Monday 10 November 2025

كتاب الرأي

محمد براو: بلاغ الديوان الملكي حول الحكم الذاتي للصحراء الرسائل والدلالات

محمد براو: بلاغ الديوان الملكي حول الحكم الذاتي للصحراء الرسائل والدلالات محمد براو

صدر بلاغ الديوان الملكي يومه الاثنين 10 نوفمبر 2025، معلنًا عن اجتماع مستشاري الملك مع زعماء الأحزاب الوطنية لمناقشة تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية. قراءة دقيقة لمضامين هذا البلاغ تكشف عن رسائل سياسية واستراتيجية هامة، تتجاوز الشكلية البروتوكولية، وتسلط الضوء على أسس اتخاذ القرار في المغرب، حيث تتلاقى السيادة الوطنية، التشاور المؤسسي، والدبلوماسية الذكية.

بلاغ الديوان الملكي: مضمون واضح ورسائل متعددة

البلاغ يحدد بوضوح:

  1. الهدف المباشر للاجتماع: تحديث وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، تنفيذاً لتوجيهات الملك، وبخاصة في أعقاب قرار مجلس الأمن رقم 2797.
  2. آلية العمل: حضور مستشاري الملك وزعماء الأحزاب والوزراء المعنيين، مع التأكيد على استشارة الأحزاب لتقديم تصوراتها ومقترحاتها.
  3. السياق السياسي: يُبرز البلاغ حرص الملك على المقاربة التشاركية والتشاورية الواسعة في القضايا الوطنية الكبرى، ما يؤكد أن القرار مؤطر بالاستشارة المؤسساتية وليس فرديًا.

يمكن استنتاج أن البلاغ يرسل رسالتين مزدوجتين داخلية وخارجية:

  • رسالة داخلية: مشاركة جميع المغاربة في صياغة المبادرة أمر مشروع ومرحب به، وتأكيد على أن قضية الصحراء تمس الجميع.
  • رسالة خارجية: المغرب يعتمد مقاربة تشاركية ودبلوماسية متزنة، ويقدم الحكم الذاتي كحل واقعي ومستدام ضمن سيادته الوطنية.

رمزية اجتماع الأحزاب: مؤشر على التشاور المؤسسي

البلاغ يسلط الضوء على تقدير الملك لدور الأحزاب السياسية، إذ دعا زعماءها لتقديم مذكرات ومقترحات مكتوبة، ما يعكس:

  1. تقدير المؤسسات السياسية الوطنية: الأحزاب ليست هيئة شكلية، بل فاعل مؤثر في صياغة السياسات الاستراتيجية.
  2. إطار للحوار البناء: تقديم المقترحات المكتوبة يسمح بتبادل الأفكار بشكل منهجي ومنظم.
  3. تعزيز الشرعية: إشراك الأحزاب في القضايا المصيرية يعزز شرعية المبادرة داخليًا ويؤكد أن الحلول الوطنية تأتي عبر مشاركة المجتمع السياسي.

دلالات البلاغ على الاستراتيجية المغربية

البلاغ ليس مجرد إعلان، بل يحدد إطارًا استراتيجيًا واضحًا:

  1. التأكيد على السيادة المغربية كأساس لكل القرار السياسي.
  2. تقديم الحكم الذاتي كحل واقعي وقابل للتطبيق، مع التركيز على لم الشمل ومستقبل الساكنة.
  3. الإشارة إلى نجاح المبادرة في كسب دعم مجلس الأمن، ما يعكس قدرة المغرب على الجمع بين السيادة الوطنية والدبلوماسية الدولية.

يمكن الاستشهاد بحدثين تاريخيين يعززان هذه القراءة:

  • الإصلاح الدستوري 2011: نموذج لتشاور وطني شامل جمع بين الملك، الحكومة، والأحزاب، وأسهم في تعزيز مشاركة المواطن في السياسات الكبرى.
  • العودة إلى الاتحاد الإفريقي 2017 والمبادرة المغربية للحكم الذاتي: ترجمت الإجماع الوطني إلى نجاح دبلوماسي ملموس، مع اعتراف دولي بالمبادرة.

الرسائل السياسية والاستراتيجية

تحليل البلاغ يظهر أن:

  1. الاستشارة الملكية للأحزاب ليست شكلية، بل أداة لتعزيز الفاعلية والشرعية.
  2. إبراز الدعم الدولي للمبادرة يعكس قدرة المغرب على ربط السياسات الداخلية بالنجاحات الدبلوماسية.
  3. البلاغ يقطع الطريق أمام أي اتهامات بالحكم الفردي أو السلطوي، ويعكس فلسفة الملك كحاكم استشاري وقائد استراتيجي.

ختاما:

تحليل بلاغ الديوان الملكي حول اجتماع الأحزاب بشأن الحكم الذاتي للصحراء يكشف مقاربة واضحة للتشاور والتشارك السياسي. المغرب لا يعتمد على القرارات الفردية السلطوية، بل على حكامة متوازنة تجمع بين الملكية، المؤسسات السياسية، ومشاركة القوى الحية في المجتمع ، مع قدرة على إدارة القضايا المصيرية بمزيج من الاستراتيجية الوطنية والدبلوماسية الذكية.