الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

نادية واكرار: لماذا ومن يؤجج الحرب ضد MBC5 المغرب؟

نادية واكرار: لماذا ومن يؤجج الحرب ضد MBC5 المغرب؟ نادية واكرار

في الوقت الذي احتدم النقاش منذ فترة بين طرفي صراع هوياتي لمنتوجين إعلاميين، إن لم نقل أكثر؛ بحيث اندلعت حرب إعلامية حول مسلسلي: "شهادة ميلاد"، الذي بثته قناة mbc5 و"ياقوت وعنبر" الذي بثته القناة الأولى المغربية، نتج عنها تبادل الاتهامات سيناريست شهادة ميلاد ومدير إنتاج ياقوت وعنبر، حيث اتهم هذا الأخير الطرف الأول بسرقة سيناريو مسلسل "ياقوت وعنبر"، بينما جاء الرد من سيناريست مسلسل "شهادة ميلاد" مؤكدا على أنه لا تشابه بين المسلسلين، بل هما يختلفان في بنائهما الدرامي وتطور أحداثهما. ووصل الصراع  بعدها إلى نوع من الطعن والتشكيك في هوية السيناريست مما أجبر كلاهما لوضع شكاية لأجل النظر في حيثيات الأشياء.

 

ونتيجة لذلك طالب مدير إنتاج مسلسل "ياقوت وعنبر" بالكشف عن الاسم الحقيقي للسيناريست الشبح، بحكم أن "شهادة ميلاد" ثم توقيعه باسم "مستعار"، واعتبر بأن ذلك هو سبيل وحل لوضع حد لها الوضع وكذا لإنهاء الجدل الذي تدور رحاه حول التطابق والتشابه الكبير بين المسلسلين، خاصة في الموضوع "الرئيسي" الذي تدور احداثه حول مسالة استبدال الرضيع الأنثى بالذكر.

 

وهو ما رد عليه سيناريست "شهادة ميلاد" (م.ع.ا) في حوار أجرته مجموعة من جرائد إلكترونية، بقوله: "أنا لست شبحا ما دمت تحاورني، وأكتب توضيحات كلما دعت الضرورة لذلك، ولكنني اخترت أن أستعمل اسما فنيا مستعارا في توقيع عمل درامي، وتلك حرية شخصية أمارسها وليست مخالفة للقانون، وليس من حق أي أحد مطالبتي بالكشف عن اسمي الحقيقي بدون سند أو صفة قانونية مع إثبات الضرر من استعمالي لاسمي المستعار، وهو أمر كنت أستعمله دوما حين كنت أمارس الصحافة، وهناك كتاب وقعوا روايات ومؤلفات بأسماء مستعارة".

 

لقد كان من الممكن أن تكون كل هذه الاتهامات والصراعات وكل هذه الضجة الإعلامية، مجرد خلاف بين شخصين أو شركتين، لولا تدخل بعض فعاليات المجتمع المدني بالمغرب التي تقدمت بشكاية إلى رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بالرباط، ضد قناة mbc5 فيما يخص الضرر المعنوي والنفسي والأخلاقي الذي ألحقته هذه القناة بمشاهدي ومتتبعي مسلسل "سلامات أبو البنات" الذي تم بثه خلال شهر رمضان والذي صور ونعت من خلاله المغاربة بأحقر وأخبث النعوت. كوصفهم بالشعب المنحل أخلاقيا ووكر للدعارة والشدود وخيانة الأمانة. كما تم تجسيد ووصف المرأة المغربية الداعرة والعهر وأن الموظفات بالشركات يخضعن بمحض إرادتهن لنزوات مدراء الشركات، زد على ذلك تشويه سمعة الرجل المغربي وترويج الصورة النمطية المجسدة في الشدود "تاسمسات". وما زاد الطين بلة هو أن المؤسسة المنتجة هي نقسها التي شنت هجمات عبر بعض من صحفييها على المغرب، بل وتعدى الأمر ذلك ليصل إلى تجنيد وتجيش الذباب الالكتروني لأجل السهر على تشويه صور المغاربة وتكثيف الغبار على الأضواء لأجل الاستمالة والتلاعب بالأحداث لأجل مصالح خاصة.

 

وكرد فعل لفعاليات المجتمع المدني حول الأحداث وعبر هذا الاخير، وبكل أسف، عن استيائه حول ما آلت إليه وسائل الإعلام والتواصل التي لطالما كانت منصة يقوم من خلالها المنتج والمبدع والفنان عن الترويج والتعريف عن هوياته وعن ذواته بكل استقلالية وبغنى عن الانتماءات والميولات السياسية وتصفية الحسابات. ما كانت هذه الوضعية لتروج هويات بلادنا مادامت رهينة بأيديولوجيات ومصالح خاصة. للأسف اصبحت هذه التجاوزات تعبر عن جهل وتكاسل المخرج والمؤلف الذي قد يكون مدعوما خارجيا  بعيدا عن المساطر الإدارية والقانونية المعمول بها داخل البلاد.

