الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد بوبكري: في لا وطنية الأبواق القومجية والإسلاموية للقوى التوسعية في المغرب

محمد بوبكري: في لا وطنية الأبواق القومجية والإسلاموية للقوى التوسعية في المغرب محمد بوبكري
لقد كتبت، مؤخرا، مجموعة من المقالات القصيرة أدافع فيها عن الوحدة الترابية لوطني الذي يتعرض لهجومات إعلامية من قبل جنرالات الجزائر وحكام كل من تركيا وإيران الذين يطمحون إلى إقامة إمبراطوريات توسعية في كل من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحتى في أفريقيا ذاتها، حيث يقومون بتمويل جماعات إسلاموية متعددة داخل المغرب لترويج دعاياتهم التي تستهدف الوحدة الترابية للمغرب بهدف إضعافه لأنه يشكل عرقلة في وجه إقامتهم لمشاريعهم التوسعية الوهمية. وجدير بالذكر أن هؤلاء الحكام لا يفكرون، ولا يعرفون العالم الذي نعيش فيه اليوم، كما أنهم لا يتعظون من دروس التاريخ القريب، ما يعني أنهم يبحثون عن الانتحار وجلب الويلات لبلدانهم وشعوبهم. ولقد وجهت في هذه المقالات القصيرة نقدا إلى جماعات الإسلام السياسي بالمغرب التي تحولت إلى أدوات يحركها هؤلاء الحكام المأخوذون بوهم الفكر التوسعي، فصارت موالية لهم ومعادية لوطنها، فاعتبرت موالاتها هذه خيانة للوطن وحكمت على دعايتها ضد المغرب بكونها لا وطنية. وبعد تتبع صديقي الشاب يوسف لهذه المقالات، طرح علي السؤال التالي: من هو الوطني في نظرك؟، فقررت أن أكتب هذا المقال القصير.
الوطني هو من يحب وطنه، ويذود عن حدوده، كما أنه هو من يؤمن بالمواطنة، ويعترف بتاريخ وطنه ومكوناته وثقافتها، حيث يعترف بالآخر الذي يعيش معه في نفس الوطن، باعتباره فردا مواطنا، بدون إيلاء أي اعتبار لدينه، أو لونه، أو عرقه. لكن جماعات الإسلام السياسي لا تؤمن بالوطن، بل إنها تؤمن بالطائفة بدل الوطن، وتضعها فوقه، حيث يقول أبوها الروحي حاليا السيد يوسف القرضاوي في كتابه "ملامح المجتمع المسلم": "دار الإسلام ليس لها وطن، ولا رقعة محددة". هكذا، فإن هذه الجماعات لا تؤمن بالوطن، لأن منظريها من جماعات الإخوان المسلمين حرفوا الإسلام واتخذوه أداة لضرب الوطن. ولا يعود ذلك إلى الإسلام في حد ذاته، وإنما إلى أن أصول فكر هذه الجماعات ضاربة عميقا في جذور الفكر التقليدي للقبيلة في الجزيرة العربية، التي لا تعترف بالوطن، لأن وجود الوطن يستوجب اختفاء كل من الطائفة والقبيلة فكرا وتنظيما وسلطة. كما أن هوس شيوخ هذه الجماعات بالسلطة قد دفع بهم إلى ارتداء لباس الدين، ما جعلهم يتخوفون من الوطن، حيث يعتقدون أن الوطن قد يحل محل الدين، فأصبح وعيهم مشوها إلى درجة أنهم وضعوا تقابلا بين الوطن والدين، فصار الوطن في وعيهم الشقي منافسا للدين. وهذه هي قمة البلادة، حيث نجد في كل الدول العظمى اليوم أن شعوبها تدين بديانات مختلفة، ولا يوجد بها رجل دين، أو حاكم، أو مواطن فرد يعتقد أن مفهوم الله يتعارض مع مفهوم الوطن، وذلك رغم أن هذه المجتمعات تعج بالمفكرين والعلماء والأدباء والفنانين...
كما تضرب جماعات الإسلام السياسي مفهوم المواطنة التي تقوم على المساواة بين أبناء الوطن الواحد بدون إيلاء اعتبار لدينهم أو وعرقهم، أو لونهم، أو جنسهم، أو انتمائهم الاجتماعي. وقد زاد شيخهم الكبير حاليا يوسف القرضاوي الطين بلة حين قال في كتابه سالف الذكر "إن المواطنة هي رابطة التراب والطين"، ما يعني أنه يعتبر الوطن هامشيا بدون أية قيمة في المنظومة الفكرية لجماعات الإخوان المسلمين، كما أنه يحمل مفهوما مشوها لمفهوم المواطنة، حيث كان حريا به أن يقدم تعريفا يحدد الحقوق والواجبات والعلاقات بين المواطنين، وهو ما لم يفعله. إنه يدعي امتلاك الحقيقة ويكفر الآخرين المختلفين معه، حيث يستعمل لغة الأمر مع "المسلمين" الذين يحاول فرض وصاية جماعات الإخوان المسلمين عليهم. وبذلك، فهو ينسف مفهوم المواطنة كما هو متواضع عليه كونيا، ما يكشف عن رغبته في تحويل المسلمين إلى مجرد قطعان في ملكية جماعات الإخوان المسلمين بمختلف تسمياتهم...
