الأربعاء 8 مايو 2024
كتاب الرأي

عائشة واسمين: العدوان الإسرائيلي على غزة

عائشة واسمين: العدوان الإسرائيلي على غزة عائشة واسمين
تعود القضية الفلسطينية إلى الواجهة وتتصدر بقوة الاحداث العالمية، وذلك نتيجة الممارسات العنصرية التي تقوم بها إسرائيل تجاه جميع الفلسطينيين أكانوا ضمن مناطق فلسطين التاريخية التي تم ضمها بفعل القوة والتهجير القسري لمعظم سكانها منذ سنة 1948 أو كانوا ضمن الأراضي الفلسطينية التي ظلت -منذ احتلالها سنة 1967- تقاوم كل السياسات العدوانية والاستيطانية. ولعل اندلاع المواجهات الحالية بين القوات الاسرائيلية وفصائل المقاومة يأتي في سياق ازدياد المعاناة الفلسطينية من الانتهاكات الجسيمة المقترفة من قوات الاحتلال الإسرائيلي في حق آهالي القدس والاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى.  هكذا، اتسعت رقعة العدوان الإسرائيلي ووصلت إلى قطاع غزة حيث شنت إسرائيل غارات جوية مكثفة دون أدنى تمييز بين المواقع العسكرية والمدنية، في حين أطلقت المقاومة الفلسطينية وابلا من الصواريخ على المواقع الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة وإلى أبعد من ذلك. ولقد أربك صمود المقاومة الفلسطينية كل الحسابات الإسرائيلية، وكشف للعالم الوجه الحقيقي لإسرائيل وهو أنها دولة الابارتيد، تطبق نظام التمييز العنصري ليس فقط على فلسطينيي الضفة الغربية، وإنما أيضا على فلسطينيي 1948، الذين هم في حكم مواطنين إسرائيليين. لكن يتم استهدافهم من المتشددين الإسرائيليين الذين يتمتعون بحماية مطلقة من الشرطة الإسرائيلية. 
تردي الوضع الفلسطيني
جملة من المعطيات قرضت نفسها وأحدثت تغييرات كثيرة على مستوى إخراج القضية الفلسطينية من الزاوية التي تم ركنها فيها تدريجيا طيلة تقريبا عقدين من الزمن. وربما البداية كانت مع سلام أوسلو (1994) الذي تمت صياغته وتطبيقه حسب المنطق الإسرائيلي وتم تحييد جزء كبير من منظمة التحرير الفلسطينية التي تحولت إلى سلطة فلسطينية تدير شؤون الضفة الغربية وتقوم بدور الحارس الأمني لسلطة الاحتلال على المدن والبلدات الفلسطينية المحتلة. في انتظار حل الدولتين الذي طال ولم يتحقق، واصلت إسرائيل سياسة الاستيطان وصادرت الكثير من أراضي الضفة الغربية كي تبني المستوطنات وجدار الفصل الذي يطوق المناطق الفلسطينية ويجعلها منفصلة عن محيطها الطبيعي، مما ضاعف المعاناة اليومية للفلسطينيين.