 

إن نعت أبناء "المدينة القديمة"، خصوصا والمغاربة عامة، بأبشع النعوت والتحقير والتقليل منهم ومن نضالاتهم ورجولتهم ونخوتهم ومقاومتهم، لا يعتبر مسا بالمغاربة فقط، بل هو تجاوز وطعن في أخلاقيات المشهد السمعي البصري في المغرب، وضرب في هوية المنتوج المغربي وفي أهداف الرسالة الإعلامية النبيلة التي من المفروض أن تحرص على احترام وتقديس كل المضامين الأخلاقية لهذه المهنة... بل وخرق للقوانين الجاري بها العمل والتزامات المتعهد عليها ".

 

وطالبت الفعاليات الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري باعتبارها الجهة المسئولة عن تقنين وضبط القطاع، للتدخل العاجل من أجل تطبيق القانون، وإصدار العقوبات اللازمة للمسؤولين على خرقه، ورد الاعتبار لكل المغاربة، وإنصافهم، بما يليق بسمعتهم ويحفظ كرامتهم، خصوصا أن المنتج الخليجي مصمم على تحفيز وتشجيع مروجي الصورة النمطية للمنتوج وللمغاربة عامة وللجالية المغربية المقيمة بهذه الدول على وجه خاص. وعليه فإن كل هذا التشاحن والترويج للفكر النمطي التحقيري والتهميشي للمجتمعات، وكذا خلق المجال لتنامي أزمة العنف والعنصرية بين مكونات مجتمعات دول الخليج التي تعتبر الجالية المغربية جزءا لا يتجزأ منها، هو نوع من السياسات الغير البناءة التي لا تهدف إلا لتحقير المغاربة وإهانتهم كما في الجزء ثاني من المسلسل "سلامات أبو البنات"، والذي لم يأت بأي إضافة إيجابية لا للمجتمع المغربي ولا لغيرها من الدول التي تنوه وتشجع هذا النوع الصراع.

 

وبهدف تقريب الصورة فقد حرصت أن لا أغير في لغة ومضمون الموضع المنشور في موقع الكتروني إخباري حتى تبقى أهداف الهجوم واضحة، أظف إلى ذلك أن أول موضوع هوجم فيه سيناريست مسلسل "شهادة ميلاد" كان تحت عنوان: “شهادة ميلاد” اللي داز عند السواعدة شفرات “ياقوت وعنبر”. وهو ما يدفعنا إلى طرح مجموعة من الأسئلة المشروعة:

- ما الهدف من استعمال هذه الصفة القدحية التي تبناها هذا الموقع لاجل التعبير عن المنبر الإعلامي بدل الاسم التجاري؟

- ما الغاية من المطالبة بالكشف عن اسم الكاتب الحقيقي الذي هو (محمد بوفتاس)، الكاتب الصحفي المعروف؟

- ما سبب كل هذا الإصرار وهذا التخوف من مهاجمته بدل الاسم الفني للكاتب (محمد عيسى العفاز)؟

 

بمجرد أن نتصفح الويب Google وهو الشيء الذي يمكن لأي شخص القيام به، يمكن أن نستخلص ونستنتج أنه فعلا هناك العديد من المواقع الإخبارية، قبل أن يتم عرض  مسلسل "شهادة ميلاد"، أشارت إلى اسم (محمد بوفتاس) ككاتب حصري وفعلي للمسلسل. بينما تستمر أصابع الاتهام لهذا السيناريست بتهمة الاختلاس وسرقة الفكرة. جوابا على هذه الاتهامات ومن خلال العديد من الحوارات التي تم نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذا وسائل الإعلام، أكد هذا الأخير على أنه لن يتهم أحدا لأنه لا يؤمن بفكرة الاتهام في المجال الأدبي، وأنه قد يكون ثمة تناص أو توارد خواطر أو تشابه الرؤية وزاوية النظر، لكن السرقة ليست من شيم الأدباء والمبدعين بل يوجد الكثير من الأفكار والقليل منها مميّز، ويضيف: "لستَ الوحيد الذي أمتلك هذه الفكرة أو غيرها... ما يهمّ هو كيف ننفذها،... هناك أعمال كتبتها ورفضت وبعضها لم يقدم بعد وحين أرى أعمالا تعرض تتناول نفس الفكرة لا أتهمهم بالسرقة أو تناقل الأفكار، مفهوم السرقة له بعد أخلاقي ويرتبط بامتلاك الشخص لشيء خاص لا يمتلكه غيره، بينما الأمر هنا مختلف لأن الفكرة عادية ولقد تم التطرق إليها وتناولها في العديد من الأعمال.. كل بطريقته الخاصة، ربما الجزء الثاني من المسلسل  سيكون مفاجأة"...

