الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

الشرقاوي الروداني : المناورات القذرة للمخابرات الجزائرية في استفزاز المغرب

الشرقاوي الروداني : المناورات القذرة للمخابرات الجزائرية في استفزاز المغرب الشرقاوي الروداني

في عالم السياسة و الدبلوماسية هناك قاعدة مهمة تتلخص في استعداد الدول لإحلال الإلتزام محل الانعزال. و بالتالي فإن التعاطي مع الأزمات التي هي عابرة مقارنة مع الزمن تتطلب الحكمة و استثمارها من أجل تحقيق  السلام و الأمن و قد تكون فرصة للبناء الجديد في العلاقات. الأزمة البنيوية التي تعرفها العلاقات المغربية  الجزائرية وقع فيها تراكم أثر بشكل كبير و سلبي في البناء الدبلوماسي الفاعل. التطورات التي تعيشها منطقتنا المغاربية تحتاج إلى صياغة دبلوماسية جادة من أجل رفع التحديات و تجاوز الصعوبات. من منطلق التعايش  المشترك و صياغة طموحات جماعية في عالم يعيش تغييرات شاملة، ما فتئ المغرب و من أعلى مستوى في الدولة في بعث إشارات واضحة للدولة الجزائرية من أجل بناء الاتحاد المغاربي.  المبادرة الملكية الرامية إلى وضع إطار قادر على تجاوز الخلافات و رسم خريطة مستقبل قادر أن يستوعب طموحات شعوب المنطقة برمتها، تظهر تمسك المغرب بطموح جامع و جماعي.

في هذا الصدد، التصريحات الاخيرة  لمحند اوسعيد بلعيد ، الوزير المستشار للإتصال و الناطق الرسمي للرئاسة  الجزائرية،  هي على مستوى كبير من الخطورة و المكر السياسي و تظهر عدم الاكتراث بالبناء الذي تطمح له شعوب المنطقة. المتتبعين للشأن الدولي لم ينسوا بعد التصريحات التي اطلقها وزير الخارجية الأسبق عبد القادر مساهل عندما تطاول على المغرب حكومة و شعبا و اتهمهما بالاتجار في المخدرات؛ فخرج مسؤول الاتصال بالرئاسة الجزائرية للهجوم على المغرب. الأمر آنذاك كان مفهوما؛  فالوزير كان أمام رجال أعمال جزائريين حاول تبرير  اخفاقات وزارته أمامهم ،  و هم  الذين لم يرو حرجا في التأكيد في تدخلاتهم على أن  المغرب استطاع بدون نفط أو غاز و بإستراتيجية محكمة أن  يصبح من الدول الرائدة في الاقتصاد الافريقي و دبلوماسيته أصبحت محددا في معادلات مناطق مختلفة من القارة.

كل إناء بما فيه ينضح

لكن اذا ظهر السبب فلا مكان للعجب. تصريحات الناطق الرسمي باسم الرئاسة الجزائرية و الكلام الغير المسؤول الذي أطلقه من خلال اتهام  القنصل المغربي التابع للوزارة الخارجية بأنه ضابط مخابرات هو فقط محاولة للتغليط الرأي العام الجزائري،  من خلال تمرير رسائل تحاول أن تظهر أن هناك تحول و أن هناك انتصارات للقيادات الجديدة في المسؤوليات الأمنية و السياسية. و بما أن المغرب هو المحدد الرئيسي في عمل هذه الأجهزة فإنهم لم يتوانوا في استثمار قضية القنصل المغربي في وهران من أجل إيهام أنفسهم بانتصار مزيف. و من تم، فإن خطاب المسؤول الجزائري  كان مقصودا للاستهلاك الداخلي من أجل  التغطية على فشل دبلوماسية الجزائر و أجهزتها الاستخباراتية في جميع المحافل الدولية و المعارك التي خاضتها ضد مصالح المغرب الإستراتيجية. فبالرغم من الاموال المرصدة للأجهزة الاستخبارات الجزائرية  بما فيها وزارة الخارجية ، فالمملكة المغربية تواصل طريقها في التطور  الداخلي و بناء السلام داخل الجسم  الافريقي غير مكترثة بالمناورات و الاستفزازات التي تقوم بها أجهزة الاستخبارات الجزائرية على مستوى ملفات متعددة  كليبيا و حتى في دول عديدة.   