هكذا، نجحت إسرائيل وكذا القوى العالمية المنحازة لها، إضافة إلى بعض الدول العربية في تهميش القضية الفلسطينية وإفراغها من محتواها النضالي وعزلها عن محيطها الشعبي العربي الإسلامي الداعم والمساند لها. طيلة أكثر من عقد لا سيما مع «ثورات الربيع العربي» التي اندلعت في وجه الأنظمة العربية الشمولية والتي انقلبت إلى كابوس لأغلبية الشعوب المنتفضة، وجدت إسرائيل فرصة لاستكمال مشاريعها الاستيطانية وللتحالف مع القوى العالمية وبعض القوى العربية للعمل من أجل تصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية وتذويبها من خلال صفقة القرن ومن خلال تسارع وتيرة التطبيع والسلام التي دخلت فيها دول عربية اعتقادا منها أنها ستضمن للفلسطينيين حلا عادلا لقضيتهم، لكنها جنت عليهم من حيث تزايد الغطرسة الإسرائيلية ومنح الاسرائيليين الحرية التامة لاستكمال المشاريع الاستيطانية والتضييق على الفلسطينيين إلى درجة تهجيرهم قسرا عن ديارهم. ولعل الذي حدث ويحدث في حي الشيخ جراح، يدل على المضي في تنفيذ مخططات تهويد القرس الشرقية وطرد الفلسطينيين منها وتسليم منازلهم إلى المستوطنين اليهود. إن الأهمية التي يحظى بها حي الشيخ جراح ترجع إلى موقع هذا الحي وقربه من باب العامود المؤدي إلى المسجد الأقصى. إذن وضع اليد على هذا الحي يمكن المتطرفون اليهود من السيطرة على منفذ هام للمسجد الأقصى، ومن تم السيطرة عليه.  فمنذ هزيمة يونيو 1967، لم تسلم الأماكن المقدسة من الاقتحامات المتكررة للمتطرفين تحت حماية قوات الاحتلال الإسرائيلي. فقط كان صمود آهل القدس يقف عقبة أمام سياسة الاحتلال وأدواته المتعددة الأوجه والأهداف. وما حدث في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، من اعتداءات متواصلة على المعتكفين داخل المسجد الأقصى من طرف قوات الاحتلال الإسرائيلي المدججين بالرصاص المطاطي وقنابل الغاز، يترجم الحقائق التي لا تريد إسرائيل أن يراها العالم أو لا يهمها ذلك لأنها لا تكترث بما سيصدر ضدها من إدانات للأفعال الاجرامية المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني والاعتداءات على حياته وسرقة ممتلكاته. 
إذا كانت إسرائيل تسمح لقواتها المسلحة وللمتشددين الصهاينة من مواطنيها بالقيام بكل الأعمال العدوانية وتفسح لهم المجال للتنكيل بالفلسطينيين والسطو على ممتلكاتهم دون أي محاسبة، لأنها تعرف ان لا دولة في محيطها الإقليمي أو الدولي تستطيع أن تواجهها أو تحتج على ما تقوم به من انتهاكات جسيمة في حق الفلسطينيين. لكن الذي لم يكن منتظرا هو دخول فصائل المقاومة المرابطة في قطاع غزة على الخط لتلبي نداء استغاثة أهالي القدس وتندر باستهداف المواقع الإسرائيلية إذا لم يتم الانسحاب من الأقصى وحي الجراح. 
بداية العدوان الإسرائيلي
جاء الرد الإسرائيلي سريعا بتوجيه ضربات جوية على أهداف في غزة مباشرة بعد إطلاق المقاومة الفلسطينية لصواريخ من غزة في اتجاه مدن وبلدات الكيان الاسرائيلي. هكذا اشتعلت نيران الحرب بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني وتميزت المواجهات العدوانية من الجانب الاسرائيلي بتكثيف الغارات الجوية على غزة واستهداف المباني السكنية المدنية بالدرجة الأولى والحصيلة تظهر ذلك من خلال عدد الضحايا الأطفال والنساء. بينما الجانب الفلسطيني في إطلاقه لمجموعات من الصواريخ، شكل مفاجأة كبرى للكيان الإسرائيلي وذلك من حيث القدرة على الوصول إلى المدن والبلدات الإسرائيلية، ولكن أيضا للعالم من حيث استطاعة غزة -وهي المحاصرة مند سنوات- الصمود والوقوف في وجه القوة العسكرية الإسرائيلية، معتمدة فقط على مواردها الذاتية.
