الأربعاء 17 إبريل 2024
كتاب الرأي

لحسن حبيبو: الوجود اليهودي بين الهوية التاريخية والتعايش الاستيطاني والمجالي والثقافي بالمغرب

لحسن حبيبو: الوجود اليهودي بين الهوية التاريخية والتعايش الاستيطاني والمجالي والثقافي بالمغرب لحسن حبيبو
المتتبع لمسار الدراسات التاريخية حول الوجود اليهودي بالمغرب، يلاحظ هذا الزخم  من  الدراسات التي تناولت بالدراسة والتحليل خصوصيات الهوية التاريخية لليهود بأرض المغرب، ومحدداتها البنيوية في أبعادها اللغوية والاجتماعية والاقتصادية والتراثية.. حيث تتقاطع عناصر هذه الدراسات مع تاريخ الإنسان واللاتينية والميثولوجيا والاركيولوجيا والسيميائية وعلم الاجتماع.. وبناء عليه، فإن المخيال الاجتماعي اليهودي يتحدد عبر تصورات ورموز ودلالات ومعايير وقيم… قد يمتد على طول أزمنة متفاعلة مع سياقات ثقافية أخرى، أو من خلال شريط تاريخي من التعايش مع أجناس استوطنت المغرب او عبر التلاقح الحضاري مع حضارات عريقة تقاسمت معها المجال الجغرافي، إما على شكل استعمار أو غزو أو نزوح جماعي او تجاري، مما أكسب العنصر اليهودي هويته المحلية. ولعل هذا ما أشار إليه لفي شمعون، في مضمار دراسته حول التاريخ والحضارة اليهودية المغربية، حين أعلن عن انتسابه (للهوية اليهودية والمغربية في آن معا...).
 
إن حياة اليهود بأرض المغرب، ساهم في تشكلها عناصر ثقافية أخرى، قامت بإرساء وبلورة حضارة تعايشية طيلة أزمنة الحضارة العربية الإسلامية، وبتزامن مع أنساق الزمن الفينيقي والروماني، مرورا بالدول المتعاقبة على حكم المغرب ابتداء من الادارسة..... وانتهاء بالحضور القوي لليهود إبان الحماية الفرنسية وما تلاها من تدخل المخابرات الصهيونية في عملية التهجير الجماعي إلى أرض الميعاد حسب تعبيرهم.. وهذا ما يجعلنا بالضرورة نتوجه نحو التأصيل التاريخي والجغرافي للعنصر اليهودي بالمغرب بكل تمظهراته التاريخية والتراثية ،ونقصد بالتراث (المخزون النفسي عند الجماهير)، حسب حسن حنفي. ووفق رؤية منهجية شمولية ، تؤطر دراستنا نحو بناء أفق نظري ،تنتظم فيه الاحداث والوقائع والعلاقات ،في مشهد تاريخي يتسم بالتعايش وحسن الجوار...
 
ويرجع أصل اليهود إلى الجد الأكبر إبراهيم، ومن بعده إسحاق ويعقوب وأولاده الإثنى عشر، وهم من الأعراف السامية التي استقرت بشبه الجزيرة العربية، ومنهم بنو إسرائيل الذين استقروا بمصر القديمة، وانتقلوا إلى صحراء سينا، وقد عرفوا بالعبرانيين، وذلك لانتسابهم إلى أبيهم ابراهيم الذي عبر النهر الى آشور... وينقسم اليهود بالمغرب إلى قسمين:
الطشاييم وهم الذين سكنوا المغرب قبل الفتح الإسلامي العربي، بعدما سلبت القدس من طرف نيتوس عام 70 قبل الميلاد، مارسوا التجارة مع القرطاجيين، بحيث استطاعوا بحنكتهم وبراعتهم في مجال التجارة وصناعة الذهب والحلي إلى  تكوين شبه إمارات أو مماليك بالمغرب والجزائر، فكانت سجلماسة من أشهرها نفوذا، وأقدمها مجالا، وأوفرها حظا، من حيث سلطتها الاقتصادية، ومكانتها المرموقة كأعلى هرم في السلك الاجتماعي مقارنة بباقي الأجناس الأخرى كالامازيغ....أما الثانية فتشكلت في منطقة الأوراش بالجزائر، والتي حكمتها الملكة ديهية الكاهنة التي قاومت الغزو العربي الإسلامي طيلة اربع سنوات الا ان قتلت في المعركة...فهم (المغوراشيم)  وبالعبرية (المطارد) أي الذين طردوا من إسبانيا والبرتغال من طرف فرناندو وإيزابيلا عام 1492،بعد سقوط آخر إمارة عربية إسلامية بغرناطة، وبهذا فإن يهود جبل طارق وسبتة ومليلية هم أحفاد المطرودين من إسبانيا والبرتغال، وقد استوطنوا بالمدن الكبرى، وفي أحياء منعزلة تسمى بالملاحات، مارسوا أنشطتهم الدينية والعقائدية والاقتصادية بأريحية وحرية، مستفيدين من التعايش التاريخي الذي طبع الحياة اليهودية بالمغرب منذ القدم، إذ منحتهم سمة اهل الذمة المكانة المحترمة، والاستقلالية النسبية في تدبير شؤونهم الخاصة تحت السلطة المخزنية ووفق ما تنص عليه المعاملات التجارية والجبائية، وايضا مساهمتهم ومشاركتهم الأساسية في تدبير دوليب الحكم والشأن السياسي للدولة المركزية.... 

 
وتجدر الإشارة  إلى حرية الحركة والتواصل الكبرى التي ميزت آنذاك عالم البحر الأبيض المتوسط، وميزت وحدته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وهي ظواهر مثيرة للاشياء، وتفسر إلى حد ما الاستقلالية الكاملة التي كانت  تتمتع بها اليهودية بالمغرب...