الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد بوبكري: في شجب موقف أحمد الريسوني و"حركة التوحيد والإصلاح" المعادي للوطن 

محمد بوبكري: في شجب موقف أحمد الريسوني و"حركة التوحيد والإصلاح" المعادي للوطن  محمد بوبكري
لقد أصدرت "حركة التوحيد والإصلاح" الجناح الدعوي لـ "حزب العدالة والتنمية" بيانا تزايد فيه على الدولة والشعب المغربيين، وتعبر فيه عن خروجها عن الإجماع الوطني حول الوطن. وبعد تأملي في المصرح به والمسكوت عنه في هذا البيان، قررت إبداء الملاحظات الآتية:
ـ إن هذه الحركة هي تنظيم سياسي كان الهدف من وراء تأسيسه في الأصل هو السطو على السلطة في المغرب، حيث مارس مؤسسوها التقية منذ تأسيسه. لقد فكر السيد أحمد الريسوني وجماعته في البداية أن يؤسسوا جمعية وليس حزبا، حتى يتجنبوا ارتكاب الخطأ الذي سقطت فيه أمهم "جماعة الإخوان المسلمين" التي أرضعتهم وما تزال ترضعهم حليبها الغثاء، وفشلت في الاستيلاء على السلطة في مصر ، حيث يقول السيد الريسوني: " إن المجال فسيح أمام الحركة الإسلامية ودعاتها وعمالها في أن تحقق الكثير من أهدافها ومن أحكام دينها ومن إصلاح مجتمعها، من غير أن تقيم دولة ومن غير أن تمتلك سلطة، وذلك من خلال العمل في صفوف الأمة ومن خلال بناء الأمة"، ويضيف إلى ذلك أن الامتحان الكبير الذي على "العلماء" وطلائع العمل الإسلامي أن يخوضوه وينجحوا فيه هو "تفعيل طاقات الأمة في جميع الاتجاهات، أي الوصول إلى التحكم في الاشتغال الآلي للمجتمع المدني".
ومادام السيد الريسوني مقتنعا بأن جماعات الإسلام السياسي عاجزة اليوم عن الاستيلاء على السلطة، فهو يرى أن عليها أن تركز عملها على تفعيل المجتمع المدني من أجل تحقيق أهدافها في الإصلاح، وصولا إلى السطو على السلطة. لذلك، فلا شك أن السيد الريسوني وحركته وحزبه يؤجلون المطالبة بقيام الدولة الإسلامية لمرحلة لاحقة ريثما يتمكنوا، وتكتمل العدة لذلك وتتحقق الشروط التي تمكن من قيامها، حيث يقول:
"إن الدولة الإسلامية أو الحكم الإسلامي هي عروة من عرى الإسلام، وحصن حصين للحياة الإسلامية والمجتمع الإسلامي. ولذلك فإن الانشغال بأمر إقامتها وبذل الجهود والتضحيات في سبيلها أمر مشروع ومعتبر".
وما يتناساه السيد أحمد الريسوني وحزبه وحركته الدعوية هو أن مفهوم الدولة الإسلامية كما تتصوره جماعات الإسلام السياسي في منطقتنا، وكما أكدته التجربة في مختلف البلدان، يتناقض كليا مع مبادئ الإسلام وروحانياته وقيمه الأخلاقية، لأن مفهوم الدولة الحديثة صاحبة الحدود الجغرافية المحددة للسيادة وصاحبة المواطنة والجنسية المنحصرة داخلها، تأسست بموجب اتفاقية ويستفاليا عام 1648، وهي دولة تستمد سلطتها من إرادة الشعب وحقوق المواطنة. كما أنها هي بنيويا مؤسسة مسؤولة عن حماية الحقوق وتوفير المناخ الملائم لتحقيق الرفاهية. وتعد الأرض وخيراتها والوحدة الوطنية من أقدس مقدسات الدولة الوطنية'".
