الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

منعم وحتي: اليوم سالت دماء ابنتي..

منعم وحتي: اليوم سالت دماء ابنتي.. منعم وحتي
حدثتني ابنتي "سُلاف" بنوع من التلعثم : "لقد حدث ما كنتَ شرحتَ لي منذ مدة طويلة بابا.. "، اليوم أخبرتني صغيرتي، وستظل صغيرتي إلى الأبد، أن أوجاع دم العادة الشهرية قد نزلت اليوم.. كانت "سُلاف" قوية كما عهدتها.. تجاوزت لعثمتها، وقررت تأريخ هذا العبور العُمري الحاسم في مذكرتها - والتي لا أطلع فيها إلا على ما تسمحُ لي به هي -.. إنها مراحل مفصلية في حياة صغيراتنا، يحتجن فيها لنا، كأصدقاء أكثر من ارتباطنا بهن كآباء وأمهات.. 
هونت عليها الأمر، لتخفيف إكراهات الحالة النفسية، خصوصا وقد أعددتُها سيكولوجيا بشكل مسبق لتقبل الأمر، كحالة عمرية عادية جدا، بفهمها فيزيولوجيا ونفسيا، باعتبار هاته الدماء عكس المعتقدات السلبية، هي مصدر فخر لنساء الكون وتعكس جوهر الخصب والتميز والعطاء الإنساني.. 
علينا أن نربي الأجيال اللاحقة على دحض أساطير الجهل والتخلف، والتي احتقرت المرأة لقرونٍ، حيث حاول أن يغرقها مشعوذو الذكورية المريضة في بئر العار، كأن دماء الخصب هاته، لعنة تحقيرية إلهية.. فسادت معتقدات أسطورية لقرون، على أن لمس النساء في فتره الدم هاته للمحاصيل يسبب القحط ويسمم الطعام والماء، وذهبت بعض الأقوام لعزل النساء في هاته المرحلة بكيتوهات خارج المساكن الجماعية، كأنهن منبوذات بجُرم ينتهك مقدساتهم المُتَوَهّمَةِ.  بل إن الكنيسة في بعض المراحل منعت ولوجهن لتجمعاتها. ولم يشذ مُؤَوِّلُو النصوص الإسلامية عن قاعدة إضطهاد المرأة، حيث وصل بعض الدعاة الجهلاء إلى درجة إنزال المرأة إلى أسفل الدرك، بانتقاص عقلها كليا، واعتبارها لعنة إلهية على ذكور الكون، وأن الدماء عقاب رباني.. لم تكن كل الأساطير القديمة بهاته القتامة، فقد اعتبرت بعض القبائل هاته الدماء زكية وتعالج الأمراض المستعصية من جذام وبرص وطاعون.. وكترياق لإبطال السحر.. 
لا مشكلة عند مرضى الهوس الذكوري، في تسويق دم أفلام الرعب.. دم القطع الداعشي للرؤوس.. دم ألعاب البلايستايشين.. دم أَسِرَّة الموت في المستشفيات.. لكن حين تحدثهم عن هرمون الأوستروجين والبروجسترون وخصب النساء، فتلك لعنة وعقاب إلهي.. إنه الجهل المقدس في أحلك صوره.. 
أنا فخور بك ابنتي "سلاف" وفخور بدماءك الزكية.. كما افتخرت حضارة بلاد الرافدين والفينيقيين بعشتار كإلهة للحب والخصب والجمال والتضحية، وكما ارتفعت  فينوس  عند الرومان، وأفروديت عند اليونان..
أنا فخور بك وبجيل جديد من النساء سيحكم العالم عن جدارة واستحقاق عقلا ورجاحة ومهارة.. وستتجسد رِفْعَتُكُن مروراً من عوالم الأسطورة إلى أرض الواقع.. قريبا.