذي كلما انبرى ليقول شعرا إلا وجعله مطواعا ليبلغ به عنان السماء وكأنه وحي لأول وهلة ينزل ليضمد جراح الثكالى والأرامل ويبعث من جديد أملا في النفوس وشوقا  للحرية.لم يتفاعل مع هذه الكلمات رغم قوتها ونبرتها .بدا هادئا مترويا لعله يبلغ بقليل من الصمت والتوقف كذلك رسائل لمن يعنيهم الأمر. عشر دقائق وقليل من الوقت كافية  ليشحن كل الهمم. وانت تستمع إليه كأنه قائد ميداني يخط بذراعية مسارات التفوق في استراتيجية مركزة لتحقيق الإنتصار. تساءلت مع نفسي ماسر هذه الثقة بالنفس وقوة هذه الكلمات المترتبة بعناية فاقت قدرتها وقوتها ارتباكات بعض أشباه قادة حين يتلعثمون في تلاوة وثيقة إستقلال لم يحققوه وبجيوش اعتلاها الصدأ وركبها الفتور .
وأنا أستجمع قواي من أجل ضبط زمن ومعلومات كلمة قوية لم أقف سوى على بعض أفكار أساسية من بين كثيرها التي لايسع المجال لذكرها .من موقع مسؤوليته فقد قال مايمليه عليه ضميره ويعتبر كل من تخلى عن دوره  مجرم قاتل لأنه يعرض حياة الناس للخطر وأن الكيانات العنصرية  المؤسسة على عامل  الدين لوحده مآلها الزوال و الإندثار .
إن تحرير فلسطين كلها من البحر إلى النهر ممكن جدا في هذا الجيل الذي أبدع في وسائل الدفاع عن أرضه وليس بجيوش تشتري سلاحها من عدوها . بل بمقاومة شعبية مستمرة ومتراتمة. لاتشتري الحجر والصواريخ بل تؤلفه تأليفا إن شرط إستقلال السلاح شرط إستقلال الوطن والأرض لاتحرر بسلاح مرتهن.والسلطات تصبح حاكمة على موظفيها فقط .
إن الظلم خطر على الظالم أكثر مما هو خطر على المظلوم.
ومن عنده أكثر يخسرأكثروالقوي إن لم ينتصريهزم والضعيف إن لم ينهزم ينتصر. إن إسرائيل لم تنتصر انتصارا حاسما منذ 1967.ولم تحز أرضا منذ 55 سنة إلا ممن سالمها ووقع معها معاهدات. إن المقاومة بمفهومها المجرد هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني والتحرير ممكن تقربه المقاومة وتبعده المساومة والتطبيع والخيانة والديكتاتوريات.فكلما قال أحدهم : أن المقاومة عبثية. فقل له :أن الظلم هو العبثي .إذا جاء يوم التحرر فتذكر الأغاني وانس السياسة فالحروب تأتي وتذهب. هكذا كانت كلماته قوية تترك صدى لن يندثر . وأمام النصر المحقق صدقت نبوءة الشاعر بعدما أدلى بشهادته وكتب وصيته.