أما الدولة الإسلامية فإن غرضها الرئيس هو التسلط على الشعب وضرب حرياته والتحكم فيه، والسطو على خيراته.... كما أنها لا تلتزم فقط بحدود الوطن (الأرض)، لأنها عابرة للحدود والقارات، فكما يقول سيد قطب: "لا رابطة سوى العقيدة، ولا قبول لرابطة الجنس والأرض واللون والوطن والمصالح الأرضية والحدود الإقليمية، إن هي إلا أصنام تعبد من دون الله". وقد ذهب يوسف القرضاوي في هذا الاتجاه معتبرا أن الأرض خليط بين الطين والتراب. وبذلك، فهو لا يؤمن بالوطن، الأمر الذي تأثرت بها جماعة الإسلام السياسي في المغرب.
تبعا لذلك، فإن جماعات الإسلام السياسي لا تقر بأن النبي (ص) قد ُبعث ليتمم مكارم الأخلاق. ومن ثمة، فهي لا تعير أدنى اهتمام للارتقاء بسلوك الإنسان في مراقي الفضائل الأخلاقية من صدق وأمانة ووفاء بالعهد ومعاملة حسنة للأحياء والأشياء والطبيعة، كما أنها لا تعمل على انحياز الإنسان لقيم العدل والحرية والإخاء والمساواة، ولا تدعوه إلى الأخذ بيد الفقراء والمستضعفين ومساعدتهم. وبذلك، فهي لا تفعل شيئا من أجل استنهاض ضمير الإنسان لكل ما هو خير وجميل ونافع للبشرية...
وإذا كان ولاء المواطن في الدولة الحديثة لوطنه، فإن جماعات الإسلام السياسي تريد أن يكون ولاء الإنسان لجماعاتها، إذ تضع الجماعة، أو الطائفة، فوق الوطن. ويؤكد علماء الأنثروبولوجيا أن هذه الخاصية متجذرة في عقلية المجتمعات البدائية، ولا علاقة لها بمنطق العصر، بل تتعارض معه.
ولهذه الأسباب وغيرها، تكون الدولة الإسلامية "مستحيلة"، ما يعني أن فكر الريسوني وحركته، يظل غير كاف لإخراج حركته وحزبه ومختلف جماعات الإسلام السياسي من مأزقهم التاريخي. فهو وحركته عاجزان عن إدراك أن دور الإسلام، كما هو الشأن بالنسبة لجميع الأديان، يجب أن ينحصر في دائرة الارتقاء بالإنسان أخلاقيا، حيث إن هذه الجماعات لا تتوقف عن نهب أموال الجماعات المحلية، ما جعل ملفات الفساد المالي لبعض أعضاء هذه الجماعات معروضة أمام مختلف المحاكم المغربية المختصة.
ـ تدعي "حركة الإصلاح والتوحيد" أنها حركة دعوية تربوية، ولكن عندما نتأمل في عملها وطبيعة دعوتها، نجد أنها منخرطة حتى النخاع في تنظيم الإخوان المسلمين، كما أنها منغلقة على نفسها وتكره الفرد والآخر وترفض الاستفادة من علوم العصر وفنونه، ما يجعلها خارج التاريخ، ولا يمكن أن تساهم في انخراط مجتمعنا في المستقبل. أضف إلى ذلك أنها تحارب الفكر والإبداع والخيال ولا تعمل إلا على تعميق جمود الدين رغم انفتاحه ونفسه الحيوي... فضلا عن ذلك، فهي تكرس الجهل الممأسس والبنيوي الذي كان وراء تخلف المجتمعات الإسلامية، وحولها إلى مرتع خصب للعنف والاقتتال وتفتيت الأوطان، كما يؤكد ذلك المرحوم الأستاذ محمد أركون.