لكن ، كل إناء بما فيه ينضح. فوزير الاتصال و الناطق الرسمي باسم الرئاسة الجزائرية غيب عدة أمور مرتبطة بمساره المشبوه. فالرجل نسي علاقاته الوطيدة بجنرالات الجيش و رؤساء المخابرات الجزائرية  وهو الذي كان يسوق على أنه سياسي بدون انتماء قبل مساعدته في تكوين حركة الوفاء و بعد ذلك انشاء حزب سياسي على مقاس تعاونه و درجة الكيد بأصحابه من الصحفيين و المسؤولين. فالكل كان يعرف حظوته  عند الجنرال توفيق،  الرجل القوي و رئيس المخابرات الجزائرية  مدة 25 سنة. هذا الاخير ، كان لا يتوانى في حرق الأرض و العباد من أجل الدفع ببوتفليقة في جميع الانتخابات الرئاسية ضاربا عرض الحائط طموحات الشعب الجزائري الشقيق الذي مازال يطالب بالتحقيق في ملايير الدولارات المنهوبة من الغاز و المتواجدة أرصدة اصحابها خاصة في سويسرا، فرنسا و إسبانيا. و لعل ابلاغ السلطات الإسبانية مؤخرا نظيرتها الجزائرية بضرورة التحقيق في التدفق الكبير للأموال المهربة و المبالغ الكبيرة للمجموعة من الشخصيات العسكرية، السياسية و الإدارية ، خير دليل على أن الجزائر الشقيقة هي بالنسبة للبعض مسؤوليها ليست الا بقرة حلوب. و من تم فإن عدم تحرك السلطات للتحقيق في هذه التقارير الدولية يبقى محل شك و ريب. فقد كان من الأجدر من السيد محند بلعيد أن يتطرق الى هذه الاختلاسات في ندوته الصحفية بدل رمي بيت المغرب بالحجر متناسيا ان بيته من زجاج. فالتاريخ الجزائري مازال يتذكر شعارته عندما كان يريد لنفسه مكانا في الصفوف الأمامية ،  وهو الذي كان لا يهدأ له بال حتى يدجج في بيانات حزبه ضرورة إقرار المحاسبة و محاربة الفساد في الجزائر. فما هو اذا السر من وراء سكوته في وقت الحراك الشعبي و على ملف القائمة السوداء؟ . للإشارة في هذه اللائحة الإسبانية و حسب المعطيات المتسربة  تحتوي على أكثر من 19 ألف اسم لموظفي الخدمة المدنية و العسكرية  أو القادة السياسيين و مسؤولي الدولة وكذلك رجال الأعمال الذين حصلوا على عقارات أو ممتلكات تجارية في إسبانيا في ظل ظروف وصفتها مدريد بأنها "مشكوك فيها".

