الجمعة 29 مارس 2024
منبر أنفاس

عزيز لعويسي: جرعـات "خارج النــص"

عزيز لعويسي: جرعـات "خارج النــص" عزيز لعويسي

بعد أن أعطى جلالة الملك محمد السادس الانطلاقة الرسمية للحملة الوطنية للتلقيح، ارتفع منسوب الثقة والأمل في تخطي الأزمة الوبائية السائدة منذ ما يزيد عن السنة في أفق العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية بعد طول عناء، وازدادت جرعات التعبئة الجماعية والجاهزية والاستعداد والقابلية وسط فئات عريضة من المواطنين المغاربة، خاصة بعد أن تلقى جلالة الملك الجرعة الأولى من اللقاح المضاد لفيروس "كورونا المستجد"، وهي حملة أمل وضعت لها خارطة طريق وضوابط قانونية ومسطرية، تتحقق معها شروط الوضوح والشفافية والمسؤولية والانضباط والالتزام والعدالة والإنصاف، روعي في مرحلتها الأولى استهداف العاملين في الصفوف الأمامية في قطاعات الصحة والأمن والتعليم والفئات الهشة صحيا فوق 75 سنة، في انتظار الاستهداف التدريجي لباقي الفئات الاجتماعية، بشكل يضمن تحقيق المناعة الجماعية التي باتت تشكل البوابة الوحيدة للخروج من زجاجة أزمة الإمبراطور الصغير "كوفيد19" الذي مازال يبسط سلطته على العالم بدون كلل أو ملل.

 

وبقدر ما نثمن كل المجهودات الرسمية المبذولة على أكثر من مستوى في سبيل إنجاح هذه الحملة الوطنية واسعة النطاق وغير المسبوقة في تاريخ المغرب والعالم، بقدر ما ندين ما تخلل الحملة في أيامها الأولى من "خروقات" وممارسات "غير مواطنة" و"غير مسؤولة" حضرت فيها "المصلحة" و"الأنانية المفرطة" بعدما تم ضبط عدة حالات لأشخاص ثبت تلقيهم للجرعة الأولى للقاح دون أن تكون لهم الأحقية لذلك في هذه المرحلة الأولى، كما حدث في مدن تازة (ضبط 8 أشخاص بإحدى مراكز التلقيح،  استفادوا من الجرعة الأولى بالرغم من عدم توفرهم على الشروط الضرورية لتلقي اللقاح ضمن الفئة المستهدفة بعملية التلقيح في مرحلتها الأولى)، والصخيرات تمارة (استفادة أحد المنتخبين من عملية التلقيح ضد كورونا، رغم عدم توفره على الشروط الضرورية للاستفادة ضمن الفئات المستهدفة) والفداء - مرس السلطان (استفادة شخص من عملية التلقيح ضد كوفيد 19، بمقر عمالة مقاطعات الفداء - مرس السلطان، على الرغم من كونه خارج الفئات المستهدفة حاليا بحملة التلقيح) وبرشيد (ثبوت استفادة مسؤول أمني بالمنطقة الإقليمية للأمن بمدينة برشيد، من عملية التلقيح الخاص بوباء كوفيد-19 رغم عدم استيفائه لشرط السن المحدد من طرف السلطات المختصة).

 

