الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

الصادق بنعلال: حوار سياسي هادئ مع محمد الشرقاوي

الصادق بنعلال: حوار سياسي هادئ مع محمد الشرقاوي الصادق بنعلال
 
"لماذا تمعن الرباط في موقف تصعيدي، بدلا من اتباع دبلوماسية جدلية وتفاعلية تسعى لتقريب المواقف بدلا من تصلّبها مع برلين وغيرها، هكذا هي طبيعة الأزمات والصراعات: تبدأ بخلاف محدود ثم تتحوّل إلى ما يعتبره منظر الصراعات الممتدة إدوارد عازار بمفهوم Genesis of conflict أو نشأة الصراع": محمد الشرقاوي
فضلت أن أستهل هذا المقال الصحفي المخصص للأزمة القائمة بين المغرب وإسبانيا بمقطع قصير للكاتب المغربي المتميز الدكتور محمد الشرقاوي؛ أستاذ تسوية الصراعات الدولية وعضو لجنة خبراء الأمم المتحدة سابقا، وهذا المقطع مقتطف من مقاله الأخير " من ديبلوماسية الانفعال .. إلى ديبلوماسية الإنزال الجماهيري !" . ولا أخال أن الأخ الفاضل محمد الشرقاوي في حاجة إلى إطراء أو صوغ قصائد مدح تبرز كفاءته التربوية وتمكنه الاستثنائي من أدبيات الفكر السياسي العالمي والمنجز الفلسفي الكوني، بل إنني فخور بأن يكون للمغاربة مُنتِجٌ للفكر الرفيع والرؤية العلمية النقدية والتحليل الاستراتيجي العميق، من طراز الأستاذ الشرقاوي، لا بل إنني لا أتوانى في توشيح صدر صفحتي المتواضعة على الفيسبوك بمقالاته الجادة والمفيدة، تقديرا للمكانة السامية التي يحتلها في سياق نظرتي إلى الوطن والإنسان والحياة.
لكن وبعد هذه المقدمة غير الغزلية، لا بد مما ليس منه بد ، لا بد من التفاعل الصادق مع الأفكار والمواقف بروح عقلانية بعيدة عن التشنج والتخندق وراء دوغمائيات أيديولوجية ونعرات "قوموية" بائدة ، يحدونا الأمل في مساءلة الذات واستجلاء الواقع خدمة لمصالح المواطن المغربي أولا و .. أخيرا.
1 - بداية لا بد أن نتفق حول قضايا شبيهة بالمسلمات الرياضية، من قبيل أن بلدنا ضيع فرصا ومواعد مفصلية من أجل القطع مع المسلكيات السياسية منقضية الصلاحية، المتمثلة أساسا في التردد في الانتقال النهائي للديمقراطية المتعارف عليها دوليا، وبلورة حكومات سياسية مستقلة وقوية، تخرج من الاستحقاق الانتخابي الشفاف والحر، في تنافس شريف بين هيئات سياسة وطنية تحمل مشاريع مجتمعية مدققة، تكون مسؤولة عنها أمام نواب متعلمين من الشعب، كما أن المغرب لم يفلح في انتهاج إصلاح تنموي جذري يقضي على الريع والتمييز ويقف في وجه الفساد جملة وتفصيلا، ولم يشهد إعلاما رسميا وإلكترونيا عالي الجودة مضمونا وشكلا، مما جعل صحافة التشهير تسبح في أعراض الصحفيين الذين يسعون إلى الدفاع عن مغرب جديد مغرب الحرية والكرامة والعدالة ..
2 - لكننا في الآن عينه لا نرى الكأس المغربي فارغا بشكل مطلق ، هناك اجتهادات في الاقتصاد والسياسة والتنمية الاجتماعية رغم ضعفها ، هناك إقلاع ولو كان جزئيا في مجال الطاقات البديلة والبنيات التحتية الكبرى والصناعات الجديدة .. مقارنة بدول الإقليم النائمة في عسل "المقاومة والسرديات العسكرية". لا يفترض أن يغيب عن أذهاننا أن السياق الجغرافي المغربي بالغ السوء، هل هناك قطر واحد في العالم تعاديه دولة عسكرية بائدة عقودا من السنين، وتضرب عليه حصارا وإغلاقا أسطوريين على مدى مئات الكيلومترات؟ وجار شمالي أوروبي يمعن بشكل سافر وحاد في معاكسته لحقه المشروع في استكمال وحدته الترابية إعلاميا ودبلوماسيا وماديا .. ؟ ودولة في الجنوب تتواطأ مع العدو الشرقي في الإمعان في خنق المغرب بلا هوادة ؟ دون الحديث عن بعض الدول الغربية "الديمقراطية" التي أخافها النهوض المحتشم لدولة عربية إفريقية نامية؟
3 - لا أبرر الطريقة التي تعاطت بها الديبلوماسية المغربية إزاء التصرف الأهوج لإسبانيا وهي تستقبل زعيم الجبهة الانفصالية، ولا أتفق مع وزير الخارجية المغربي السيد ناصر بوريطة حول بعض التصريحات الانفعالية غير الملائمة، لكنني أتفهم بعدها السياقي، خاصة ما صدر عن المؤسسات الإعلامية الإسبانية "المستقلة" من نظرة استعمارية فوقية حافلة بالاتهامات والمزاعم المخالفة لكل الأعراف الدولية، عن أية أراضي إسبانية يسعى "الجار" الأوروبي للدفاع عنها "بكل الوسائل الممكنة" ؟ ومتى كانت سبتة ومليلية والجزر التابعة لهما أرضا إسبانية؟ إنها الغطرسة والشعور الزائد بالتفوق "العسكري والتنموي"، الذي أحرزته بفضل المساعدة الأورورية "الكريمة".
4 - كاتب هذه السطور عزيزي محمد الشرقاوي من مواليد مدينة طنجة المغربية، حيث يشاهد بالعين المجردة منذ عقود الثغور الإسبانية، وترعرع بين الوسائل الإعلامية الإيبيرية المسموعة والمرئية والورقية، التي تنفجر حقدا وعداء وظلما في حق المواطنين المغاربة البسطاء، وتنظر إليهم نظرة الاستصغار والدونية والوضاعة فقط لأنهم ضحايا سياسات مغربية غير موفقة. بقدر ما أننا ننتقد وسنظل ننتقد الأخطاء القاتلة الصادرة عن مسؤولين مغاربة، التي تعمق الوضع الاقتصادي والاجتماعي المأزوم، بقد ما أننا مطالبون و في الآن عينه بتوجيه نظرتنا إلى باقي الاتجاهات الإقليمية والدولية غير الودية، مع أطيب الأماني وأزكى .. التحيات أخي وصديقي الأستاذ المقتدر محمد الشرقاوي.
الصادق بنعلال، باحث مغربي في قضايا الفكر والسياسة