بالرغم من عدم التكافؤ بين الطرفين، فإن القوة العسكرية التي كان يحسب لها ألف حساب وكانت لا تدخل حربا إلا وخرجت منها منتصرة ولعل الحروب العربية السابقة التي خاضتها إسرائيل وبفضل ما حققته من انتصارات خاطفة واحتلال للأراضي العربية، استطاعت لعقوة طويلة تغيير معالم منطقة الشرق الأوسط والتحكم فيها لدرجة أن بعض دول المنطقة سارعت إلى قبول السلام الإسرائيلي والخنوع للشروط الإسرائيلية. إذن الهزائم العربية المتكررة على أكثر من جبهة منذ سنة 1948، جعلت من إسرائيل أسطورة لا تهزم وأراضيها محصنة وبعيدة عن متناول الخصم، 
ليس هناك تكافؤ بين الطرفين بالرغم من أن أغلبية الدول تضعهما في نفس المرتبة وأكثر من ذلك تتحدث عن إسرائيل بصفة المعتدى عليها ومن حقها الدفاع عن نفسها بينما يجب على الفلسطينيين التوقف والاستكانة وضبط النفس. هذا التوصيف لمجريات الأحداث يأتي من منطق الانحياز التام لإسرائيل والتغاضي عما يتعرض له الفلسطينيون في الضفة الغربية التي تظل محتلة وتعبث فيها قوات الاحتلال كما تريد وحتى داخل مدن الخط الأخضر حيث يعيش فلسطينيو 1948 الذين من المفروض أنهم مواطنين إسرائيليين لكنهم يعانون الامرين: كونهم فلسطينيين وكونهم غير مرغوب فيهم، ولا سيما منذ انطلاق المواجهات الحالية، إلى جانب أنهم يتعرضون لهجوم شرس من المتشددين اليهود المدعومين من قوات الشرطة، لإجبارهم على الرحيل عن هذه المدن المختلطة التي تضم عربا ويهودا. سياسة الأرض المحروقة تمارس هناك موازاة مع إطلاق الصواريخ على المدن المتاخمة لقطاع غزة. زد على ذلك، استهداف المواقع المدنية بشكل همجي يخالف كل الأعراف والقوانين الإنسانية. ليس غريبا على إسرائيل أن تقتل المدنيين ولا تفرق بين طفل أو شيخ أو امرأة بل أنها تتعمد ذلك وكأنها تعتبر الكل مسلحا مادام يوجد في مدينة تراها عدوة لها، هل إسرائيل فوق القانون ولا أحد يستطيع كبع جماحها. 
ردود الافعال
قمة التواطؤ الرسمي العالمي بامتياز مع ما يجري من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. الكل يعيش لحطة بلحظة ما تقوم به قوات العدوان الاسرائيلي من استهداف ممنهج للمدنيين. قمة الحقد والانتقام والكراهية واللاإنسانية تسكن هذه القوات وهي مدججة بكل الأسلحة المتاحة لها، وكآن الإسرائيلي من كوكب آخر أو فوق البشر حين يتعامل مع الفلسطيني أو مع ما يرمز إلى الاصطفاف إلى الحق الفلسطيني. لا أحد يمكنه وهو يتابع ما يحدث من اعتداءات على أهالي حي الشيخ جراح وعربدة القوات الإسرائيلية وهي تواجههم بشتى الوسائل التي يندى لها الجبين الإنساني. بماذا يفكر الاسرائيلي كيفما كان موقعه وهو يشاهد ما تقوم به حكومته من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ومن انتهاكات متعمدة لكل الأعراف والقوانين الدولية الإنسانية؟ هل لأنه منزه ومتعالي وليس هناك قوة تردعه أم أن القوى العالمية الخفية تمنحه الحماية المطلقة لفعل ما يشاء ودون أدنى محاسبة؟
العالم يتابع تدمير الأبراج السكنية في غزة بشكل مكثف من طرف الغارات الجوية وإسرائيل تعلم علم اليقين أنها منشآت مدنية لا وجود لعسكريين فيها، ولكنها تواصل وتتمادى في استهداف وهي واعية بذلك وكل همها هو جعل رجال المقاومة يستسلمون إن لم يتم القضاء عليهم وإخراجهم من غزة. لذا الهجمات الهمجية التي طالت غزة ولم تستثن أي مكان وأي إنسان، تتباهي بها إسرائيل على أساس أنها الأقوى ولا أحد يستطيع ثنيها عن المضي في تنفيذ قراراتها الإجرامية في حق الشعب الفلسطيني.
