الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

الزرايدي: في الحاجة لدعم مبادرات الملك الديبلوماسية بعد كورونا

الزرايدي: في الحاجة لدعم مبادرات الملك الديبلوماسية بعد كورونا عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط
حين قال جلالة الملك: "إننا نعيش مرحلة فاصلة، بين ماذا نريد؟ وكيف يريد الآخرون أن نكون؟"
في ظرف ثلاثة أسابيع، عاشت الديبلوماسية المغربية، تحولات نوعية، طبخت على نار هادئة، لنرى من خلالها كيف أن ثلاث دول عظمى، سارعت لتخطب ود المغرب، وتعمد إلى تعزيز علاقاتها الإستراتيجية مع مملكة محمد السادس، بهدف بناء علاقات دولية متينة من خلال توسيع الشراكات، ولعب دور سياسي في حل الأزمات.
أولى هذه الدول العظمى، الصين الشعبية، التي تبادر إلى ترسيخ تعاونها مع المغرب، فيما تسعى الولايات المتحدة الامريكية، الحليف الإستراتيجي لبلادنا إلى أن تعض على شراكتها السياسية والاقتصادية مع المغرب، في سياق تقوية العلاقات العريقة التي تجمع بين المغرب والولايات المتحدة، والتي كانت دائما تتميز برؤية مشتركة للسلام والتسامح والعيش المشترك، ومحاربة كافة أشكال التطرف والإرهاب، وهي العلاقات الثنائية التي تعزز وتقوي إرادة البلدين للعمل سويا من أجل رفع مختلف تحديات القرن الحادي والعشرين، وتعزيز الأمن والاستقرار والازدهار للشعبين .
كما شهدنا في الأسابيع الماضية كذلك، كيف سعت روسيا لتعميق حوارها مع المغرب. 
كما لا حظنا أيضا كيف أن المغرب بات فاعلا رئيسيا يضطلع للعب ادوار مهمة في قلب البؤر الإقليمية ودائمَ الحضور في الحوار الاستراتيجي الإقليمي الذي ترعاهُ قوى عالمية ، وهو ما مكن المغرب من ضمانُ حضور ديبلوماسي وازن، يسعى لتسوية ملفات حساسة، ستؤثر لا محالة على مستقبل منطقة غرب- شرق بحر الأبيض المتوسّط ومنطقة السّاحل الإفريقي، وفي مقدمة هذا الدور، استضافة المملكة، لدورة جديدة من الحوار السّياسي بين الفرقاء اللّيبيين المتخاصمين في مدينة بوزنيقة، بعدما وصلَت المبادرات والوساطات المدنيّة إلى الباب المسدود. ويُجمعُ الفرقاء الليبيون على الدور المحوري للمغرب في حل الأزمة الليبية، نظرا لما يشكله اتفاق الصخيرات من أرضية سياسية تأسيسية لا تتعارض مع كل الاتفاقيات والمبادرات الليبية الأخيرة.
أحداث ديبلوماسية في زمن كورونا، تؤكد أن ديبلوماسية المغرب بقيادة جلالة الملك ، ماضية في تكريس خيار ديبلوماسي نوعي، فالإرادة الملكية، لها رغبة اكيدة، في تحريك المياه الراكدة في عالم العلاقات الدولية، خصوصا في ظل حالة الجمود في هذه العلاقات، بسبب التأثيرات السلبية التي خلفتها جائحة كورونا.
وغير بعيد عن تقوية علاقات المغرب مع الدول العظمى في زمن كوفيد 19، تابعنا ايضا وباهتمام بالغ، كيف يسعى المغرب إلى الظفر بأعلى منصب في مجلس السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي، ويتعلق الأمر بمنصب مفوض السلم والأمن، في منافسة دبلوماسية محمومة مع الجزائر التي انتخبت في هذا المنصب في مناسبتين متتاليتين.
وتأتي هذه الرغبة الديبلوماسية للظفر بهذا الترشيح بعد ثلاث سنوات على عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي بموافقة أغلبية الدول الأعضاء بعد أكثر من 30 سنة من الغياب.