وهي حالات من ضمن أخــرى، تعد امتـدادا لما يعتري ممارساتنا اليومية من مشاهد الأنانية والمصلحة والزبونيـة والمحسوبية والجشع وانعدام المسؤولية، واستغلال النفوذ والفوضوية والعبث والترامي الناعم على سلطة الحقوق والقانون، وتصرفات من هذا القبيل ترتقي إلى مستوى الجسامة والوقاحة والانحطاط، لأننا نعيـش أزمة صحية "غير مسبوقة" تقتضي التعاون والتعاضد والتضامن، واستحضار الصالح العام حرصا على الصحة العامة التي باتت مسؤولية فردية وجماعية، والالتزام والتقيد بما وضعته السلطات العمومية من تدابير تنظيمية وضوابط قانونية ومسطرية من أجل النجاح الجماعي في هذا الامتحان الشاق والعسيـر، والخروقات التي تم تسجيلها في عدد من مراكز التلقيح، لا تكـــرس فقط، منطق "باك صاحبي" و"أنا ومن بعدي الطوفان"، بل هي أيضا إصرارا على حرمان أشخاص من أحقيتهم في تلقي اللقاح خاصة من ذوي الفئات الهشة صحيا فوق 75 سنة وهم أحوج به من غيرهم، بكل ما لذلك من تعريض لحياة أشخاص للخطر، وضربا في الصميم لكل المجهودات التي بذلك منذ أشهر، والتي مكنت المغرب من التموقع الجيد فيما يتعلق بالتزود باللقاح في مجال عالمي لا يخلو من المصلحة والأنانية والمضاربات.

 

ما حدث وما قد يحدث من حالات مشابهة، يختبر قدرات الدولة ومصالحها على التدبير الجيد والنزاهة والشفافية وتطبيق سلطة القانون، ويختبر مدى قدرات الأفراد والجماعات على الانضباط والالتزام والمسؤولية واستحضار المصلحة العامة، ولا خيار لكسب رهانات هذه الحملة الوطنية "غير المسبوقة''، إلا بالتطبيق الأمثل للقانون والتحلي بما تقتضيه المرحلة المقلقة من "مواطنة حقة'' وما يرتبط بها من مسؤولية وانضباط والتزام واتزان، ولا يمكن إلا أن نثمن ما اتخذته  الجهات المعنية بالمخالفات المرتكبة (وزارة الداخلية، ولاية جهة "الرباط سلا القنيطرة"، ولاية جهة "الدار البيضاء سطات"، المديرية العامة للأمن الوطني) من تدابير وإجراءات تأديبيـة وقانونية في مواجهة الأشخاص الذين ثبت إخلالهم بما وضعته السلطات العمومية من مساطر ذات صلة بحملة التلقيــح، وهذه التدخلات من شأنها أن تقطــع الطريق أمام الممارسات "غير المواطنة" الصادرة عن بعض المسؤولين الذين يفترض أن يتقيدوا بالضوابط ويلتزموا بسلطة القانون في ظل جائحة عالمية لا تقبل بالعابثين والمتهورين وقناصي الفرص، وعليه، فبقدر ما تحضر الممارسات الغارقة في الأنانية والانتهازية والوصولية، بقدر ما نراهن على التطبيق السليم للقانون والتقيد الصارم بما رسم لهذه الحملة من تدابير وإجراءات حرصا على الصحة العامة التي لا يمكن قطعا العبث بها أو المساس بها.

 

"صحة عامة" جعلها الملك محمد السادس أولوية الأولويات، استحضارا لما بذلته المؤسسة الملكية من تدابير وما اتخذته من قرارات منذ تسجيل أول حالة إصابة بالوباء على المستوى الوطني، انتهت بالإعلان عن حملة وطنية للتلقيح واسعة النطاق تشمل بشكل مجاني كل المواطنين المغاربة والأجانب فوق 17 سنـة، ولابد أن نكون أفرادا وجماعات في مستوى هذه الحملة الوطنية "غير المسبوقة''، ونرى أن الفرصة مواتية لنعبر عن مواطنتنا بالالتـزام والانضباط ونكران الذات واستحضار المصلحة العامة، وبالإقبال المسؤول على التلقيح حرصا على الصحة العامة، لنكسب معا وسويا كدولة ومجتمع وأفراد، رهان "المناعة الجماعية" التي باتت السبيل الوحيد والأوحد للتحكم في الوباء والحد من تفشي العــدوى، في أفق العودة المأمولة للحياة الطبيعية، على أمل تكون الحالات المسجلة لحد الآن، مجرد حالات معزولة، لا يمكن أن تحجب عنا شمس الأمل في أن تمر الحملة في أجواء مسؤولة ومواطنة، لا صوت يعلو فيها على صوت الوطن، على أمل أن تكون جميــع "الجرعات المليونية" داخل النص...