هكذا، فإن هذه الجماعات لا تعترف بالوطن، ولا بالفرد، ولا بالمواطن، ولا بكل من هو خارج طائفتها، ما يعني أنها لا تعترف حتى بالأفراد الذين ينتمون إلى طوائف إسلامية أو الذين يدينون بديانات أخرى. تبعا لذلك، فهي جماعات استبدادية متسلطة لا تؤمن بأي قيمة إنسانية حضارية، ما يجعلها خارج التاريخ، لأن ما يهمها في هذه الحياة هو العشب، أي المال الذي حولها إلى عبد في يد مالكيها خارج الوطن.
وما دامت جماعات الإسلام السياسي في المغرب منخرطة في الدعاية التوسعية لحكام إيران وتركيا والجزائر ضد المغرب، فإنها لا تؤمن بوطنها ووحدته، بل إنها تناهض كل من يذود عن حدوده. ولقد دفعني سلوكها هذا إلى عقد مقارنة بينها وبين حاخامات الجالية اليهودية بالمهجر، فوجدتُ أن هؤلاء الحاخامات لم يوظفوا ديانتهم ضد المغرب، فأبانوا عمليا عن وطنية صادقة عبر تعبيرهم عن عشقهم لوطنهم الأصلي، وعدم ادخارهم أي جهد للدفاع عنه، كما أنهم يدافعون عن وحدته الترابية في بلاد المهجر. وهذا ما جعلني أستخلص أنهم "وطنيون كبار"، وأن شيوخ جماعات الإسلام السياسي "لا وطنيون"، لأنهم باعوا ضميرهم وتحولوا إلى أدوات تعمل لصالح القوى التوسعية التي تسعى إلى استنزافه وإضعافه خدمة لتوسعها على حساب الوحدة الترابية للمغرب..
أما أصحاب النزعة القومية، فهم امتداد لفكر البداوة، ونزعتهم عرقية لا تؤمن بالمدينة وإنما بالقبيلة. ومن لا يعترف بالمدينة، لا يعترف بالوطن. وبما أن البداوة انغلاق والمدينة انفتاح وتفاعل، ما يعني أن المدينة تطور والقبيلة جمود، وما دامت المدينة انفتاحا وتفاعلا، والقبيلة جمود وتكلس، فإنَّ هذه النزعة لا تعترف بالآخر الذي يعيش معها في نفس الوطن. وهذا ما جعلها تؤمن بالعرق القبلي العربي وثقافة البداوة وحدهما دون غيرهما من الأعراق والثقافات الأخرى.
وعندما نتأمل في أدبيات المنظرين القومجيين العرب وفي ممارساتهم السياسية، نجد أنهم يطمحون إلى بناء قوة سياسية محلية قوية التي ستشكل قاعدة تساعد على هيمنتها على العالم كله. لذلك، فإن هؤلاء القومجيين لا يؤمنون بالوطن، بل بالقبيلة، أي بعرقهم الذي يحلم بالهيمنة على محيطها، ومن ثمة تنتقل إلى بسط سيطرتها على العالم. هكذا، فإن الفكر القومجي لا يؤمن بالوطن بل إنه توسعي ينطلق من القبيلة إلى السيطرة على العالم. وبالتالي، فهو لا يومن بالوطن وإنما بالقبيلة التي هي عرقه، ما جعله تيارا عنصريا منبوذا من قبل الجميع. كما أنه لا يعترف بتاريخ وطنه وثقافاته المتعددة، ما جعله لا يؤمن بالمواطنة، لأنه لا ينظر إلى غير العربي بكونه مواطنا مثله، لأنه يعتبر نفسه أعلى درجة من غير العرب، حيث إن ذهنيته تقصي غير العربي ولا تعترف به.
لقد شاءت الظروف التاريخية أن تشترك جماعات الإسلام السياسي، وجماعات القوميين العرب في الطائفة والقبيلة والبداوة حتى أصبحت كل واحدة منهما تجمع بين هذه العناصر جميعها. وهذا ما جعلها لا تؤمن بالوطن، ولا بالمواطنة، فصارت تغني مع السرب الأجنبي التوسعي ضد الوطن. هذا السرب الذي يدفع في اتجاه استمرار ما يسميه بـ" أزمة الصحراء" بغية استنزاف المغرب وإضعافه حتى يتحول إلى لقمة سائغة في فم الذئاب التوسعية، لكن أنى لها ذلك.