 

هنا يمكننا أن نلمس الأبعاد الحقيقية لهذه الحرب الإعلامية الفنية التي لا يمكننا وصفها إلا بصراع ذو بعد سياسي ومصالح تجارية مشتركة.. حرب تم تغليفها بالمبادئ والقيم الأخلاقية... لربما ليست المرة الأولى التي أشار فيها العديد من الصحفيين عن اشتداد "الحرب الخفية" التي تدور رحاها بين شركات الإنتاج التلفزيوني التي تتنافس على صفقات انتاج أعمال وبرامج ومسلسلات، حرب صماء في كواليس وبين شركات الإنتاج التلفزيوني... حرب تم أخيرا الاعلان عنها فجأة.. غير أن هذا الخروج للعلن أثار جدلا قويا وواسعا في الوسط الفني وعلى كل مواقع التواصل الاجتماعي.

 

ما الهدف من الترويج ومن تشجيع دخول القنوات السعودية إلى المغرب وجعلها المنصة والنافذة الأساسية لإنتاج أعمال فنية مغربي؟

 

سؤال يطرح نفسه، خاصة وأن الوجهة الوحيدة التي كانت متوفرة هي القطب العمومي بروافده (الأولى، الأمازيغية، العيون، وقناة محمد السادس...) ثم القناة الثانية وأن كل التخصصين والمهتمين بالقطاع السمعي البصري يعلمون بـأن ما يتحكم في الانتاج هو طلبات عروض التي تخضع لنفس القوانين المعمول بها؛ مما يعني تقييد حرية الانتاج بما يتوافق مع قانون العرض والطلب، وقد أثيرت العديد من القضايا حول هذه القوانين وهذا النظام وأسباب استفادة شركات معينة من أكثر من عمل بينما لا تستفيد باقي الشركات من أي عمل، وهو الشيء الذي يؤدي إلى احتكار فئة معينة للأعمال بينما من الممكن أن تعطى فرص للأعمال والشركات الأخرى بهدف خلق روح تنافسية ودينامية لا أن يتم تعزيز مكانة شركات على حساب أخرى.

 

ولأن قطاع التلفزة لم يتم تحريره بعد، كما هو الحال في الاذاعة، فإن القنوات المغربية الخاصة تبث من خارج المغرب وليست لديها موارد مادية كافية لإنتاج أفلام أو مسلسلات؛ وبالتالي لا يمكننا أن نتحدث عن المنافسة في حظرة المهيمنين على قطاع الإنتاج.

 

هنا تبرز أهمية حضور القنوات الخارجية ك mbc5 على الساحة الوطنية لأنها تملك حرية انتقاء الأعمال التي تريد ولديها حرية في تحديد ميزانية الإنتاج، وأكثر من ذلك تمنح هامشا كبيرا لحرية الإبداع والكتابة، وهو شيء مفقود في الإعلام العمومي. فترة رمضان كانت كفيلة لتبرهن على قدرة هذه القنوات على اكتساح المشهد المغربي والتفاعل مع المبدع والمنتج ومع المشاهد المغربي... نشوب هذه الحرب لم يكن إلا نتاجا لهذا التغيير المفاجئ بحيث تنشب وتنبثق بالموازاة مجموعات من مستغلين الصراع السياسي بين المغرب والسعودية وأخطاء بعض الصحفيين السعوديين، ومن ناحية أخرى استغلال البعد الأخلاقي القيمي... وهنا تظهر الخلفية التجارية كمحرك أساسي وجوهري لهذه الحرب الإعلامية، فالشركات المنافسة تريد الضغط على القناة لكي تنال حظها من "الكعك"، كما تريد زعزعة موقع الشركات التي تعاملت سابق مع القناة من خلال الإيحاء بفكرة التخوين والإساءة الأخلاقية للمغاربة ومكانتهم، بينما المسألة كلها ليست أكثر من حرب تجارية من أجل مكاسب مادية.

 

ماذا ستستفيد الدراما المغربية من هذه الصراعات؟ لا شيء بالتأكيد، لكنها ستخسر بالتأكيد منبرا يوصل الإبداعات المغربية إلى كل مغاربة العالم ومن خلالهم إلى كل العرب، وسيجعل الدارجة المغربية تحتل مكانتها  التي تستحق.