ـ إن هذه الحركة تكره الديانات الأخرى وترغب في زوالها. وهذا موقف فاشستي يتعارض مع نص القرآن الكريم الذي يعترف بالديانات السماوية الأخرى وبأنبيائها... وإذا كان القرآن يتميز بنزعة إنسانية عميقة، إذ هو نص منفتح ومفتوح يشرع للتعدد ويرفض إقصاء الآخر، لأن في ذلك اعتداء عليه مع سبق الإصرار، فإن تفكير هذه الحركة وأمها "جماعة الإخوان المسلمين" يدعي أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، رغم أن عالم اليوم يسبح في حوض النسبية، كما أنه فكر يريد السطو على صفة الكمال التي لا يتصف بها إلا الله وحده، ما يسقطهم في الشرك... وقد يؤدي كل ذلك إلى رفض العالم للمسلمين والسخرية منهم. وهذا ما سيتسبب في عزلتنا، وربما زوالنا من هذه الحياة.
تبعا لذلك، فالريسوني وحركته وجماعات الإسلام السياسي لا يعون أي جحيم يرغبون في دفع المسلمين للسير نحوه، علما بأنهم لا يمتلكون أية قوة لدفع أدنى شر عن المسلمين، لأنهم يمارسون السياسة بالجهل، ما يجعل كل تجاربهم التاريخية فاشلة.
إن الريسوني وحركته مرتبطان بجماعة الإخوان المسلمين التي تساند بدورها فرعها "حماس" في قطاع غزة. ويؤكد المؤرخون أن إسرائيل هي التي أسست حركة "حماس"، كما أن كرومر الحاكم البريطاني لمصر هو الذي دعم تأسيس "جماعة الإخوان المسلمين". لقد خانت هذه الجماعة الشعب الفلسطيني، عند أقدمت على التفاوض باسمه وضد إرادته، عندما كانت في السلطة في مصر. وما تسعى إليه هذه الأخيرة اليوم هو أنها تريد أن تكون طرفا في أي حوار حول السلام في الشرق الأوسط حتى تنال اعتراف المحيط الدولي وتصل إلى السلطة من جديد في مصر وفي بلدان أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إضافة إلى ذلك، فقد صار معلوما أن "حماس" مرتبطة بإيران وحزب الله، ما يفيد أن إيران تريد أن تستعملها ورقة لحل مشاكلها مع الغرب، وفك العزلة المضروبة عليها دوليا.
هكذا، فالسيد الريسوني وحركته أصبحا دميتين في يد إيران بعدما انقطع أغلب الدعم المالي الخليجي عنها. ومن المحتمل جدا أن يكون قد تم تعويض ذلك بدعم مالي إيراني وتركي.
وما لا يعيه أحمد الريسوني وحركته هو أن جشعهما اللاديني هو ما جعلهما ينخرطان في مؤامرة ضد الوطن، حيث صار معلوما أن إيران تدعم الانفصال في الصحراء المغربية عن طريق حزب الله. لذلك، يعد موقف الريسوني و"حركة التوحيد والإصلاح" انخراطا في العمالة لإيران، ما يشكل خيانة كبرى للوطن. إنه الضلال والعماء والتضليل...
- تبعا لذلك، فالريسوني وحركته يمارسان السياسة بالجهل، لأنهما لا يعيان أن إيران وتركيا تبحثان عن الريادة في منطقة الشرق الأوسط. وإذا كانت إيران تريد توظيف جماعات الإسلام السياسي لحل مشاكلها مع العالم، فإن تركيا تفعل الشيء نفسه بحثا عن الريادة إقليميا...
ونظرا للنضج السياسي للمغرب وما بذله من مجهودات إيجابية في جميع الاتجاهات والقارات، فقد أصبح محط ثقة بالنسبة لأغلب دول العالم وعلى رأسها القوى العظمى، ما جعله مؤهلا لتنظيم حوار السلام بين الفلسطينيين ودولة إسرائيل. لذلك، فمن الغريب أن يساند الريسوني و"حركة " التوحيد والإصلاح" دولا أجنبية لتحتل الريادة في المنطقة ضدا على مصلحة المغرب وإرادته، ما يشكل خدمة لضباط الجيش الجزائري ومرتزقة البوليساريو الذين يعلنون كراهيتهم للمغرب.