العداء للمغرب سهم  مربح في قيمة بورصة مؤسسات الدولة الجزائرية

الكل يعلم في الشرق و الغرب أو حتى عند الشعب الجزائري  بأن  الهجوم على المغرب هو عبارة عن حصة في أسهم بورصة مؤسسات الدولة الجزائرية. فكلما اظهر شخص أو أراد تسلق أعلى المناصب فما عليه إلا أن يوجه سهام النقد و يسب و يشتم في مؤسسات المغرب و يعاكس وحدته الترابية. فالناطق الرسمي بإسم الرئاسة الجزائرية لم يفاجئ المتتبعين للشأن السياسي و الحزبي و هجومه على المغرب ليس حديثا.   ففي سنة 2014 و أثناء الحملة الانتخابية التي اريد له عدم مشاركة حزبه في اطوارها و هو ينتظر الأوامر من الجنرال توفيق للخروج في دعم من ستختاره السلطات الأمنية و المخابرات العسكرية، لم يتوانى في الهجوم و استفزاز المغرب و مؤسساته باتهامها في تغدية الاثنية و الطائفية و الارهاب في منطقة الساحل الافريقي و جنوب الصحراء . هذه الاتهامات الواهية  و هذا العداء أظهر مرة أخرى على أن المغرب اصبح محددا مهما و أساسيا في التموقع ، و استفزازه  هو  عبارة عن ولاء  للعقيدة السياسية و العسكرية للقصر المرادية.  التطورات الامنية و جغرافية الجماعات الإرهابية في الساحل الافريقي و جنوب الصحراء  لها بداية و شرارة. و من تم، فان التقارير الأمنية و الاستخباراتية الدولية التي لا تتوانى في تذكير الخاص و العام على أن ولادة الارهاب في هذه المنطقة ، و خاصة في بدايته في شمال مالي،  اصلها تمركز التنظيمات الإرهابية ذات المنشأ و التطور داخل التراب الجزائري في هذه المنطقة. فمن الجماعة الإسلامية المسلحة GIA و مؤسسها حسن الحطاب،  الذي كون فيما بعد أحد التنظيمات الأخطر في القارة الأفريقية و هو الجماعة السلفية للدعوة و القتال. هذه الأخيرة ، اصبحت تملك الأصل التجاري للتنظيم القاعدة في شمال إفريقيا و الساحل. هذا الواقع  لخصته اعترافات احد ضباط الاستخبارات الجزائرية المنشقين حبيب السويدية و الذي أقر بان الجيش الجزائري لعب دورا كبيرا في تموقع الارهاب في منطقة شمال افريقيا  و انه كان "العامل الرئيسي في تجنيد الارهاب الإسلامي "

توفيق مدين و المعروف باسم الجنرال توفيق ، الذي ساعد  اوسعيد بلعيد في تأسيس  حزب الحرية و العدالة  مكافئة  لما قدمه من اعمال و كذلك باعتباره احد رجالته في الوسط الإعلامي و السياسي الجزائري،  هو أحد  مهندسي الشبكات المعقدة و المتقاطعة للإرهاب في الجزائر سنوات التسعينات و هو مؤسس استراتيجية التوتر. فقد كان لا يتوانى في استخدام خطاب التخوين المصلحة العليا للفرض إرادته من أجل ضبط جميع المعارضين السياسيين و كذلك تصفية الحسابات مع الجسم الصحفي الجزائري. اعتمد الجنرال توفيق و الذي كان يحكم بقبضة قوية على المؤسستين الأمنية و العسكرية على مكاتب الأمن السرية للجيش SM    من أجل تنفيد العمليات ضد حتى بعض الصحفيين المعروفون بدفاعهم المستميث عن الدولة كطاهر جاووت في ماي 1993، و عبد الحميد مني، سعد بختاوي و اللائحة طويلة تصل ما بين 1992 و 1996 إلى أكثر من ستون صحفي تم اغتيالهم في ظروف غامضة و ليس من المستبعد كما جاء في عدة اعترافات لضباط منشقين انها تدخل في استراتيجية التوتر من أجل حشد الإحساس العام و الشعبي ضد التيارات الإسلامية.