المثير في هذه الأحداث الديبلوماسية، المتسارعة، وهو رغبة المغرب بقيادة جلالة الملك، على تقديم نموذج متفرد ومتميز، لتحسين آداء سياسته الخارجية، وتعميق علاقته مع الشركاء الخارجيين، خصوصا في ظل الجمود الملحوظ للعلاقات الدولية في زمن كورونا، والتي باتت الديبلوماسية الملكية في حاجة ماسة إلى دعم كافة مبادراتها والعمل على تقويتها بديبلوماسية جمعوية واقتصادية وبرلمانية قوية، من شأنها أن تعلي من قدر المبادرات الملكية  التي تتوق إلى احتلال المغرب لموقع جيواستراتجي يمنحه لعب أدوار ديبلوماسية جد هامة. 
وهو الأمر الذي يقتضي بحسب المهتمين، ضرورة بلورة رؤية دبلوماسية شاملة ومتناسقة جديدة تتجاوز دبلوماسية تقليدية ترتكن إلى الواقع، وتفتقد إلى اليقظة والمبادرة، لأن أهمية موقع المغرب الجيو- استراتيجي المتميز، في ظل جيو- سياسية عالمية تطل برأسها بعد انتهاء جائحة كورونا، فالتحدي الديبلوماسي، الذي يواجه المغرب اليوم هو أن يأخذ بعين الاعتبار موقعه الجيواستراتجي الرائد، والتحولات الكبرى التي يعيشها عالم ما بعد كورونا، ليتمكن من الأخذ بزمام المبادرة، ويعمل على إعادة تحديد معالم ديبلوماسية جديدة، ترتكز بالأساس على معطيات سياسية و اقتصادية، ذات بعد دولي، تضع في الحسبان الأخذ بعين الاعتبار تعزيز التنافسية الاقتصادية للمملكة وتقوية حضورها السياسي كلاعب محوري أساسي يساهم في حلحلة الملفات العالقة، وإذابة كرات الثلج في العديد من بؤر التوتر، الإقليمية والدولية.
ومن هنا فلا غرابة إذن، أن تسجل الدبلوماسية المغربية خلال الأسابيع الماضية نقط عالية، من شأنها أن تعزز حضور المملكة على الساحة الدبلوماسية في كل من افريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية والصين وروسيا، مع ما تفرضه تحولات زمن كورونا، من ضرورة إعطاء الأولوية لدبلوماسية اقتصادية مبادرة قادرة على تعزيز جاذبية المغرب وتنمية المبادلات التجارية، من أجل مواجهة المزيد من التحديات التي ستلقي بظلالها على الاقتصاد المغربي، كما اسلفنا ذلك في العديد من مقالاتنا التحليلية حول تأثيرات جائحة كورونا، وما يستتبع ذلك من ضرورة وضع خطة إنقاذ اقتصادي تاخذ بعين المعطى الدولي الجديد.
إن دبلوماسية محمد السادس، التي ترتكز في اعتقادي على بعد نظر اقتصادي وسياسي استشرافي، يجب علينا كفاعلين سياسيين و اقتصاديين، أن ندعمها بديبلوماسية اقتصادية خلاقة، من أجل تحسين صورة المغرب على المستوى الدولي. بما في ذلك تقديم صورة لمغرب ديمقراطي، ينعم بالأمن والإستقرار، حداثي ومتسامح، وقوي من الناحية الاقتصادية نظرا لموقعه الاستراتيجي الهام.
وحتى نفهم أكثر ما بات يميز ديبلوماسية المغرب تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، علينا أن نكتشف أهمية ما أكد عليه جلالته ، قبل أربع سنوات، في قمة التعاون الخليجي، ساعتها قال الملك: إن المغرب حر في قراراته وخياراته، وليس محمية تابعة لأي بلد، وسيظل وفيا لالتزاماته تجاه شركاءه.
كما كشف جلالة المك أيضا، "بأننا نعيش مرحلة فاصلة، بين ماذا نريد؟ وكيف يريد الاخرون أن نكون؟".