وللتدليل على ما أقول، فقد حاولت "حركة التوحيد والإصلاح أن تشير في بيان مكتبها إلى تشبثها الشكلي بمغربية الصحراء المغربية، علما بأن مضمون البيان والمسكوت عنه فيه يسير عكس ذلك، لأنه لم يتضمن أي إشارة لاعتراف العالم بمغربية الصحراء المغربية، كما لم يشر بالتفصيل إلى حكمة الدولة المغربية وكفاءتها العالية وما بذلته من مجهودات جبارة في تدبير علاقاتنا مع العالم للحصول على احترامه برمته تمهيدا لإحراز ذلك النصر. لذلك، ألا يعلم الريسوني وحركته أن المغرب بدون صحرائه لكن يكون مغربا قويا؟! فلماذا سقط هو وحركته هذه السقطة؟! أليس من أجل المال الخليجي والتركي والإيراني فعلا ذلك ضدا على إرادة الوطن؟!
وإذا كان السيد الريسوني وحركته يحقدان على اليهود المغاربة ويرغبان في تجريدهما من الجنسية المغربية، فإن المغرب شعبا ودولة يفتخر باليهود المغاربة في المهجر، وستظل إدارته رهن إشارتهم أينما كانوا لقضاء أغراضهم الإدارية وتسهيل سفرهم إلى المغرب ومنه والعمل معهم لجلب استثمارات دولية إلى بلادنا. كما أن هؤلاء اليهود المغاربة هم ساسة وعلماء وفنانون وأدباء ومفكرون ورجال أعمال... ونحن سعداء بأنهم يحبون المغرب ويخدمون مصالحه في بلدان المهجر... وبذلك فهم ثروة تضاف إلى الرأسمال المادي والرمزي للمغرب.
- إذا كان معلوما أن "حركة الإصلاح والتوحيد" تابعة كليا لحزب العدالة والتنمية، ولا يمكن أن تستقل عنه في موقفها الأخير هذا بدون ضوء أخضر من بعض قيادييه، وإذا كانت زعامة هذا الحزب قد أصدرت بيانا مناقضا في الظاهر لبيان هذه "الحركة"، فإن المغاربة ينتظرون ردة فعل القيادة السياسية للعدالة والتنمية تجاه بيان مكتب "حركة التوحيد والإصلاح".
ونظرا لعدم صدور أي موقف من قيادة الحزب تجاه موقف مكتب "حركة التوحيد والإصلاح، فإن هذا يدفعني إلى استخلاص ما يلي: 
لقد صار معلوما أن جماهيرية "حزب العدالة والتنمية" بدأت تتقلص، ما يهدد مصيره السياسي مستقبلا، حيث إن كل قراراته الحكومية كانت لا شعبية أفقرت الشعب المغربي وعمقت تجهيله، كما أن هذا الحزب قد أغرق المغرب في جبال من الديون الثقيلة، وساهمت سياسته في استفحال البطالة والفقر... ونظرا لفشله في التدبير العمومي والإثراء الفاحش لقياداته عن طريق الريع والتبعية لدول أجنبية، كما أن منتخبيه في الجماعات المحلية قد فاحت رائحة فسادهم المالي في كل جهات البلاد وأقاليمها. ونظرا لكل ذلك، قرر بعض قياديه بتنسيق مع مكتب "حركة التوحيد والإصلاح" أن يزايدوا على الدولة والوطن بغية تجديد بكارتهم السياسية، لذلك يبدو لي أن بيان مكتب حركة التوحيد والإصلاح من تحرير بعض قياديي حزب العدالة والتنمية، فكان بيان الحزب بدافع التقية لذر الرماد في العيون، لأنهم عودونا على النفاق وازدواجية المواقف بغية البقاء في الحكومة. وبذلك انكشفت عورتهم ووقفوا عراة في الشارع العام الوطني، ما ينبئ بضياعهم سياسيا، حيث لن ينقدهم أحد. وليعلموا أن الوطن فوق كل شيء، ولا يمكن إخضاع مصالحه العليا للاعتبارات الانتخابية...