السيد محند اوسعيد، الرئيس السابق للمركز الثقافي و الاتصال الجزائري ببيروت في لبنان سنوات 1970 و الذي عاش تحث جلباب هواري بومدين،  بل كان من الصحفيين آنذاك في الإذاعة الوطنية الجزائرية الذين دعموا انقلاب بومدين و مجموعة وجدة على الرئيس احمد بنبلة، يأتي و يريد أن يتجاهل التاريخ و الحقيقة ليعطي للمغاربة الدروس في الديمقراطية و عمل المؤسسات و هو الذي نسي عندما كان مستشار  الاتصال أحد القادة الحقيقيين للثورة الجزائرية الدكتور  احمد طالب الإبراهيمي والذي كان مرشحا للرئاسة الجزائرية سنوات   1999 و 2004 وكان يواجه آنذاك نظام بوتفليقة، ان مباشرة بعد تولي بوتفليقة الرئاسة تمت مكافئته . حيث انه بقدرة قادر عرف في عهده قفزة غير مسبوقة و تقلد مجموعة من المناصب تفوق منصبه كمدير عام للوكالة الأنباء الجزائرية في بداية الثمانينات.  

إستراتيجية التوتر، نهج جديد قديم للقادة الجزائريين

على المستوى الدبلوماسي، فإن  تصريحات المسؤول الجزائري  تظهر مرة أخرى فقدان الدولة الجزائرية للبوصلة التاريخ و حسن الجوار و المصالح المشتركة. فهذا العداء اللامتناهي الذي تكنه قيادة هذا البلد للمملكة المغربية ليس و ليد اللحظة. فقيادة جبهة التحرير حاولت طمس و تزوير الحقائق حول الدور الكبير الذي لعبته المملكة المغربية في دعم الجزائر و استقلالها. فالتاريخ لن ينسى دعم الرباط  للحكومة المؤقتة برئاسة  فرحات عباس وبن  يوسف بن خدة، مرورا بأحمد بنبلة و الذي تنكر لتعهداته ابان زيارته الرباط بداية شهر شتنبر 1962 للطلب الحياد في مسألة الانقلاب الذي كان يهندس له بمعية هواري بومدين و جيش الحدود على فرحات عباس. فكل المؤرخين الجزائريين و الاجانب يؤكدون أن أحمد بنبلة و في لقاءه مع جلالة الملك الحسن الثاني ، رحمه الله، تعهد بتصفية مسألة الحدود بشكل كامل،  كما أقر به من قبله آنذاك فرحات عباس أمام جلالة الملك محمد الخامس، رحمه الله. هذا التاريخ الذي يريد المسؤولون الجزائريون كتابته بمداد الكراهية و الحقد الدفين استمر مع الوقت و لا غرابة أن يستمر هذا المسلسل الذي يقوض منطقة برمتها مع الرئيس الحالي عبد المجيد تبون.

كل هذه التطورات و أخرى ليس المكان للإفاضة فيها  تظهر النهج الجديد - القديم للدولة الجزائر في تدبير علاقاتها خاصة محيطها من خلال إستراتيجية التوتر. فالصراع بين الاخوة الاعداء الذي ظهر بعد الاستقلال ، و الذي دهب ضحيته فقط على سبيل المثال لا الحصر كريم بلقاسم ، وزير القوات المسلحة في تركيبتها الأولى و الذي كان على خلاف كبير مع بومدين و جيش الحدود، ثم عبان رمضان أحد مهندسي مؤتمر الصومام و محمد خيضر الذي تمت عملية اغتياله في اسبانيا و صولا إلى   محمد بوضياف الذي تمت قتله أمام شاشات التلفزة، اغتال و سلب الثورة من رجالاتها الحقيقيون. و من أجل  محاولة التغطية على هذا التاريخ الدموي، لجأت القيادة الجزائرية آنذاك إلى اختلاق عدو و همي، المغرب، حتى يتسنى لهم الحفاظ على السلطة و تحويل اهتمام البلاد عن المشاكل الاجتماعية و السياسية و كذلك سطوة مؤسسة الجيش على كل امكانيات الدولة. و بالتالي فإنني إستراتيجية التوتر مع المغرب أصبحت مع الوقت و التراكم داخل المشهد العسكري و السياسي الجزائري فلسفة وجودية للنظام برمته...