ساعتها اعتبر العديد من المهتمين، أن خطاب جلالة الملك، يرسل رسالة واضحة بأن المغرب بلد حر، وليس رهينة حلفائه أو شركائه، وإن كان يلتزم بحلفه وشراكته معهم، لكنه منفتح وساعي إلى شراكات استراتيجية جديدة، تحفظ مصالحه، سواء كان مع أشقائه الخلجيين والعرب والأفارقة، أو مع دول عظمى أخرى وأمريكا وأوروبا وروسيا والصين والهند..
وتظهر أهمية الدبلوماسية الملكية، بالنسبة للمتتبعين لمسارها، في أن المغرب بات يتقاسم مع دول العالم مثلا كإفريقيا، التاريخ والهموم والمصير المشترك والثقافة. فلا ضير أن نرى مسارعة الدول الكبرى، كالولايات المتحدة الأمريكية، ودول الاتحاد الأوربي، والصين، وتركيا وروسيا اليوم، إلى نسج علاقات اقتصادية وسياسية وثقافية مع بلدان القارة الإفريقية، التي تختزن ثروات طائلة، وموارد بشرية كبيرة، وإمكانات اقتصادية مهمة.
إن هذه الديبلوماسية الملكية، أحدثت باعتقادي، تحولا مفصليا في سياسته الدبلوماسية، وأن هذا التغيير أثمر العديد من المتغيرات الإيجابية، ومنح مصداقية عالية للمواقف المغربية، مما اضطر العديد من الدول أن تعيد ترتيب أوراقها الدبلوماسية، مع المغرب.
مناسبة هذا الحديث هو استعدادنا بعد أيام قليلة، لتأسيس الإطار القانوني، لمكتب الغرفة المغربية الإفريقية البرازيلية بالمملكة المغربية، لدعم الأدوار الطلائعية لهذه الديبلوماسية الملكية، بعد جائحة كورونا، خصوصا بعد أن تشرفت بالثقة التي منحت لي من طرف الإخوة الافاضل القائمين على شؤون الغرفة التجارية البرازيلية الإفريقية المغربية بدولة البرازيل، بعد أن تكلفت رسميا برئاسة الغرفة بالمملكة المغربية كرئيس وممثلا عن مكتبها، وهي الخطوة التي سنعزز من خلالها العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين والتعاون جنوب جنوب، بغية تحسين الشراكات الاستراتيجية للمغرب ودول أمريكا الجنوبية، على عدة مستويات..
وأملنا هو أن نرفع تحديا أخر من أجل ديبلوماسية جديدة منفتحة يسودها التعاون والربح لكل من الدولتين الكبيرتين.. وإننا اليوم أيضا نعيد تسبقها بأمل بلورة الأفكار الفعالة المنتجة لمنح المغرب امتيازا جديدا ينضاف لسلسلة النجاحات على الصعيد الخارجي خصوصا مع دولة كبيرة كدولة البرازيل.
وفي هذا الصدد سنحرص معية الإخوة والأخوات في الغرفة التجارية المغربية الأفريقية البرازيلية على فتح قنوات جديدة للتعاون والعمل لصالح البلدين، وهذا بالتوازي مع التوجهات الاستراتيجية للمملكة المغربية في هذا الاتجاه، بطموح وعزم قويين سنواصل المسار بالتعاطي بفعالية من أجل تدعيم الاقتصاد الوطني والديبلوماسية الموازية خدمة لهذا الوطن الحبيب، وتحت الرعاية الملكية .
ويبقى من أهم أهداف غرفة التجارة والصناعة المغربية الإفريقية البرازيلية، هو تعزيز التعاون من أجل تأسيس شركات استثمارية مع تطوير  وتحسين العلاقات التجارية والاقتصادية ودعم الوضع المصرفي والبنكي بين البرازيل والمغرب  وإفريقيا والعمل على استكشاف فرص الاستثمار والتنمية بين البرازيل والمغرب وإفريقيا وتنميتها.مع تبادل المعلومات عن الاستيراد والتصدير بين البرازيل والمغرب وإفريقيا وتطويره وتنميته..
 
                                                           عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط: 
                                       رئيس مكتب الغرفة التجارية البرازيلية المغربية الإفريقية بالمملكة المغربية
                                                     رئيس مجموعة رؤى ڤيزيون الإستراتيجية