ومع ذلك، تحرك الضمير العالمي من خلال مسيرات ووقفات جماهيرية في كل مكان بالرغم من المنع الذي طال البعض منها، ولكنها كانت تعبر في مجملها بأن الحق وعدالة القضية الفلسطينية لا جدال فيها وأن المجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي من خلال الغارات الجوية التي تشنها على المباني المدنية تنتهك كل أعراف ومبادئ القانون الدولي الإنساني ومنها مبدأ التمييز بين المدنيين والعسكريين، المنصوص عليه في كل اتفاقيات القانون الدولي الإنساني ومنها البروتوكولين المضافين (1977) إلى اتفاقيات جنيف لسنة 1949 التي  تنص على ضرورة التزام الأطراف المتنازعة على التمييز بين المقاتلين والمدنيين، ومنع استهداف العمليات العسكرية للمباني المدنية ومنع تدمير البنى التحتية الضرورية للمدنيين... هناك أيضا مبدأ التناسب بحيث يجب على الأطراف المتنازعة أن تحرص على تناسب الوسائل العسكرية مع الهدف الذي تسعى إلى بلوغه مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتفادي المعاناة الإنسانية وعدم إلحاق الضرر بالمدنيين وبالمنشآت المدنية. المحكمة الجناية الدولية ستكون جاهزة للنظر في الجرائم المرتكبة من طرف قوات الاحتلال الإسرائيلي، وستفتح ملفات عديدة لمساءلة إسرائيل عما ارتكبته من جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة وجرائم حرب في حق آهالي غزة، فهل ستتهرب من المسؤولية الجنائية كما تفعل أمام صمت المجتمع الدولي الذي يجد نفسه عاجزا عن ردعها؟ . 
 كعادته، لم يستطع مجلس الأمن إصدار أي قرار أو بيان يدعو طرفي النزاع إلى وقف إطلاق النار وإنهاء العمليات العسكرية المتبادلة وبالأخص التشديد على إسرائيل بعدم استهداف المدنيين ووقف جرائم الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في حق الفلسطينيين. يتبين أن الإدارة الأمريكية تقف وراء تعطيل أعمال مجلس الأمن وكأنها تريد منح الوقت الكافي لإسرائيل حتى تصل إلى أهدافها ومن بينها القضاء على قدرات وأسلحة المقاومة الفلسطينية وتدمير كل البنى التحتية في غزة ولو باستهداف المباني المدنية... وكأن هناك رهان على أن العقاب الجماعي لأهالي غزة سيضعف المقاومة الفلسطينية ويدفعها إلى الاستسلام. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا لا تتوجه الدول العربية والإسلامية إلى الجمعية العامة لاستصدار قرار لإيقاف العدوان الاسرائيلي على غزة؟
ولكن كيفما آلت إليه نهاية هذه الحرب، ستكون إسرائيل هي الخاسرة الأكبر لأن ما بعد هذه الحرب لن يكون كما كان قبلها: أوضاع داخلية تندر بالانفجار وبانقسام المجتمع الإسرائيلي المكون من جنسيات مختلفة والذي يهيمن عليه اليمين المتدين، وباستمرار الأزمة السياسية بأشكال جديدة ولن يستطيع نتنياهو استثمار إنجازاته العدوانية والبقاء طويلا في السلطة والهروب من العدالة. في كل الأحوال، ستظل المقاومة الفلسطينية قائمة وستعيد يوما ما الحق الفلسطيني. 
...يتبع...