تشهد أوروبا خلال العامين الأخيرين تناميًا مقلقًا في مظاهر الإسلاموفوبيا، ما يثير مخاوف بشأن انعكاساتها على الاستقرار الاجتماعي والسياسي داخل الاتحاد الأوروبي. وتشير أحدث البيانات التي نقلها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات عن تقرير منظمة التعاون الإسلامي (2024)، إلى أن أوروبا جاءت في المرتبة الثانية عالميًا من حيث عدد الحوادث المعادية للمسلمين.
ووفقًا للمركز، أسهمت التطورات الجيوسياسية، خصوصًا بعد هجمات حماس في أكتوبر 2023، في ارتفاع منسوب الاعتداءات المعادية للمسلمين في عدد من دول الاتحاد، بينها النمسا وبلجيكا وبلغاريا. وتعكس الوقائع أن الإسلاموفوبيا باتت تأخذ أشكالًا متعددة، من بينها الكراهية عبر الإنترنت، التي تسجل نسبًا مرتفعة مقارنة بمناطق أخرى حول العالم.
وفي بريطانيا، تزامن ارتفاع الحوادث مع إعادة تصاعد الجدل حول سياسة الهجرة، بينما شهدت ألمانيا مظاهرات قادتها تيارات يمينية متطرفة استهدفت المجتمعات المسلمة. وتشير بيانات وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية إلى أن واحدًا من كل مسلمَين تقريبًا داخل الاتحاد الأوروبي يؤكد تعرضه لشكل من أشكال التمييز، مقابل 39% سنة 2016.
يمثل المسلمون ثاني أكبر مجموعة دينية داخل الاتحاد الأوروبي، بإجمالي 26 مليون نسمة ينحدرون من خلفيات متعددة. ورغم هذا الحضور الواسع، تُظهر الأرقام ازديادًا في التمييز على مستوى العمل والسكن، إذ أفاد 39% بتعرضهم للتمييز في مرحلة البحث عن عمل، و35% داخل أماكن العمل، وفق مسح أجري في أكتوبر 2025.
ويتفاقم الوضع لدى النساء المسلمات، إذ تعتقد 45% ممن شملهن المسح أن ارتداء الرموز الدينية شكّل عائقًا خلال عملية التوظيف. كما كشف التقرير عن صعوبات في الحصول على السكن، حيث قال ثلث المشاركين إنهم مُنعوا من شراء أو استئجار شقق بسبب خلفيتهم الدينية، ارتفاعًا من 22% سنة 2016.
ولا يقف الأمر عند حدود العمل والسكن، إذ تبرز معطيات مقلقة في قطاع التعليم، حيث يتزايد خطر التسرب المدرسي بثلاثة أضعاف عن المعدل الأوروبي العام (30% مقابل 9.6%).
تشير بيانات المركز إلى أن نحو 25% من حوادث الإسلاموفوبيا تُقاد عبر حملات منظمة تطلقها تيارات يمينية متطرفة، فيما تُشكل خطابات الكراهية قرابة خمس الحالات. كما تسجل فرنسا وألمانيا أعلى مستويات التوتر المرتبط بالظاهرة، بحكم تزايد الأنشطة المناهضة للإسلام وانتشار الخطابات السياسية المحرضة.
وفي النمسا، بلغ عدد الاعتداءات المعادية للمسلمين أكثر من 1500 حادثة خلال 2023، في أعلى حصيلة منذ 2015. كما احتلت النمسا وألمانيا وفنلندا صدارة دول الاتحاد من حيث نسب التمييز بين 2017 و2022، وفق وكالة الحقوق الأساسية.
هذا التصاعد، حسب المركز، ينذر بتهديدات حقيقية للسلم الاجتماعي في القارة، إذ تسهم الدعاية اليمينية في تحويل “الخوف من الآخر” إلى شرعية اجتماعية للتمييز والعنف، ما يجعل الإسلاموفوبيا جزءًا من أزمة أعمّ ترتبط بالهوية الأوروبية والتحولات السياسية داخل الاتحاد.
تحاول مؤسسات الاتحاد الأوروبي مواجهة الظاهرة من خلال تعزيز الأطر القانونية المناهضة للتمييز. وأطلقت المفوضية الأوروبية في 2020 خطة عمل لمكافحة العنصرية، أشارت خلالها رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين إلى ضرورة “الانتقال من الإدانة إلى الفعل”.
غير أن مؤشرات المركز تظهر أن الفجوة بين القوانين والممارسة اليومية ما تزال واسعة، إذ يُظهر 27% من المسلمين أنهم تعرضوا لمضايقات عنصرية، فيما اعتبر نصف من أوقفتهم الشرطة أنهم كانوا ضحايا تمييز.
ويحذر التقرير من أن استمرار التهميش الاقتصادي والاجتماعي، الذي يطال 31% من الأسر المسلمة مقابل 19% من الأسر الأوروبية عمومًا، قد يعزز النزعات الاحتجاجية ويُنتج بيئات خصبة للتوتر.
يرى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب أنّ الإسلاموفوبيا في أوروبا لم تعد مجرد تعبير عن رفض ديني أو ثقافي، بل تحولت إلى أزمة هوية تتقاطع فيها مخاوف أمنية وثقافية وسياسية. ويؤكد التقرير أن الخطاب المعادي للمسلمين غالبًا ما يُستخدم كورقة سياسية من قبل اليمين المتطرف لحشد التأييد، ما يهدد بتآكل قيم التعددية التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي.
يرى التقرير أن تجديد خطة الاتحاد الأوروبي لمكافحة العنصرية بعد 2025 سيكون اختبارًا حاسمًا لمدى التزامه بحماية الأقليات. ويؤكد أن نجاح الجهود الأوروبية يتوقف على ترجمة المبادرات القانونية إلى سياسات فاعلة تعزز الثقة وتحدّ من التحريض، خصوصًا عبر الفضاء الرقمي.
ويخلص التقرير إلى أن استمرار الإسلاموفوبيا يمثل تهديدًا مباشرًا للتماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي داخل الاتحاد، وأن الحفاظ على التعددية واحترام حقوق الإنسان لم يعد خيارًا أخلاقيًا فحسب، بل ضرورة استراتيجية لضمان الأمن والسلم داخل القارة.
